طوفان الأقصى

خاص العهد

 الدولار فالت من عقاله: أين وصلت المساعي القضائية للحد من التلاعب؟ 
02/03/2021

 الدولار فالت من عقاله: أين وصلت المساعي القضائية للحد من التلاعب؟ 

فاطمة سلامة

لم يعد خبر الإرتفاع بسعر صرف الدولار مفاجئاً. قبل أشهر، كان الإرتفاع لبضع مئات من الليرات كفيل بإحداث صدمة. أما اليوم، فقد بات شعار "لا سقف لسعر صرف الدولار في لبنان" مهيمناً. خلال الساعات الأخيرة، لامست العملة الخضراء عتبة العشرة آلاف ليرة والقادم أسوأ كما يقول خبراء ومراقبون. الواقع السوداوي الذي يطرح الكثير من علامات الإستفهام والتعجب عن دور المعنيين وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة -رأس السلطة النقدية- من كلّ هذا العبث الحاصل. تماماً كما يطرح علامات استفهام عن دور القضاء في ملاحقة المتلاعبين وسط انتشار ظاهرة التطبيقات التي تتحكّم بالدولار صعوداً وهبوطاً. فأين أصبحت الدعاوى أمام القضاء في حق مشغلي السوق السوداء؟ وما الأسباب وراء تحليق سعر صرف الدولار؟ ومن المسؤول عن منع الإنهيار الدراماتيكي الحاصل لليرة اللبنانية؟. 

مصادر قضائية: كريدية وعد القاضية عون بإقفال التطبيقات خلال أيام 

لدى سؤال مصادر قضائية عن دور القضاء في الحد من التلاعب الحاصل بسعر الصرف ومصير الإخبار الذي تقدّم به النائب السابق نبيل نقولا أمام النائب العام الإستئنافيّ في جبل لبنان القاضية غادة عون حول تطبيقات سعر صرف الدولار، تجيب في حديث لموقع "العهد" الإخباري بالتأكيد أنّ القضاء يتابع هذه المسألة بلا توقّف. القاضية عون تواصلت قبل أيام مع رئيس هيئة "أوجيرو" عماد كريدية لمساعدتها في حجب منصّات أساسية تتلاعب بسعر صرف الدولار، فكانت إجابة كريدية للقاضية عون :" أعطوني عنوان الـ"IP" ونحن نتابع القضية". وبحسب المصادر، بقي رجال أمن الدولة 4 أيام ولم يتمكنوا من العثور على الهويات الإلكترونية لهؤلاء المشغلين بسبب عدم وجود إمكانيات، فأبلغت عون كريدية بالأمر، وأرسلت أمس الإثنين كتاباً إلى "أوجيرو" ليعدها كريدية بإقفال التطبيقات بين 4 إلى 5 أيام. 

وفي معرض حديثها، تستغرب المصادر القضائية أن يتمّ السكوت عن هكذا قضية خطيرة. وهنا تسأل المصادر التي ترى أن لا نية لدى المعنيين بحل القضية: أين النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات لا يتحرّك؟. وتعود المصادر لتؤكّد أنّنا أمام قضية كبرى، لافتةً إلى أنّ القضاء تمكّن عبر القاضية عون من توقيف 10 منصّات تتلاعب بسعر صرف ​الدولار محلية، وهدّد أصحابها بتوقيفهم إذا ما أعادوا الكَرّة. وبحسب المصادر الكُرة اليوم في ملعب أوجيرو لأن ثمّة منصّات خارجية يتمّ التّحكم بها من ألمانيا وتركيا ويجب أن يتمّ إيقافها من قبل "أوجيرو". 

وحول مسؤولية رياض سلامة من ما يحصل، تقول المصادر القضائية:" بغض النظر عن ملف سعر الصرف وضرورة تحمله مسؤولية سلامة النقد، فإنّ ملف رياض القضائي كبير جداً وعلمنا من مصادر موثوقة أنّه متورط في الكثير من القضايا حتى العظم وأنّ ثروته كبيرة جداً وتفوق الملياري دولار".  

رمال: المصارف أحدثت هجمة على الدولار 

يتحدّث عضو المجلس الإقتصادي الإجتماعي عدنان رمال عن أسباب الإرتفاع بسعر صرف الدولار، فيوضح لموقعنا أنّ الدولار ارتفع في السوق السوداء لعدّة أسباب منها كما بات معلوماً استحقاق "هيكلة المصارف" حيث تعمل الأخيرة على شراء الدولارات للمصارف المراسلة أي الأجنبية بنسبة ٣ بالمئة لوضعها مقابل ودائعها. هذه الثلاثة بالمئة تشكل -مقارنة بحجم الودائع الموجودة في لبنان- حوالي ثلاثة مليارات ونصف. صحيح أنّ المصارف الكبيرة تمكّنت من تأمين ذلك عبر بيع أصولها في الخارج، إلّا أنّ بعض المصارف لم تتمكّن، فعمدت إلى تأمين جزء من السوق غير اللبناني وآخر من السوق اللبناني تفوق قيمته المليار ونصف المليار من الدولار وسط مهلة قصيرة. وهنا يوضح رمال أنّه صحيح أنّ المهلة انتهت في ٢٨ شباط إلّا أنّه تمّ إعطاء وعود للمصارف بدراسة كل مصرف على حدا والبت به، ما يعطي فعلياً وقتاً مسموحاً وغير معلن للمصارف الأخرى لتأمين ال٣ بالمئة لإرسالها إلى خارج لبنان ما يحدث نوعاً من الضغط على الدولار من قبل المصارف، أضف إلى الطلب الحاصل من قبل القطاع الاقتصادي خاصة بعد فتح البلاد بشكل كلي. وعليه، يرى رمال أنّه وبمجرّد أن يكون هناك طلباً على الدولار بهذه الكمية وسط عرض قليل -يقتصر على عرض المنازل- سيرتفع سعر الصرف.

 الدولار فالت من عقاله: أين وصلت المساعي القضائية للحد من التلاعب؟ 

 لا سقف للدولار في لبنان
  
وفي المقابل، يلفت رمال إلى أنّ المصارف لم تتمكّن من استرجاع أموال محوّلة إلى الخارج، فالتّعميم ١٥٤ يطلب من المصارف أن تحثّ عملائها على استرجاع نسبة ١٥ بالمئة من التّحويلات التي حصلت أعوام ٢٠١٧-٢٠١٨-٢٠١٩ والتي فاقت الـ٥٠٠ ألف دولار، ولكن قلّة ممّن عملوا على تحويل دولارات من الخارج إلى لبنان بسبب شبه انعدام الثقة بالمصارف. وهنا يوضح رمال أنّ مشكلة التعميم أنّه ساوم بين التجار والقطاع الاقتصادي والصناعيين والذين حوّلوا أموالاً إلى حساباتهم في الخارج،  فمن استورد بضائع ودفع لموردين لم يضع المال في حسابه لأن الأموال تحولت إلى ديون، فيما يرفض أصحاب الودائع التي هُرّبت إلى خارج لبنان إعادتها. 

ومن جملة الأسباب، يلفت رمال إلى أنّ الإستيراد انخفض عام ٢٠٢٠ من ٢٠ مليار دولار عام ٢٠١٩ إلى ١٠ مليار دولار عام 2020، مع العلم أنّ الميزان التجاري تمكّن من تصحيح ذاته بنسبة كبيرة، ولكن ميزان المدفوعات تخلّله عجز وصل عام ٢٠٢٠ إلى ١١ مليار دولار، وذلك لأوّل مرّة إذ كان يتراوح بين ٤ و٦ مليارات دولار في السنوات الماضية، وهذا شكّل ضغطاً إضافياً على الدولار. وعليه، يرى رمال أنّه كلّما ذهبنا إلى شحّ أكبر في احتياطي مصرف لبنان وكلما تشدّد الأخير في صرف الدولارات لمواد أساسية كالكهرباء، كلما ازداد الضغط في القطاع الإقتصادي الذي يتحوّل لتأمين الدولارات من السوق السوداء ومعه بعض المصارف، أضف إلى أنّ تحويل الدولارات إلى لبنان انخفض كثيراً، مع الإشارة إلى أنّ الدولارات الطازجة التي أتت إلى لبنان عقب انفجار المرفأ من الجمعيات خفّفت العام  الماضي الطلب على الدولار، ولكنّنا ذاهبون هذا العام -برأي رمال- نحو طلب أكثر وشح أكثر من الخارج إلى الداخل اللبناني، وبالتالي لا سقف للدولار بدليل القفزات التي يحدثها بين الحين والآخر. 

الأسباب السياسية تتحمّل 50 بالمئة من المسؤولية 

ولا ينسى رمّال أن يشدّد على الأسباب السياسية. الأخيرة تتحمل المسؤولية بنسبة 50 بالمئة لأنّ وجود حكومة فاعلة تتّخذ الإجراءات للحد من التدهور يُحسّن الأوضاع المتفاقمة. أما الخطورة اليوم -وفق رمال- تكمن في أنّ الأمور تتدهور والحكومة والوزراء يعتبرون أنفسهم غير موجودين نظراً لتوليهم حكومة تصريف أعمال، فيبتعدون عن اتخاذ قرارات قد تشكل مسؤولية عليهم.

وفيما يؤكّد أنّ وظيفة المصارف المركزية بكل دول العالم الحفاظ على سلامة النّقد الوطني، يلفت رمال إلى أنّ الوضع النقدي تدهور نتيجة السياسات الخاطئة في الأربع سنوات الماضية من سياسة دفع الفوائد العالية إلى سياسة جلب الدولارات بأي ثمن على لبنان. برأيه، تأخّر المعنيون كثيراً ليتّخدوا قرارات سليمة بموضوع سعر الصرف وهذا ما ندفع ثمنه اليوم غالياً، فالإستهلاك الكبير خلال الأعوام الماضية أحدث طلباً كبيراً على الدولار وأخرج الدولارات وأحدث عجزاً كبيراً بميزان المدفوعات، والأخطر من ذلك أنّ الأمور متروكة ولم يتمّ اتّخاذ أي إجراءات فاعلة حيث كان بإمكان الجهات المعنية اتخاذ قرار وطني للحد من الأزمة. على سبيل المثال، عدم الذهاب إلى دعم السّلع الذي كلّفنا ٦ مليارات ونصف المليار دولار ولم يستفد منه سوى التّجار. كان بإمكانّنا الذّهاب إلى دعم المواطن مباشرة، ولكن تحوّل دعم السلع إلى احتكار وتهريب للمهربين والمواطن من يدفع الثمن .

الكيك: القانون سمح لمصرف لبنان استعمال كافة الوسائل لتأمين ثبات القطع

وحول مسؤولية حاكم مصرف لبنان ودوره المفترض، تتحدّث الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك لموقعنا، فتلفت إلى أنّ المشرّع أَوْلى موضوع سلامة النقد الوطني صفة النظام العام الإقتصادي بموجب أحكام المادة ٧٠ من قانون النقد والتسليف، وأناط بمصرف لبنان وحده اتّخاذ كافّة التّدابير الآيلة للمحافظة على استقرار الواقع النقدي العام. وفق الكيك، حرص المشرّع بموجب أحكام المادة ٧٥ من قانون النّقد والتّسليف بالسماح لمصرف لبنان وحده في استعمال كافة "الوسائل التي يرى من شأنها تأمين ثبات القطع"، ولكن حتماً بما يتماشى مع سياسة الدولة الإقتصادية والمالية. وعليه، يحوز المركزي حاكميةً ومجلساً لهذه الغاية على مروحة شاملة من الإمكانيات التنظيمية والرقابية والتكييفية والتقديرية وصولاً حدّ التّدخلات التنفيذية المباشرة عبر شراء وبيع العملات الأجنبية من الجمهور بعد موافقة وزير المال بحسب المادة 83 من قانون النقد والتسليف.

 الدولار فالت من عقاله: أين وصلت المساعي القضائية للحد من التلاعب؟ 

وفي هذا السياق، تؤكّد الكيك أنّ مجلس شورى الدولة اللبناني شدّد على أهمية وخصوصية الدور المولج به مصرف لبنان من خلال إيلائه وظيفة تحصين قيمة النقد الوطني، معتبراً أنّ قرارات المركزي تندرج بهذا الشأن:

-تدابير اقتصادية ومالية تتعلّق بالسياسة النقدية المصرفية والصيرفية وتؤثر بصورة مباشرة على النقد الوطني من حيث التعادل (سعر الصرف في سوقين) والتكافؤ (القوة الشرائية) (parité) والسعر المتبادل (parité de conversion).

-موجبات تفرض على الحاكمية التدخل دائماً في السوق بصورة فعّالة (سوق مفتوح-open market) لإيجاد تفاعل مباشر وبصورة مضبوطة ومركّزة بين العملة الوطنية وحركة مبادلة الأسعار (mécanisme des prix) بهدف تأمين استقرارها.

-قرارات متعلّقة بالنظام العام لأن من شأنها التأثير بصورة مباشرة في كلفة المعيشة وبالتالي على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وبحسب الكيك، أكّد مجلس شورى الدولة بما حرفيته أنّ "ارتفاع سعر تلك العملات بالنسبة لسعر العملة الوطنية يخفض قوة شرائها ويشكّل احتمالاً لحدوث اضطرابات وشغب وإخلال بالأمن".

الدولار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل