يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

الخصخصة: مصلحة وطن.. أم قدر؟
23/02/2021

الخصخصة: مصلحة وطن.. أم قدر؟

هاني ابراهيم

عند كل حديث عن إصلاحات إدارية وتنموية، لا سيما في البلدان التي تعاني من مشاكل وأزمات مالية واقتصادية كما هو حال لبنان، تتصدر عملية الخصخصة المشهد العام، إضافة الى عمليات أخرى كالشراكة بين القطاعين العام والخاص أو ما يعرف بالـppp. عندها تبدأ التكهنات والتحليلات بالتنقل ما بين قانونية هذه الخطوة والحاجة لها من جهة، وضرورتها ومدى إمكانية تطبيقها في بلد مثل لبنان من جهة أخرى، الى أن يصل الأمر - سواء مع قناعة أو دونها - الى خلاصة أنه لا سبيل للبنان للحصول على المساعدة الخارجية إلا من خلال نماذج وتطبيقات كهذه تمهيدًا وإيذانًا بالحصول على القروض والهبات.

وتلحظ الخصخصة التي يمكن أن تكون جزئية أو كاملة، نقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة ونقل إدارة الخدمة أو نشاط ما من القطاع العام إلى القطاع الخاص. ولكن لا بد لنا عند الحديث عن الخصخصة من أن نميز بين خصخصة الأصول أي بيع ممتلكات الدولة، وهو ما لا يؤيده الجزء الأكبر من اللبنانيين، وخصخصة الإدارة أي تسليم إدارة المرافق إلى القطاع الخاص وهو الخيار الأقرب للمعقول وكانت له تجارب عديدة.

وهنا، لا بد من لفت النظر الى ما للخصخصة من إيجابيات عدة في إدارة الدولة ومواردها ومنها تفعيل الأسواق المالية، فضلاً عن تأثيرها على المنافسة، والمناخات الاستثمارية والتجارة أيضًا، ما ينعكس بشكل لافت على العائدات في هذا المجال، وتساهم على نحو أساس بتخفيف العبء المالي عن الشركات المملوكة من الدولة، وتزيد في مداخيل الدولة الضرائبية.

لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو "هل هذه هي الأهداف الأساسية لمشاريع الخصخصة؟". طبعًا لم يجتمع الخبراء والمتخصصون في هذا المجال على رأي واحد، لكنهم أجمعوا على بعض النقاط المشتركة، وأهمها تحسين الوضع المالي في القطاع العام، مع الإشارة الى أن هذا الهدف هو الأبرز أو لعله الدافع الأول للذهاب باتجاه الخصخصة. لكن ذلك لا يحجب الأهمية عن أمور عديدة تهدف الخصخصة الى تحقيقها كتقوية دور القطاع الخاص في الاقتصاد وتأمين الكفاءة الإنتاجية، فضلًا عن تجيير الطاقات في الدولة لاستخدامها في قطاعات أخرى.

لكن، هل يمكن الوصول الى ذلك مباشرة ودون تمهيد؟ الجواب بالنفي طبعًا حيث إن هذا الأمر يستدعي تطبيق عدد من السياسات الاقتصادية التي تساعد في إتمام هذه العملية، ولا سيّما السياسات النقدية والمالية، التي تعد من أهم الخطوات التي يجب إتمامها.
 
ذهب العديد من الخبراء الاقتصاديين الى القول إن من أهم تلك السياسات تحرير الاقتصاد والاعتماد على آليات السوق، ما يعني فتح المجال أمام قوى العرض والطلب، وذلك من خلال تحرير الأسعار، وتقليص الدعم، وترك الحرية لقوى السوق، ما يساعد على فتح أبواب العمل وبالتالي توجيه العمال نحو خيارات مناسبة، والأهم من ذلك كله إعطاء الثقة بالاستثمار على أن لا ننسى ترافق ذلك مع تحرير سعر الصرف وتحرير أسعار الفوائد ما يؤدي الى تطوير السوق المالي مع عدم إغفال ضرورة إصلاح النظام الضريبي، من خلال وضع نظام ضرائبي عادل يميز بين مقدرات المكلفين في هذا الإطار.

لكن كيف يمكن تطبيق الخصخصة كعملية اقتصادية؟ لا شك أن للخصخصة كعملية اقتصادية آليات معينة وعديدة، وتختلف تبعًا للأولوية المحددة من قبل الدولة لهذه العملية وأهم هذه الآليات هي عقد الإدارة: وهو عقد يتم من خلاله نقل حقوق التشغيل من القطاع العام إلى القطاع الخاص وعادة ما يطبق في تنشيط شركات خاسرة عبر إدخال القطاع الخاص إليها. أما الآلية الثانية فهي التأجير، وهو أيضًا عقد يمنح من خلاله القطاع العام (الدولة) شركة خاصة حق استخدام الأصول والاحتفاظ بالأرباح في مقابل دفع إيجار، أما آلية الامتياز، فتتضمن كل مواصفات التأجير وشروطه. ويتحمل صاحب الامتياز المسؤولية الشاملة عن الخدمات وتكون المدة الزمنية المحددة للامتياز ما بين 25 و30 سنة. وهناك أنواع عدة من العقود، منها ما يعرف بالـ BOT (بناء، تشغيل، تحويل) الذي يستخدم عادة لتطوير مشاريع جديدة في البنية التحتية، ومن هذه العقود ما يعرف بالـBOOT( بناء – تملك – تشغيل – تحويل)، وتمتد فترته إلى 25 عامًا، أما الآلية الرابعة فهي البيع المباشر والتي تعد من أكثر الطرائق استخدامًا في الخصخصة، وتتخذ أشكالًا عدة، عروض مزاد علني أو وجود مستثمر إستراتيجي والأهم عدم وجود وسيط بين الدولة والمشتري.

والجدير ذكره في هذا السياق، عمليات الخصخصة التي شهدتها دول أوروبا، ولا سيما إيطاليا وفرنسا، بين عامي 1990 - 2000 حيث تتم خصخصة كبرى الشركات في الاقتصاد مثل "إير فرانس" و"كريدي ليوني" وكذلك الحال في منطقتنا، فقد تمكنت مصر خلال العام 1993 من خصخصة 119 شركة من أصل 314 شركة تملكها الدولة. لكن وبالرغم من كل ذلك، هل يمكن تطبيق ذلك في لبنان؟

قامت الحكومة اللبنانية باتخاذ خطوات عملية باتجاه خصخصة عدد من المرافق العامة، وكان الهدف من وراء ذلك زيادة حماسة الدول المشتركة في المؤتمرات المانحة وتشجيعها على تقديم الأموال والمساعدات والمشاريع اللازمة، لكن ذلك ترافق مع ضرورة الإصرار على وجوب السير بخصخصة "شفافة" بخلاف ما كان يحصل.

فيما ذهب البعض الآخر المؤيد لخيار الخصخصة الى القول إنه وفي حال تم اعتماد الخصخصة في عدد من المرافق كالمطار، والمرفأ، والاتصالات، شركة طيران الميدل إيست، قطاع التعليم، وغيرها من القطاعات الأساسية فإن ذلك سيدر ما بين 30 و40 مليار دولار إلى خزينة الدولة، إضافة الى إمكانية منح الشركات الخاصة إمكانية إدارة هذه المرافق لـ10 أو 20 أو 30 سنة، على أن يتحدد ذلك تبعًا لبنود العقد وتفاصيله وشروطه ومتطلباته.

لكن الأهم من ذلك كله، هل حان الوقت لنضع حدًا لإدارة الدولة التي تمثل للأغلب الأعم من الناس نموذجا للإدارة الفاشلة المهترئة؟ وهل من الممكن أن نعتبر الخصخصة المدخل الاصلاحي الاقتصادي الحقيقي الى جانب خيارات أخرى للخروج من النفق المظلم الذي دخل فيه لبنان؟

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل