طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

قواعد المواجهة ثابتة: بنك أهداف المقاومة جاهز
19/02/2021

قواعد المواجهة ثابتة: بنك أهداف المقاومة جاهز

شارل ابي نادر

كان لافتًا الفيلم الذي نشره الإعلام الحربي، متضمِّنًا مشاهد تُظهر المواقع العسكرية الإسرائيلية داخل المدن، مع تعليق مقتضب يقول: "أيها الصهاينة، لديكم أهداف عسكرية وأمنية داخل مدنكم"، والذي جاء مباشرة بعد كلام الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الأخير، الذي أعاد فيه تذكير الجميع وبالتحديد رئيس الأركان الإسرائيلي: "أننا لا نبحث عن مواجهة وعن حرب، ولكن إن فرضتم حربًا فسنخوضها، وإذا ضربتم مدننا، فسنرد بالمثل، وإذا استهدفتم قرانا، فسنقصف مستعمراتكم".
 
فيلم بسيط لم تتعد مدته الدقيقتين، كان كافيًا، من جهة أولى لتأكيد مسار متواصل من المعادلات والقواعد التي فرضها وثبتها حزب الله في مواجهة العدو الاسرائيلي، ومن جهة أخرى، لتذكير من نسي أو تجاهل هذه القواعد والمعادلات، أو لمن اعتقد في لحظة معينة، أن صراخ نتنياهو أو بعض قادة جيش الكيان، قد أزال أو ألغى مفاعيل هذه القواعد والمعادلات.

وبمجرد أن عُرض الفيلم، مفندًا بالتوثيق العلمي وبالصور والمشاهد الحية وبالإحداثيات الجغرافية، خارطة انتشار المواقع العسكرية الأساسية للعدو بين المدنيين وداخل المناطق المأهولة، أولًا، عادت الذاكرة فورًا لمن نسي تلك القواعد، وتراجع فورًا عن اعتقاده، من ظن أن صراخ بعض المسؤولين في الكيان أحدث تغييرًا في تلك القواعد، وثانيًا، وهذا هو الأهم، أضاء الفيلم على جملة من الرسائل الأساسية، تحمل الأبعاد التالية:

البعد المعنوي والنفسي

بدقيقتين من العرض الواضح والمختصر، كان كافيًا للفيديو، أن يُفقِد قادة العدو المبادرة، من خلال تسخيف مناورتهم الإعلامية التي طالما ركزوا عليها، وقامت بأساسها على التصويب على حزب الله بوضعه مواقع عسكرية بين المدنيين، ففقد العدو وبضربة قاضية (فيلم من دقيقتين) تلك المناورة والتي دائمًا كان يستعملها كسلاح مواز للسلاح الحربي أو العسكري، وهو سلاح تحريض المجتمعين اللبناني والدولي على المقاومة بسبب نشره مواقع عسكرية بين المدنيين.

وبطريقة أخرى، يمكن القول إن الفيلم المذكور قد حقق زيادة في مستوى الردع الذي يملكه حزب الله بمواجهة العدو، وذلك من خلال عكس مفعول وتأثيرات مناورة الأخير، فأصبح المدنيون والمستوطنون الإسرائيليون يخافون ويخشون العيش والانتقال قرب المواقع العسكرية الصهيوينة، ومن غير المستبعد أن ينتج قريبًا عن ذلك، حركة داخلية في الكيان، للاعتراض على تلك المواقع العسكرية.

بُعد استعلامي

في الوقت الذي تبذل فيه "اسرائيل" جهودًا ضخمة وعلى مدار الساعة، لتكوين بنك أهداف "مُيَوَّم"، عن مواقع ونقاط المقاومة، أثبت حزب الله أنه يملك بنكًا كاملًا وكافيًا عن مجموعة من الأهداف الحساسة والحيوية، لأغلب المواقع العسكرية والإستراتيجية للعدو داخل فلسطين المحتلة.

بُعد تكتي

طبيعة الأهداف التي تم تصويرها وتحديدها في ما نشره الإعلام الحربي، تؤشر الى أن حزب الله يبني مناورة دفاعية وهجومية متكاملة، فيها التحضير للتعامل عند أية مواجهة، مع أهداف استراتيجية داخل عمق الكيان، مثل المطارات المدنية والعسكرية ومراكز الصناعات العسكرية  والكيماوية، وبنفس الوقت للتعامل مع أهداف تكتية وميدانية، ترتبط مباشرة بالجبهة البرية على الحدود مع فلسطين المحتلة، كقيادة المنطقة الشمالية وقيادات الوية الغرب والشرق في فرقة الجليل، والتي سوف تكون هي المعنية في أية معركة أو مواجهة محدودة أو واسعة، بادارة المعركة وبتنسيق القيادة والسيطرة للعمليات العسكرية.
 
ويبقى البعد الأهم في ما حمله الفيلم الذي نشره الإعلام الحربي، والذي يمكن استنتاجه ضمنيًا، أنه جاء للرد بطريقة غير مباشرة على ما صرح به مؤخرًا قادة عسكريون اسرائيليون، عن الأيام القتالية، والتي يحضرون وحداتهم للتعامل معها، عبر التدريب المباشر أو خلال المناورات، والتي ازدادت بشكل لافت في المرحلة الأخيرة، بأن هذه المقولة "الأيام القتالية" لا تعدو كونها أكثر من مقولة إعلامية إعلانية، غير بعيدة عن محاولة رفع معنويات عناصر جيشهم، والذين لم يسمعوا في الفترة الأخيرة، ومن قادة وخبراء عسكريين اسرائيليين، ومن باحثين ومحللين ومسؤولي مراكز دراسات اسرائيلية، سوى أن الحرب مع حزب الله سوف تكون صعبة وخطرة، وأن ما ينتظرهم في أية مواجهة مع الأخير، لن يكون سهلًا، ونماذج الأهداف التي عرضها الفيلم، خير دليل على ذلك.

 وأخيرًا، يبقى الأهم في ما يمكن استنتاجه، أنه لا يوجد بالنسبة لحزب الله شيء اسمه "يوم قتالي" أو "عدة أيام قتالية"، فقط يوجد ما يسمى مواجهة محدودة أو مواجهة واسعة، وحيث أيضًا أن المواجهة المحدودة هي غير واردة  في قاموسه حاليًا، وهي نمط  من المواجهة قد ترتاح لها "اسرائيل"، أما المقاومة، فترتاح لمواجهة تتحرر فيها صواريخها النوعية والدقيقة من قيودها، لتستهدف مروحة او بنك الأهداف الواسع، والذي أظهر فيلم الإعلام الحربي الأخير، مقتطفات بسيطة منها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات