يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

حكومة تصريف الأعمال.. صلاحيات دستورية أم سياسية؟
15/02/2021

حكومة تصريف الأعمال.. صلاحيات دستورية أم سياسية؟

هاني ابراهيم

في ظل الوضع الحكومي التائه بين المهام الضيقة لتصريف الأعمال بحسب منطوق البند 2 من المادة 64 من الدستور اللبناني وبين عصيان تأليف الحكومة الجديدة من جهة وضرورة إقرار موازنة عامة للبلاد بهدف تسيير المرافق والإدارات والمؤسسات العامة وانتظام الحياة المؤسساتية من جهة أخرى، تطفو على سطح المشهد السياسي في لبنان إشكالية دستورية سياسية في آن معًا: هل يحق لحكومة تصريف الأعمال وفق المفهوم الضيق للكلمة على المستوى العملي إقرار موازنة عامة للبلاد وإحالتها الى مجلس النواب؟

يبرز عند كل استقالة للحكومة الحديث عما يعرف بصلاحيات تصريف الأعمال، وأي الأعمال تلك المسموح بها في هذا الإطار دون غيرها من الأمور التي لا يمكن القيام بها أو اتخاذ أي قرار في شأنها، لذلك، وقبل البدء بمقاربة هذه النقطة، فلنلق الضوء أولًا على الحكومة المستقيلة أو ما يعرف بـ "حكومة تصريف الأعمال".

 هي تلك المنتقلة من حالة الحكومة الفعلية بكامل الصلاحيات الى تلك الحكومة المحدودة بصلاحياتها وقدرتها على اتخاذ القرارات الأساسية والمصيرية، حيث تمثل الفترة الانتقالية بين الحكم بكامل الصلاحيات للسلطة الإجرائية وبين تأمين تسيير الأمور الضرورية والتي تتطلبها عجلة الإدارات والمؤسسات والانتظام العام.

والجدير ذكره في هذا السياق أن العديد من الدول العربية والغربية أيضًا أكدت من خلال دساتيرها على نظرية مبدأ حكومة تصريف الأعمال وذلك تفاديًا للفراغ في السلطة والمؤسسات، فنجد ذلك في كل من الدستور الكويتي في مادته (103) والدستور الجزائري مادة ( 96) وكذلك الحال في الدستور الاسباني المادة (101) حيث تواصل الحكومة التي انتهت مهمتها تصريف الاعمال الى حين اضطلاع الحكومة الجديدة بمهامها.

 كل هذا يأخذنا الى القول إن تصريف الأعمال أمر طبيعي، لا بل أكثر من ذلك هو أمر بديهي وموجود في مختلف البلدان والدساتير العربية والغربية. ولكن، ماذا عن إقرار حكومة تصريف الأعمال للموازنة؟

برز في هذا الإطار أكثر من رأي دستوري، ولكل من هذه الآراء حجته ومبرراته والتي للأسف الشديد وخاصة في بلد مثل لبنان تحكمه الأهواء السياسية، فهذه الآراء تتمايل مع الأهواء السياسية والمصلحية، فترى من هم ضد الموازنة متمسكين بحرفية النص الدستوري، فيما الطرف الآخر يُخضع النص نفسه للاجتهاد والتفسير الواسع.  

لكن، وبصرف النظر عن الخلفيات السياسية، تنقسم الآراء الدستورية في هذا الجانب، فمنهم من يرى أن الحكومة المستقيلة وبالنظر إلى الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور اللبناني والتي تنص على أنه "لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال"، لذا فإن قيام الحكومة المستقيلة بإقرار الموازنة وإحالتها يقع في غير مكانه، ما يعرضها للطعن أمام المجلس الدستوري.
 
طبعًا، من البديهي القول إن أنصار هذا المبدأ قد أخذوا النص كما هو وبنوا موقفهم الفقهي الدستوري بناءً على جمود هذه الفقرة من المادة المذكورة ونادوا بتطبيقها كما هي، ما يعني عدم دستورية اجتماعها وإقرار الموازنة وإرساله بموجب مرسوم الى مجلس النواب للمناقشة والتصويت.

فيما ذهب أنصار الرأي الآخر وهم أصحاب الوسطية في مقاربة الأمور، إلى أن إحالة مشروع الموازنة جائز باعتبار أنه لا تنشأ عنه حالة قانونية جديدة، فاستكمال هذه الخطوة لا يتم إلا بإقرارها بمجلس النواب حينها يتصف بالصفة الإجرائية بامتياز لأنه يعكس توجهات الحكومة وبرنامج عملها ورؤيتها الاقتصادية والمالية والنقدية، ما يعني أنه ميز بين خطوة الإحالة وخطوة إقرارها بمجلس النواب
وأن الإحالة شيء وإقرار الموازنة بقانون شيء آخر، أي أن حضور الحكومة المستقيلة أثناء المناقشة داخل المجلس يعطيها دورًا لا تملكه نظرًا لاستقالتها.
 
أما في الجهة المقابلة، فيعتبر أنصار ومؤيدو عمل الحكومة المستقيلة أن إقرارها للموازنة سيعد تفعيلًا لها حتى ولو كانت تصريف أعمال وبالتالي، تصبح شأنها شأن الحكومة العادية والتي لا تزال في السلطة ومتقلدة لأمور الحكم التنفيذي الإجرائي لها المشروعية بتولي السلطة بكامل صلاحياتها واختصاصاتها، حيث لا يمكن تقييدها في ميدان التصريف العاجل من الأمور والمستجدات باعتبار أن الظروف الضاغطة المترافقة مع غياب التوافق على تشكيل حكومة جديدة، يمكن أن يبدل في ذلك، بالإستناد إلى سابقة حصلت في السنوات السابقة.

واعتبروا أن اجتماع الحكومة استثنائيًا لإحالة مشروع موازنة ٢٠٢١ إلى مجلس النواب بعد أن أحالها وزير المالية إلى رئاسة مجلس الوزراء هو أمر ضروري لا بل غاية في الأهمية وذلك لاعتبارات عديدة أهمها الشلل في مسار التأليف حيث لا زال الوضع على ما هو عليه، أضف الى ذلك  الوضع المالي المتدهور نتيجة تقلبات سعر صرف الدولار وانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية وضرورة إقرار الإصلاحات المالية، وضبط الإنفاق للتخلص من الصرف خارج الموازنة أي على القاعدة الاثني عشرية.
 
كل ذلك وأكثر كان كافيًا لمؤيدي هذه النظرية للقول بأن استمرار المرافق العامة وتسيير أمور المؤسسات الدستورية وانتظام عمل الإدارات العامة هو الأولى في هذا المجال، وبالتالي لا يمكن الوقوف أمام جمود النصوص الدستورية وترك الأمور على غاربها، وعليه، وبرأينا الشخصي في هذا السياق فإن القول بعدم دستورية اجتماع الحكومة لإقرار الموازنة وإرسالها الى البرلمان تنفيذًا للمادة 64 من الدستور هو أمر مبالغ فيه وتعاطٍ جامد مع النصوص وذلك لأسباب عديدة أهمها:

• من يوضح سبب عدم صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة إلّا بالتزامن مع التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة؟ أليس لحماية وجودها الدستوري؟ أليس لحماية قراراتها وقرارات وزرائها؟ أليس لاعتبار وجودها وجودًا فعليًا حقيقيًا وواقعيًا؟  فلماذا الإصرار على اعتبار أي انعقاد للحكومة بعد الاستقالة تجاوزًا لمفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيق، وفقًا للمادة 64 في بندها الثاني؟

• إن إنجاز الموازنة العامة التي حدّد لها الدستور مهلة معينة وفقًا للمادة 83 بهدف تقديمها لمجلس النواب لم يربط ذلك بصفة الحكومة سواء مستقيلة كانت أم فعلية، هل هناك من يفسر لنا ذلك؟ بالإضافة الى السببين المذكورين، ألا يحق للحكومة الجديدة تعديل قانون الموازنة والذي جرى إقراره بظل حكومة تصريف الأعمال؟ الجواب برسم الخبراء الدستوريين ومن يتوافق رأيه السياسي مع ذلك من المعنيين. 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات