يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

 هل تدفع أزمة تشكيل الحكومة باتجاه تطوير النظام اللبناني؟ 
02/02/2021

 هل تدفع أزمة تشكيل الحكومة باتجاه تطوير النظام اللبناني؟ 

فاطمة سلامة

ربما تتعلّق الأخبار الحكومية في بلدان العالم بطريقة مقاربة السلطة التنفيذية لهذا الملف أو ذاك. أمّا في لبنان، فالخبر الحكومي شبه اليومي ينحصر في تشكيل الحكومة من عدمها. وبعيداً عن أخبار التّشكيل والمبادرات والخلاف القائم على الأسماء والحقائب، ثمّة خلاف غير مخفي على عقلية التشكيل، والطريقة التي تُدار بها هذه العملية. في 22 تشرين الأول من العام الماضي كُلف الرئيس سعد الحريري بمهمة تشكيل الحكومة. أكثر من ثلاثة أشهر مرّت على هذا التّكليف والأمور تزداد تعقيداً. طبعاً، هذه المدّة ليست الأطول. على سبيل المثال، بقي الرئيس تمام سلام 10 أشهر حتى تمكّن من إتمام المهمة. لكن شتّان ما بين حال لبنان اليوم والحال الذي كان عليه عام 2014. انطلاقاً من هذه المقاربة، يصبح تأليف الحكومة اليوم قبل الغد أكثر من ضرورة. لا مجال لترف الوقت، فكل يوم تأخير يدفع بالأمور نحو المزيد من التعقيد. والأسئلة البديهية: هل يدرك المعنيون ماذا يعني بلداً بلا حكومة؟ هل يدركون فلسفة الحكومة وأهمية وجودها؟. هل يدركون ماذا يعني تعطيل السلطة التنفيذية في بلد يعيش سكانه من قلة الموت؟.  

لا شك أنّ ثمّة تأخير غير مبرّر يدفع تكلفته الشعب اللبناني الغارق من رأسه حتى أخمص قدميه في الأزمات. مسألة تشكيل الحكومة ليست بهذا التعقيد الذي نغرق فيه اليوم. ثمّة دستور علينا الإحتكام  إليه للبتّ بنزاعاتنا. تماماً كما أنّ مسألة تشكيل الحكومة لا يجب أن تخضع لأهواء وحسابات شخصية، فكل ساعة تأخير غير مبرّرة تفتح مجالاً للمزيد من الإنهيار. الأخير وما يصاحبه من أزمات في ذمّة المعرقلين من أصحاب الشأن. مواد الدستور اللبناني واضحة وضوح الشمس، والرّكون إليها بعيداً عن سياسة التعطيل كفيل بإعلان التشكيلة اليوم. المادة 53 من الدستور تنص على الآتي: "يصدر رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة". هل هناك أوضح من هذه العبارة؟!. إلّا إذا كان الخلاف اليوم بات على الدستور نفسه، فحينها يصبح للحديث نقاش آخر. 

طبارة: الدستور لم يضع مهلة للرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة لأنّه لا يؤلفها بمفرده 

وبموازاة الدوران الحاصل في الحلقة المفرغة، وعدم نجاح كل عمليات تدوير الزوايا، والوساطات والمبادرات أقلّه حتى اللحظة. يبدو السؤال ملحاً حول الخيارات المطلوبة للخروج من دوامة التعطيل الحكومي. وفي هذا السياق، يطرح البعض مسألة ضرورة وضع مهل دستورية للتّسريع بمهمة تشكيل الحكومة. ثمّة اتّجاهان حول هذه القضية. أوّل معارض، وآخر مؤيّد. وزير العدل السابق الدكتور بهيج طبارة يمثّل الإتجاه الأول. يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الدستور لم يضع مهلة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة لأنه لا يؤلفها بمفرده بل يوافق عليها رئيس الجمهورية. وفق حسابات طبارة، عندما يتطلّب أي موضوع موافقة شخصين، لا يمكن إلزام شخص بمهلة معينة. لنفترض أنّ هناك مهلة ولم يحصل الإتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ماذا سيحصل؟ يسأل طبارة الذي يوضح أنّ الرئيس المكلف سيعتذر حينها، وفي حال جرى تكليفه مرة ثانية من قبل مجلس النواب، تنشأ حينها مشكلة دستورية كبيرة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. لهذا السبب لم يتمّ وضع مهلة -يقول طبارة- الذي يلفت إلى أنّ بعض الدول وضعت مهلة للرئيس المكلّف ولكنها فوضّت له مهمة تشكيل الحكومة بمفرده. 

 هل تدفع أزمة تشكيل الحكومة باتجاه تطوير النظام اللبناني؟ 

وفيما يلفت طبارة إلى أنّ الدستور لم يضع مهلة أمام الرئيس المكلّف الذي جرى تكليفه من قبل مجلس النواب باستشارات نيابية ملزمة، يشدّد على أنّ تعديل الدستور لوضع المهل يتطلب تعديله لإعطاء الحق للرئيس المكلّف بمفرده تشكيل الحكومة. حينها من الممكن أن نفرض على الرئيس المكلّف مهلة محددة، ولكن لا نريد أن نفرض عليه شيئاً والدستور يفرض عليه التّوافق مع رئيس الجمهورية الذي بإمكانه أن يضع "فيتو" على التشكيلة. 

خلاصة الحديث، يعرب طبارة عن تأييده لفكرة وضع مهلة أمام الرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة، لكنّه في المقابل يؤيّد إعطاءه الحق لتشكيل الحكومة منفرداً.  

يمين: أزمتان أوجدتهما التعديلات الدستورية المنبثقة عن اتفاق الطائف

مقابل رؤية طبارة، يقدّم الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين في حديث لموقع "العهد" الإخباري رؤية مغايرة. برأيه، فإنّ الأزمة الحالية يجب أن تدفع باتجاه سدّ النواقص الكامنة في الدستور وتطوير النظام اللبناني. ثمّة أزمتين نعاني منهما جراء التعديلات الدستورية المنبثقة عن اتفاق الطائف. الأولى تكمن في انتفاء المُهل في الكثير من المواضع أمام المراجع والجهات الدستورية من أجل إنجاز استحقاق معين. هذا الأمر أدّى إلى تعطيل حوالي ثلث العهود، خصوصاً في العقد والنصف الأخير وسط حكومات تصريف أعمال أوجدتها الخلافات حول تأليف الحكومة وغياب مهلة صريحة أمام إنجاز عملية التأليف. فضلاً عن عدم وجود مُهل أمام رئيس الحكومة والوزراء للتوقيع على القرارات التي تتّخذ في مجلس الوزراء، في حين أنّ هذه المهلة موجودة في وجه رئيس الجمهورية. 

 هل تدفع أزمة تشكيل الحكومة باتجاه تطوير النظام اللبناني؟ 

لا بدّ من تطوير النظام اللبناني 

أمّا الأزمة الثانية -بحسب يمين- فتتعلّق بغياب المخارج الدستورية في حال وقوع أزمات كعدم توافر الثلثين من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، أو كاستعصاء الإتفاق بين رئيس الجمهورية والحكومة المكلّف على تشكيل الحكومة، ما يعني أنّ النظام يستقدم بذاته أسباب تعطيله. لذلك، ومع الحرص على الركائز الأساسية التي بناها اتفاق الطائف وخصوصاً على صعيد وحدة الدولة والحرص على ميثاق العيش المشترك والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في تكوين مجلس النواب والعدالة في تمثيل الطوائف في تأليف الوزارة وحفظ الأعراف في ما يتعلق بتوزيع المواقع الرئاسية، فلا بد -وفق يمين- من تطوير النظام من خلال وضع مهل أمام الجهات الدستورية لإنجاز الإستحقاقات الدستورية من جهة، ولا بدّ من وضع مخارج عندما يستعصي الإنجاز حتى لا يصيب النظام الشلّل والتّعطيل.

لوضع مهل أمام الجهات الدستورية لإنجاز الإستحقاقات 

ويشدّد يمين على أنّه ومن بين المهل المطلوبة هو وضع مهلة أمام رئيس الجمهورية من أجل إتمام الإستشارات النيابية بغية تسمية رئيس الحكومة المكلف، ووضع مهلة أمام رئيس الحكومة المكلف من أجل إنجاز اتفاقه مع رئيس الجمهورية على التشكيلة الوزارية. وهنا يشدّد المتحدّث على أنّ المهل مطلوبة أمام الجميع. برأيه، فإنّ وضع السقوف الزمنية لا يعني تعدياً على أي طائفة لأنّ إعادة إجراء الإستشارات في حال استعصى الإتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة سيفضي إلى إعادة تكليف شخصية سنية لا أرثوذكسية ولا أرمنية أو شيعية. المنصب سيبقى محفوظاً للطائفة السنية ما دمنا في نظام الطوائف إذا عجزت إحدى الشخصيات السنية عن الإتفاق مع رئيس الجمهورية. تحديد المهل لا يعني مطلقاً استهدافاً للطائفة السنية، يختم يمين.

إقرأ المزيد في: خاص العهد