يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

بيئة المقاومة: الإستهداف المتواصل‎
01/02/2021

بيئة المقاومة: الإستهداف المتواصل‎

ليلى عماشا

تسقط ورقة التوت المسمّاة "اختلاف الأراء" مع تحوّل استهداف بيئة المقاومة إلى عمل يوميّ ومتواصل يطاول كل جوانب حياة هذه البيئة، يتعرّض لرموزها ولأفرادها، لمشاكلها وخصوصياتها، لثقافتها ولشعائر أهلها. يتخطى في أحيان كثيرة كلّ الحدود ليبلغ مرتبة التعدّي الواضح والصريح على الأفكار والأشخاص لمجرّد أنّهم أبناء بيئة تعادي الأميركي وتنتمي بكلّها إلى محور المقاومة.

مع ارتفاع وتيرة إنتشار وباء كورونا في لبنان، يمكن للمتابعين ملاحظة اتساع دائرة استهداف بيئة المقاومة بشكل يومي يبدو أقرب إلى منهج تنوعّت أدواته وتمّ تقسيم الأدوار فيه بحيث أصبح كلّ مجال إعلاميّ متاح هو منصّة يسعى المتأمركون إلى استخدامها للتصويب على الناس بحجج مختلفة، أغلبها كذب جليّ المعالم، وبعضها "بهارات" تضاف على قطرة من حدث أو خبر صحيح فتبني على تفصيل صادق مبانٍ وهمية.

قبل الخوض في التفاصيل، نمرّ على ذكر مقدمة تلفزيون المرّ مع بداية ظهور حالات الإصابة بڤيروس كورونا. جميعنا استفزته تلك الكلمات التي اعتبرت أن الزوّار اللبنانيين العائدين من إيران يتحملون مسؤولية وصول الوباء إلى لبنان. الكذب يومها لم يكن مجرّد أداة لتشويه الحقائق، بل كان أقرب إلى افتتاح حفلة زجل موضوعها التنمّر على الزوّار بشكل خاص، وتتسّع لتطال كلّ "الشيعة" ما عدا من خرج منهم عن بيئته وجاهر بالولاء للجوقة العوكرية. أغفل كلّ من شارك في هذا الحفل الحقائق التي ظهرت بعد أيام حول مصدر الحالات المصابة في لبنان، كما أغفلوا ترفّع البيئة التي تعرّضت للأذى المعنوي بسبب الإتهامات عن ردّ صاع الكذب بصاعين من حقيقة واتهام.

هذا المشهد تكرّر مئات المرات منذ بدء جائحة كورونا. في كل مناسبة وعند كلّ مفترق، تتداعى جوقة المتأمركين إلى اتهام كاذب وتبني عليه أوهامها وفبركاتها ولا تكفّ قبل أن تجد اتهاما جديدًا لتبدأ من جديد. من اعتراض وجود فتيات محجّبات متطوّعات في استقبال المسافرين إلى مطار بيروت واتمام الإجراءات الوقائية إلى التهكّم السافل على قيام مستشفى الشيخ راغب حرب بإجراء يهدف إلى الدعم النفسي والمعنوي للمصابين بكورونا عبر رفع الدعاء في أروقة القسم المخصّص لهم في المستشفى.

وبينهما كما قبلهما وبعدهما، مئات المحطات التي تعرّض فيها أبناء بيئة المقاومة إلى الإستهداف المسيء والممنهج حتى سقط احتمال أن يكون كلّ ذلك مجرّد تعبير عن رأي ليدخل في قائمة الأدوات العوكرية العاملة بالمجان وفي أحيان كثيرة بغير وعي تام للدور الذي تقوم به.
بات من السهل اقتفاء موجات الإستهداف هذه، بل صار من السّهل توقّعها وانتظارها. فحادثة نشل في الضاحية تتحوّل بلحظة إلى حدث فريد تتحمّل كلّ بيئة الضاحية مسؤوليته، ولو جرى في اليوم نفسه حوادث مشابهة في كلّ المناطق اللبنانية. وتتحوّل حالة "عنف منزلي" أو "خلاف على الحضانة" في بيت "شيعي" إلى قضية رأي عام يتمّ خلالها دسّ سمّ الإستهداف في عسل الإنسانية والشعارات فيما يُمرّ مرور المرام على مئات الحالات المشابهة إذا ما كان أطراف النزاع فيها من غير الشيعة.

أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها كلّها تهدف إلى وضع بيئة المقاومة في عزل إجتماعي وفي دائرة القناص الإعلامي العوكري. أمثلة كثيرة ترفّع خلالها الناس عن الردّ بالمثل لاعتبارات أخلاقية بالدرجة الأولى جعلت المهاجم يتصوّر أن من حقّه الإستمرار أو التمادي في جرائمه الإفتراضية.

وإن كان الترّفع عن الرد من شيم أولي الأخلاق العالية، فإظهار أكاذيب المهاجمين وأهدافهم ضرورة ملحّة مع ازدياد وتيرة الحرب الإعلامية وتحوّل كلّ الناشطين فيها إلى أدوات تكرّس وقتها كلّه للتصويب على البيئة الأبيّة، وتحوّل كلّ فكرة ترد وكلّ حادثة تحصل وكلّ تصرّف يصدر إلى حالة يتم تداولها بالشكل الأكثر إساءة. يعمل البعض منهم وفق خطة واضحة وبوعي تام لما يرتكب وبمن يخدم، فيما قد يظنّ البعض الأخر  أنّ ما يرتكبونه ليس ممنهجًا، وأنّه من بنات عقولهم وحدهم، ويغفلون حقيقة أنّهم دخلوا دون وعي منهم إلى معسكر العداء للمقاومة، وأنّهم يقومون مجانًا بدور مرسوم لهم في إطار ضرب المقاومة وتفكيك بنيتها الثقافية والإجتماعية بشكل ناعم وبطيء.

هي الحرب، وهي المواجهة مع عدو يتسرّب إلى المفاهيم والعقول عبر أدوات قد يظنّها البعض آمنة ومحصّنة، وهي المعركة التي نخوضها جميعًا والتي ليس فيها أي مساحة تقبل الرمادية والرماديين.. وفيها الكثير الكثير من التفاصيل اليومية التي قد لا يتسع حديث للوقوف عندها كلّها، ولكن يتسع المجال دائمًا لقياس كلّ موقف بالدور الذي يؤديه فيها. لذلك، لمن لم يعِ بعد دوره في المواجهة، فليتفضل مشكورًا بقياس "أرائه" وكلماته بمعايير "مَن تخدم" وبعدها فليبلغ الباقين بصراحة في أيّ معسكر يجد نفسه.

 

التضليل الإعلامي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف