طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

لسماء القنيطرة ستة أقمار‎
18/01/2021

لسماء القنيطرة ستة أقمار‎

ليلى عماشا

ويحدث أن تصير الأمكنة زمانًا، كالقنيطرة التي أصبحت في مثل هذا اليوم زمنا يأسرنا خلف الوقت وتعداد الأعمار والأيام.. زمنا يمتلك حساباته الخارجة عن سطوة الأرقام والرتابة، يمتلك لغته الخاصة، رائحته التي تنساب ولا تُقارَن.. زمن لا يمكن توصيفه إلّا بالبحث عن ذاك الخبر العاجل الذي حملنا إلى ناحية أخرى من الدنيا لبرهة، ككلّ عاجل يزفّ إلينا انتصارًا بلون الشهادة: "العدوّ الإسرائيلي يستهدف في ريف القنيطرة سيارتين تابعتين لحزب الله".

الثواني التي ترافق قراءة الخبر وكل تفصيل يتبعه لا يمكن أن تُحصى باعتماد التوقيت العادي. هنا يصبح تعداد الثواني أمرًا بيد القلب وحده. لا فرق إن كان لك قريب هناك أو لا. فكلّهم أقرباء القلب، وكلّهم تجمعك بهم من حيث لا تعي صلة تجعلهم الأقرب وتجعلك في لحظاتِ "خبر عاجل" تتحوّل بكلّك إلى قلب أم، وإلى عين أب وشهقة أخت ورجفة زوجة وتلعثم طفل يترنّح بين يتم وعزّ.

واكتملت معطيات الخبر..
زفّ حزب الله إلينا شهداء ستة هم: القائد محمد أحمد عيسى، جهاد مغنية، عباس حجازي، محمد علي حسن أبو الحسن، غازي علي ضاوي، علي حسن ابراهيم.

ستة أقمار استدارت في القنيطرة وزيّنت السماء. وجوه تكاد من فرط ضوئها لا يكفيك البصر لتحدّق بها. دم سال لمّاعًا مشعًّا ولفّ الأرض كلّ الأرض بدفئه ثم ارتفع.

جهاد مغنية، حلّ الاسم ابنًا عزيزًا في البيوت. من لم يعرفه، وهو سليل آل بيت المقاومة، ذو الوجه الآتي من بسمات أبيه والشمس؟ من لم يعرفه رجلًا بعمر ١٦ عامًا يخاطب واثقًا دموع الجمع الميتّم والمتيّم في تأبين أبيه وأبينا "الحاج"؟ من لم ير في عينيه انعكاسات أكوان من روح العماد وسماوات من سرّه وسحره؟

من لم يره بسمة في عيني جدّته أمّ الشهداء، حين كانت بنظرة واحدة صوب صورته تختصر كلّ الحكايات التي ترويها عيون الجدات وكلّ "الحِدا" الذي لا تتقنه إلا الجدّات وكلّ الحب وكلّ الصبر وكلّ الشوق وكلّ التعب؟.

على تخوم الجولان المحتل، في عمق الجبهة ضد التكفيريين، كان دمنا هناك يكتب في كلّ عقل يتساءل عن معنى وجود حزب الله في سوريا أنّ المعركة مع الصهيوني والمعركة مع التكفيري الوهابي هي معركة واحدة، وأنّ هؤلاء الأبطال الذين استهدفهم العدو الصهيوني في القنيطرة هم أنفسهم الذين يستهدفهم في فلسطين وفي اليمن وفي العراق وفي جنوب لبنان، وهم أنفسهم الذين يقاتلونه وكلّ أذرعه وأدواته وأنّهم التهديد الفعلي والأساسي لوجوده والعنصر الأساسي والمؤسس لزواله.. تمامًا كما قال عماد الحب والحرب مغنية: "الهدف واضح ومحدد ودقيق، إزالة إسرائيل من الوجود". وعلى طريق إزالة "إسرائيل" من الوجود، في الثامن عشر من كانون الثاني عام ٢٠١٥، أي منذ ست سنوات، ارتقت من ريف القنيطرة قافلة من ثوريين مجاهدين، قافلة التحقت بمن سبقها في درب الشهادة، وصارت القنيطرة زمنًا من ورد، صارت روحًا، صارت دربًا نحو الجنة، ومحطة ستبوح يوم تحرير فلسطين بأن من هنا عبر جندٌ من روح العماد، وقبل عبورهم رسموا مشهد الحرية الأعلى وابتسموا.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل