يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

الى المستهترين والمخالفين: بلغ السيل الزبى
14/01/2021

الى المستهترين والمخالفين: بلغ السيل الزبى

عبير بسام

منذ السابع عشر من تشرين الأول 2019، ولبنان يعيش وضعًا مزريًا، وتتراجع فيه باستمرار الأوضاع المعيشية والإقتصادية وحتى الأخلاقية ما بين الناس، فازدادت حوادث السرقة والخطف والقتل بشكل ملحوظ. ومنذ استقالة الحكومة في الثلاثين من الشهر نفسه، وبدء العد العكسي لإنهيار سعر الليرة اللبنانية، وحالة اللبنانيين المزرية تزداد سوءًا. تفاقم الوضع أكثر بعد انتشار جائحة كوفيد 19، والتي تسببت بتعطيل الحياة الإقتصادية في البلد. غير أن أسوأ ما مرّ على لبنان خلال الجائحة هو تراجع الإحساس بالمسؤولية الوطنية ما بين اللبنانيين، والذي تجلى بمخالفة جميع التوصيات والقواعد التي وضعتها وزارة الصحة لحماية الناس، ولن يكون آخرها إحتفالات رأس السنة التي وصلت بالبلد إلى ما لا تحمد عقباه.

استفحال الجائحة في لبنان مؤخراً لم يكن سببه الوحيد فتح البلد خلال الأعياد المجيدة، ولكن سببه الحقيقي هو اللامبالاة التي يتصرف بها اللبنانيون. استسهال الذهاب إلى أماكن مكتظة للسهر والعودة إلى حيث يوجد والدان مسنان أو جد مسن أو فرد من العائلة ممن يعانون من أمراض مزمنة، يعد تصرفًا مستهترًا وصاحبه لا يمكن أن يؤتمن على أحد. وإن كان هذا يدل على شيء، فهو يدل على درجة عالية من السطحية والسفاهة. وعلينا أن نكون على يقين: أن الذين سهروا، أو الذين يقيمون الإحتفالات المكتظة في البيوت في هذا الزمن الصعب، هم عابرون لحدود الطوائف ولا تختص بهم منطقة دون أخرى.

وفيما يعتبر بعض اللبنانيين أنفسهم "من أذكى أذكياء العالم"، والأكثر "اطلاعًا وثقافة وتميزًا"، لا تدل مواقفهم على ذلك. خصوصًا أولئك الذين يستهينون بسلامة مجتمعهم، وهو ما يجعلنا نفكر بأن "ذكاء" هؤلاء "شرير" و"ثقافتهم ملغومة" و"إطلاعهم انتقائي"، وبالتالي فإن تميزهم مشكوك في أمره.

أسوأ ما في يتجلى في هذؤلا المخالفين، هو أنهم يعتبرون أنفسهم أحرارا عندما يرتبط الأمر بمخالفة القانون، وأسياد عندما يتعلق الأمر بمخالفته، ومستقلون عندما يتعلق الأمر بالتصرف فوق القانون، والاصعب، أنهم يرون أنفسهم مخولين لـ"المحاسبة" حين تقصر الحكومة.

التفلت من النظام ظاهرة لا تتوقف عند عدم الالتزام باجراءات الوقاية من فيروس كورونا، بل تتمثل في عدم احترام قوانين السير، واستغلال الأرصفة والشوارع حدًا يصل إلى احتلالها لصالح الأعمال الشخصية، ومنع المواطنين من المرور أو السير على الأرصفة. أو خروج صاحب محل يمنعك من ركن السيارة في مكان فارغ مقابل مكان عمله، وأحيانًا يلجأ أصحاب الأعمال والمحلات لتوظيف أشخاص يكتب على بدلاتهم الرسمية كلمة "أمن خاص" لإحتلال الأرصفة. ولكل زعيمه الذي يدعمه.

الأمر ليس عبثياً، فهو يتعلق بالعلاقة التبادلية، التي يجب أن تنشأ ما بين المواطن ودولته. وللأسف فإن هذه العلاقة تفتقر للكثير من التوازن! أما السبب في ذلك فيعود إلى أن الدولة اللبنانية بعد ثلاثين عاماً تقريباً، منذ نهاية الحرب الأهلية، ليست قادرة على أن تضطلع بدورها الأساسي في تحمل مسؤولياتها وبناء البنى التحتية الأساسية. بل على العكس فقد أسهمت الحكومات المتتالية في هجرة العقول تباعاً ومن مختلف الأعمار والمستويات والكفاءات، وتفكيك القطاع النقابي وتحوله إلى مجموعة من الجمعيات الخاصة، ثم تفكيك القطاع الصناعي والزراعي وتحول لبنان إلى بلد مستهلك حصرياً.

هذا الحجر العشري الذي وصلنا إليه اليوم ليس إلا نتيجة للجهل. ولربما كان يجب فتح البلد في فترة الأعياد، والسماح للوباء بدخول كل بيت في لبنان تقريباً. لعل هذا ما يجعل الناس يصدقون أن هناك وباء قاتلاًّ! فضحايا الوباء الذين تعدهم وزارة الصحة في كل يوم هم إما لبنانيون أو يقطنون فيه، ولم يأتوا من المريخ. ولكن هل يعد هذا رادعاً للمستفزين السياسيين والمتنمرين الشعبويين، فلنتأمل ذلك.

المجتمعفيروس كورونا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة