يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

بريطانيا بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة
01/01/2021

بريطانيا بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة

سركيس ابوزيد
 
وافقت دول الاتحاد الاوروبي على إتفاقية "بريكست"، وأعطت الدول الـ27 الأعضاء الضوء الأخضر لدخول الاتفاق التجاري حيّز التنفيذ في الاول من كانون الثاني 2021 .. وبعد 10 أشهر من المفاوضات الشاقة، توصل الاتحاد الاوروبي وبريطانيا الى إتفاق تجاري "جيد ومتوازن ومنصف للطرفين" لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد. هذا الاتفاق يرسم علاقتهما المستقبلية لـ"مرحلة ما بعد بريكست"، في خطوة تفيد الجانبين اقتصاديا وتجنبهما فوضى كان يمكن أن تنتج من خروج بريطانيا نهائيا من التكتل الاوروبي من دون إتفاق.

غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الاوروبي رسميا في 31 كانون الثاني 2020 ،ولكنها إستمرت في إلتزام قواعده خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في 31 كانون الاول. خلال هذه الفترة بدأت المفاوضات المضنية والشاقة بين الطرفين، وتم تذليل الكثير من العقبات، ولكن المفاوضات تعقدت في الفترة الأخيرة بسبب عقبتين برزتا وهددتا إمكانية التوصل الى إتفاق، هما: الاتفاق التجاري، وموضوع الصيد البحري. فعدم التوصل الى إتفاق تجاري كان سيؤدي الى إحتكام الطرفين لقواعد منظمة التجارة العالمية، ما يعني فرض رسوم جمركية وتحديد حصص الى جانب تطبيق إجراءات إدارية قد تؤدي الى إختناقات مرورية ضخمة وتأخير تسليم البضائع. وهذا سيناريو قاتم للملكة المتحدة التي تواجه في الوقت نفسه إنتشار سلالة أكثر ضراوة من فيروس "كورونا" المستجد تسبب في عزلها عن العالم. أما موضوع الصيد البحري، وهو ملف حساس لبعض الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا وهولندا وإسبانيا، فقد جعله البريطانيون رمزًا لاستعادة سيادتهم عقب الطلاق مع الاتحاد الاوروبي، ويريدون بسط سيطرتهم مجددًا على مياههم.

التوصل الى إتفاق أنقذ الطرفين من خروج بلا إتفاق مربك. فـ"إتفاق ما بعد بريكست" يضم، إلى جانب إتفاقيات بشأن الطاقة النووية، وتبادل المعلومات السرية، والطاقة النووية السلمية ..

مسودة إتفاق التجارة والتعاون بين الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة، تعني أنه إعتبارًا من مغادرة بريطانيا نهائيًا السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي في 31 كانون الاول، لن تكون هناك تعريفات جمركية أو حصص على حركة البضائع بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي.

من أبرز بنود الاتفاق:

- يقر الاتفاق صراحة بأن التجارة والاستثمار يتطلبان قواعد متكافئة من أجل منافسة مفتوحة ونزيهة.
- بالنسبة إلى الخدمات المالية التي تقود الاقتصاد البريطاني، يلتزم الطرفان ببساطة تهيئة مناخ ملائم لتنمية التجارة
والاستثمار بينهما.
- يشتمل النص على كثير من الملاحق التفصيلية عن مسائل، من بينها قواعد المنشأ والصيد وتجارة الخمور والادوية والكيماويات والتعاون في مجال المعلومات الامنية.
- يتيح الاتحاد الاوروبي من خلال الاتفاق التجاري لدولته العضو السابقة وصولًا إستثنائيًا من دون رسوم جمركية أو كوتا إلى سوقه الضخم الذي يحوي 450 مليون مستهلك.

غير أن هذا الانفتاح سيكون مصحوبًا بشروط صارمة، إذ سيتعين على الشركات في بريطانيا إحترام عدد معين من القواعد الجديدة في ما يتعلق بالبيئة وقانون العمل والضرائب لتجنب أي إغراق للاسواق. ويُفترض تأمين ضمانات على صعيد مساعدات الدولة. وفي ما يتعلق بالصيد، وهو الموضوع الذي ظل شائكا حتى اللحظات الأخيرة، تنص الاتفاقية على فترة إنتقالية تمتد إلى حزيران 2026، يكون الصيادون الاوروبيون قد تخلوا تدريجيًا خلالها عن 25 %من محاصيلهم.

وبالرغم من أن المملكة المتحدة أفادت بأن الاتفاق يسمح بالاعتراف بخطط "التاجر الموثوق" التي من شأنها أن تخفف البيروقراطية على الجانبين، الا أنه لم يتضح بعد إلى أي درجة يمكن تطبيق ذلك. ومن هذا المنطلق، حذر الطرفان من أن تغييرات كبيرة مقبلة إعتبارا من 1 كانون الثاني بالنسبة إلى الافراد والاعمال التجارية في أنحاء أوروبا. ولن يكون من الممكن أن يواصل مواطنو المملكة المتحدة والاتحاد الاوروبي الاستفادة من حرية الحركة للاقامة والعمل على طرفي الحدود. وفي هذا الاطار، أكدت بروكسل أن حرية حركة الناس والبضائع والخدمات ورؤوس الاموال بين المملكة المتحدة والاتحاد الاوروبي ستنتهي. وأضافت أن الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة سيشكلان سوقين منفصلين:
 فضاءان تنظيميان وقانونان منفصلان. سيخلق ذلك قيودًا في الاتجاهين على تبادل البضائع والخدمات وعلى الحركة عبر الحدود والمبادلات، غير موجودة اليوم. يشكل الاتفاق، بحسب صحيفة "تايمز"، مصدر إرتياح أكثر من كونه مصدر إحتفال. المفاوض الاوروبي ميشيل بارنييه قال: توقف "رقاص الساعة" عن الاهتزاز، معلنًا التوصل الى صفقة تجارية مع المملكة، بمعنى توقف العد التنازلي نحو نهاية غير محمودة العواقب.
والرسالة هنا للجميع، ربما إعتراف من المفاوض بخطورة الاستراتيجية التي اتبعها الاوروبيون، وهي إظهار المملكة بأنها الخاسر الاكبر. في المقابل، قال دبلوماسي أوروبي إنه لا يجب إساءة تقدير حجم الصدمة الاقتصادية التي ستتعرض لها المملكة المتحدة. فبالنسبة للقطاع المالي، المهم جدا للاقتصاد البريطاني، الواقع سيكون على المدى المنظور إتباع قواعد الاتحاد الاوروبي أو العزلة. وأشار الى أن تنفيذ الاتفاق سيشكل إختبار ثقة تضعضعت بعد أشهر طويلة صعبة من المفاوضات. وأضاف إن المملكة هي التي ستكون الخاسرة، وما ستخسره أوروبا اقتصاديا سيكون أقل بكثير مما ستخسره المملكة المتحدة التي تعتمد بشكل كبير على القارة العجوز، حتى إن احتفظت لندن بتفوقها المالي.
في تقرير من واشنطن، كتبت وكالة الصحافة الفرنسية أن أنصار مغادرة بريطانيا الاتحاد الاوروبي كانوا يأملون في تعزيز الروابط مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الرئيس دونالد ترامب الذي لا يؤمن بالمؤسسات متعددة الاطراف، بدا شريكا مثاليا لهم، على عكس خلفه جو بايدن. لكن بدءا من مطلع كانون الثاني المقبل، عندما تنتهي كل روابط بريطانيا مع التكتل الاوروبي المكون من 27 دولة، سيكون على المملكة المتحدة التعامل مع الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن الذي يعطي الاولوية للاتحاد الاوروبي ولا يشارك أنصار "بريكست" تطلعاتهم.  
 
بعدما يقرب من 50 عاما في الاتحاد الاوروبي، تكتب المملكة المتحدة فصلًا جديدًا في تاريخها مع بداية العام الجديد 2021. والسؤال هل سيكون مستقبلًا رائعًا كما يتوقع بوريس جونسون، أم رصاصة في القدم كما يرتقب مناهضو خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي؟!

 

بريطانياالاتحاد الاوروبي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة