يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

28/12/2020

"جريمة القرن".. والتغيرات الكبرى

إيهاب شوقي

مع دخول الذكرى الأولى لجريمة القرن المتمثلة في اغتيال الشهيدين اللواء قاسم سليماني والحاج ابو مهدي المهندس، ينبغي ذكر أمرين رئيسيين:

الأول: الاعتراف بأنها سببت ألمًا لمحور المقاومة وأنصاره ولكل حر وشريف ومقاوم وشكلت خسارة كبيرة.
الثاني: أنها بالمقابل لم تفت في عضد المقاومة ولم تؤثر على مشروعها وصلابته ولا على عزيمة المقاومين، باعتبار أن المقاومة قيمة وعقيدة لا تتوقف على الأشخاص مهما كان قدرهم ومقامهم.

كما ينبغي التوقف لرصد فلسفة الاغتيال ودلالاته وارتباطه بالمشروع الصهيو- امريكي ومشروع الهيمنة والاستعمار بشكل عام وكذلك خصوصية الشهيد قاسم سليماني وما عكسته الجريمة على الوضع الراهن.

1- في فلسفة الاغتيالات الاستعمارية وارتباطها بالمشروع الاستعماري والصهيوني:

من أعمدة المشروع الاستعماري عمومًا تعمد خلق الفجوات بين الاستعمار والشعوب والقضاء على بذور المقاومة أولًا بأول عبر الايهام بوجود فجوة كبيرة في القوة والتطور والامكانات والقدرات بهدف التأثير على ارادة الشعوب وتحطيمها، وبالتالي فإن أي مقاومة تبرز وتتجاوز حدود التفوق وتصل لمعادلة الردع وتوازن الرعب، فإنها تصبح أعدى اعداء الاستعمار، وتكون الشخصيات النوعية في هذه المقاومة محل الاستهداف تحت نفس القاعدة المتمثلة في تحطيم الارادة.

أي إن الاستعمار يوحي للشعوب بأن أي شخص يمكنه المناطحة والتأثير على مشروعه سيكون مصيره القتل، وبالتالي لا فائدة من المقاومة، وعلى الجميع الاستسلام!

وهناك خصوصية للمشروع الصهيو-امريكي باعتباره الوجه الأقبح للاستعمار، حيث لا يكتفي المشروع بملاحقة الشخصيات النافذة وفقًا للقاعدة الاستعمارية فقط، وانما يسعى لتشويهها ويسعى لخلق بلبلة وخلط للمفاهيم.

فبينما كان الاستعمار البريطاني أو الفرنسي مثلًا يغتال قيادات وزعامات للمقاومة كان يعترف بأنها مقاومة للاستعمار، بينما المشروع الصهيو-امريكي يسعى لتغيير المفاهيم ووصف قيادات المقاومة بأنها قيادات للارهاب الدولي ووضعها في سلة واحدة مع مجرمين دوليين أو زعامات للارهاب الحقيقي. ومع عدم وجود تعريفات محددة للارهاب ومع وجود حرب اعلامية يتواطأ بها (عرب ومسلمون)، تنجح بعض الدعايات السوداء بكل أسف في التأثير على عقول بعض قطاعات الشعوب، وفي المحصلة يتم ظلم الشهداء والأبطال، وفي أحسن الأحوال لا يأخذ البطل حقه من التكريم والاجلال اللائق به وبدوره وبتضحياته.

والشهيد قاسم سليماني، يشكل مصداقا لذلك، وهو من ارتبط بشكل وثيق بملاحقة المشروع الصهيو-امريكي في المنطقة وكان حاضرا في تفاصيله ومقاومة كل تفصيلة به مهما كانت دقتها.

2- في خصوصية الشهيد قاسم سليماني:

للشهيد سليماني خصوصية كبيرة تتمثل في سمات شخصية وخطورة ودقة مهامه وأهميتها وفاعليتها في مواجهة المشروع الاستعماري، ولم يتوقف دوره التاريخي عند العناوين، بل تطرق للتفاصيل، فكان مقاومًا على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي في آن واحد، كما لم يكن رجلا أمنيًا من أهم الشخصيات الامنية والعسكرية فحسب، بل كان دبلوماسيًا بارعًا، وهو ما جعل من دوره نموذجًا ثريًا ملهمًا.

وكان الشهيد على رأس قائمة الاستهداف والتصفية باعتباره قائدا لفيلق القدس وهو الفيلق الذي يرتبط بقضية الأمة المركزية ويحمل الاسم الذي يشكل درة تاج المشروع الصهيوني وعنوان هيمنته، ناهيك عن دور الفيلق في دعم حركات التحرر والمقاومة، وعن الدور النوعي لقائده الراحل الكبير في التواجد بكافة الجبهات وكفاءته الكبيرة وشجاعته النادرة والتي أفسدت مخططات العدو وأهدرت المليارات التي أنفقت في سبيل بسط السيطرة والقضاء على المقاومة وانجازاتها.

الشهيد سليماني والذي عمل في شبابه عاملًا للبناء ليساعد أباه على سداد ديونه، قد استمر بنفس الروح في خدمة عقيدته المقاومة وكان يسعى
للبناء لفك الحصار عن المقاومة وتوسيعها وهي مقاربة ينبغي رصدها، حيث تلقي الضوء على طبيعة الشخصية الدؤوبة المضحية الوفية.
والشهيد الذي قال إنه سيبقى دائمًا جنديًا بسيطًا في خدمة إيران والثورة الإسلامية والمشهود له بالتواضع والدماثة والذي تخطت خدماته وتضحياته الحدود ليصبح جنديًا في محور مقاوم بكامله يواجه طغيانًا عالميًا ومشروعًا يمثل أقبح أوجه الاستعمار وسط بيئة من التخاذل والتواطؤ مع العدو والمؤامرات على المقاومة، يستحق أن يصبح أيقونة ومثالًا أعلى للمقاومين.

3- في ارتباط الجريمة بالوضع الراهن واستشراف المستقبل:

بالنظر للدوائر الرئيسية للأمن الاسرائيلي والمتمثلة في دائرة وادي النيل، والتي تقودها مصر، ودائرة الشام، والتي تتنافس على قيادتها كل من العراق وسوريا، ودائرة الخليج العربي، والتي تشكل السعودية الدولة المركزية فيها، وفقا لنظرية الامن الاسرائيلي، ووفقًا لما أضافه "اريل شارون"، من دائرتين تتمثلان في الدائرة الإسلامية، وهي الدول الإسلامية النشيطة، خاصة إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى، والدائرة الإفريقية، وهي دائرة دول منابع النيل والدول المشرفة أو ذات التأثير على البحر الأحمر، فإننا نرى تطبيقا حرفيا لهذه النظرية على ارض الواقع، حيث تقوم إستراتيجية "إسرائيل"، بالنسبة للأمن، على عدة أسس اوضحتها التقارير كما يلي:

1. منع التقارب والتنسيق ما بين الدول، التي تقود هذه الدوائر، وخاصة دائرتي وادي النيل والشام.
2. محاولة تشجيع عمليات الانشقاق داخل كل دائرة، خاصة دائرة الشام.
3. إستراتيجية "إسرائيل" بالنسبة للدول الإسلامية، مبنية على أساس منع أو عرقلة حدوث أي تماس أو تنسيق، بين الدائرة الإسلامية ودائرة الخليج العربي.
4. بالنسبة للدائرة الإفريقية، تعمل "إسرائيل" على إقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل الإفريقية، وكذلك الدول المشرفة على جنوب البحر الأحمر، بالقدر الذي يمكنها من ممارسة الضغوط على كل من مصر والسودان، بالنسبة لمسألة المياه، بالإضافة لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر.

وما خطوات التطبيع التي حدثت الا خدمة لهذه النظرية، وكذلك الدور الصهيوني في اليمن، وفي آسيا الوسطى، وكل تحركات العدو يمكن النظر اليها في اطار نظرياته المعلنة.

"صفقة القرن" المزعومة والقائمة على تصفية القضية الفلسطينية واستبدال العداء بتطبيع وعزل المقاومة باعتبارها العدو، ترتكز على عناوين وتفصيلات، ومحور المقاومة يواجه هذه العناوين والتفصيلات، والقادم هو مزيد من المواجهات على كافة المستويات الاستراتيجية والتكتيكية.
كان الشهيد سليماني ورفاقه في طليعة المواجهة، مما يجعل من الجريمة، تستحق لقب جريمة القرن، ولكن المقاومة قائمة ومستمرة وكل ضربة تتلقاها تزيدها صلابة وعزما وتطورا نوعيا.

أبو مهدي المهندسقاسم سليماني

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة