يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

الإتفاقيات التّجارية مع الخارج..لبنان الخاسر الأكبر 
18/12/2020

الإتفاقيات التّجارية مع الخارج..لبنان الخاسر الأكبر 

فاطمة سلامة

نسمع أحياناً من ينتقد الإتفاقيات التّجارية التي أبرمها لبنان مع الخارج. يُقال أنّها اتفاقيات أماتت الإقتصاد اللّبناني ولا تساوي الحبر الذي وقّعت به. وبدل أن تُسهم في إنعاشه كانت تُسهم في زيادة العجز  بالميزان التجاري. والغريب العجيب في هذه القضية أنّ الدول تعقد الإتفاقيات مع بعضها البعض على مبدأ المنفعة المُشتركة، لا على مبدأ المَنفعة الآحادية. إلّا أنّ لبنان أبرم هذه الإتفاقيات دون أي مردود إيجابي. على العكس حمّلت هذه الإتفاقيات مردوداً سلبيا تسبّب بنزوح العملات الصعبة من لبنان إلى الخارج. الأمر الذي دفع بسياسيين واقتصاديين وغيرهم إلى المناداة بضرورة إعاة النّظر بهذه الإتفاقيات لتعديلها أو حتى إلغائها كي لا يبقى لبنان سوقاً للإستيراد فقط. لا بد من اتفاقيات يلعب فيها هذا البلد دور المصدّر أيضاً كي تنتعش القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية ويأخذ الإقتصاد نصيبه من المنفعة المُتبادلة. 

اليوم، وفي ظلّ الأزمة النّقدية والمالية الكبرى التي تضرب لبنان، يبدو من المُفيد إعادة تسليط الضّوء باتجاه هذه الإتفاقيات لما فيه مصلحة الاقتصاد اللّبناني. المطلوب تصويب مسار هذه الإتفاقيات 
كي تؤتي أُكلها ويستفيد منها لبنان فعلاً لا قولاً. ولمن لا يعلم وقّع لبنان ثلاث اتفاقيات تجارية حرّة مع الخارج: الشّراكة مع الإتّحاد الأوروبي، رابطة التجارة الحرّة الأوروبية (إفتا)، واتفاقيّة منطقة التّجارة الحرّة العربية الكبرى. فما الذي جناه لبنان من هذه الإتفاقيات؟ ولماذا لا يُعاد النّظر بها لتعديلها أو إلغائها؟. 

عباس: الإتفاقيات التجارية أضرّت بلبنان

ترفض المدير العام السابق لوزارة الاقتصاد عليا عباس القول بأنّ الإتفاقيات التجارية لم يكن لها فائدة على لبنان. تذهب أبعد من ذلك، فمن وجهة نظرها أضرّت هذه الإتفاقيات بلبنان. وفق حساباتها، فإن الضّرر أتى على نحوين؛ أولاً، خسرنا إيرادات للخزينة عبر إعفاء الجهات المصدّرة إلى لبنان من الرسوم الجمركية، وثانياً، زادت نسبة الاستيراد من الخارج بشكلٍ كبير، في الوقت الذي لم تزدد فيه نسبة التّصدير إلى الخارج وسط وجود عوائق غير جمركية. تستشهد عباس بالإتفاقية مع الإتحاد الأوروبي التي فرضت قيوداً غير جمركية حيث جرى طلب مواصفات معيّنة ومحدّدة للسّلع التي يُسمح للبنان تصديرها ما عرقل عمليّة التّصدير وقلّت بالتّالي صادراتنا. 

لتعليق الإتفاقيات والذّهاب نحو اتفاقيات تجارة تفضيليّة

"طالبنا مراراً بتعليق هذه الإتفاقيات التي لم نستفد منها مطلقاً"، تكرّر عباس في حديثها لموقع "العهد" الإخباري هذه الجملة، لافتةً إلى أنّها وانطلاقاً من هذا الواقع عبّرت عن رفضها انضمام لبنان إلى "منظّمة التّجارة العالمية". ما الفائدة التي سنجنيها بعد تضرّرنا من الإتفاقيات السّابقة التي عقدت؟ تسأل عباس وتلفت إلى أنّه" وفي عام 2018 استوردنا نحو 19 مليار دولار وصدّرنا حوالى 3 مليار دولار". 

تُعارض عباس مبدأ انضمام لبنان إلى اتّفاقيات تجارة حرة نظراً لصِغر اقتصاده. برأيها، المفروض التّوجه نحو اتّفاقيات تجارة تفضيليّة، فنحن مضطرون للإستيراد ولكن يجب أن نصدّر في المقابل. التّجارة التفضيليّة تعتمد على لوائح يحدّد فيها لبنان سلعاً للإسيتراد بدون جمرك وسلعاً للتّصدير بدون جمرك ويتفاوض على هذا الأساس مع الطرف الآخر. أمّا اتّفاقيات التّجارة الحرّة فلم تكن أبداً لصالح لبنان، والميزان التجاري كان سلبياً مع كل الدول التي أبرمت الاتفاقيات معها باستثناء العراق الذي كان الإتفاق التّجاري معه إيجابياً.

مزنّر: طالبت مراراً بإلغاء الاتفاقيات واليوم نستورد 40 سلعة ونصدّر سلعة واحدة 

رئيس لجنة الاتفاقيات التّجارية في غرفة التّجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان ناجي مزنّر يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ لبنان لم يجرِ أيّ اتفاقيّة بعد الإتفاقيّات الثّلاث التي أبرمها مع الخارج، إذ وقّعنا اتفاقية حرة مع تركيا لكنّها لم تصدّق من قبل مجلس النّواب، وبالتالي كأنّها لم تكن. لكن في المقابل، ثمّة اتفاقيات تفاضلية يجريها لبنان بحيث يتمّ الإتفاق مع دول معينة على سلع معينة ضمن إطار متوازن.  

وفي سياق مقاربته للملف، يقول مزنّر "منذ عام 2015 أنادي كرئيس لجنة الإتفاقيات بإيقاف هذه الإتفاقيات. بعد أن أجرينا تقويماً لها طالبت بخروج لبنان منها اذ تبيّن لنا أنّ الحلم الذي حلمنا به لخلق من لبنان منصّة غير قابل للتحقّق". لا ينكر مزنّر أنّه بين الـ2000 والـ2008 تحسّن الميزان التّجاري بنسبة ملحوظة إذ وبعد أن كانت المُعادلة:" استيراد 16 سلعة مُقابل تصدير سلعة واحدة إلى أوروبا"، باتَت "استيراد 10 وتصدير سلعة واحدة". هذا التّغير يؤكّد -وفق مزنّر- أنّ هناك تحسّناً بنسبة 60 بالمئة. ولكن بعد ذلك بدأنا بالتّراجع، واليوم باتت المعادلة بمثابة من يصدّر سلعة ويستورد 40 سلعة في حال استثنينا قضية كسر الذهب من حسبة التّصدير. هذا الواقع يحتّم علينا ضرورة الخروج من هذه الإتفاقيات -يقول مزنّر- خاصّة أنّنا سبق أن وضعنا شرطاً بأنّه في حال أصبح هناك عجز في ميزان المدفوعات لدينا الحق بتعليق الإتفاقية. ومنذ عام 2015 هناك عجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري والموازنة، لكن للأسف لا أحد يرى ويبادر نحو الغاء هذه الإتفاقيات، يضيف مزنّر. 

اللّوم على لبنان الذي لم يقتنص الفرصة 

لماذا عقد لبنان هذه الإتفاقيات؟ يوجز مزنّر الجو العام الذي أبرمت في سياقه الإتفاقيات، إذ وقبل عقدين من الزّمن كان هناك توجّهاً عالمياً نحو منظمة التّجارة العالمية وكانت كل الأسواق تتّجه نحو العولمة. لا يخفي أنّنا لم نوقّع الإتفاقيات على اعتبار أن يكون هناك تبادُل مُتوازن في السّلع، لكنّنا وقّعناها على أساس أن نستفيد بشكل غير مباشر ونربح بالخدمات ما نخسره بالسّلع، ولكن للأسف فالإتفاقيات خاصة مع الإتحاد الأوروبي لم تشمل سوى السّلع الصناعية. يوضح مزنّر أنّه في الفترة الممتدّة من 1996 حتّى عام 2000 أراد لبنان أن يصنع من ذاته منصّة لاستعادة مَجده السّابق كمركز للتّسوق، وأكثر ما شجّع لبنان على ذلك الوعد الذي أخذه من الإتحاد الأوروبي بالحصول على الحريّات الأربع على قاعدة أنّه كلّما تقدّمنا بالإصلاح البنيوي والسّياسي نأخذ الحريات كحرية انتقال الرّساميل والأشخاص والخدمات. ولكن للأسف، يقول مزنّر أخذنا كل البرامج التي طُبّقت في دول أوروبا الشّرقية لكنّنا لم ننفّذ الإصلاحات ولم نستفد من البرامج التي قدّمت لنا ولم نتقدّم أي خطوة إلى الأمام خلال العشرين عاماً.

يُلقي مزنّر باللّوم على لبنان الذي لم يقتنص الفرصة. يرفض أن نلقي اللّوم على الشّريك الذي استفاد من الإتفاقية فيما لم نحسن نحن الإستفادة منها. برأيه، يُسمح للبنان تصدير أي سلعة شرط أن يكون لديه قدرة تنافسيّة، ولكن للأسف فارتفاع ثمن الكلفة وشروط العمل والفوائد العالية لم تسمح بالقيام بأي شيء من البرنامج التي تعهّدت بها الحكومة.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل