يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

الترقب الصهيوني - الاميركي للرد الايراني
04/12/2020

الترقب الصهيوني - الاميركي للرد الايراني

بغداد - عادل الجبوري

   في آخر الأنباء والمستجدات المتعلقة بقضية اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة مؤخرًا في شرق العاصمة طهران، نقلت شبكة (سي.ان.ان) التلفزيونية عن مسؤول رسمي في الادارة الاميركية لم يكشف عن هويته تأكيده "ان إسرائيل تقف وراء اغتيال فخري زادة".

  وبحسب "سي.ان.ان"، يقول المسؤول الاميركي "في العادة تطلع "اسرائيل" الإدارة الأميركية على معلومات حول أهدافها والعمليات التي تعتزم تنفيذها قبل التنفيذ، وان فخري زادة كان أحد أهداف "إسرائيل" لمدة طويلة ماضية".

   ولا شك أنه حينما تسرب وسائل اعلام اميركية مؤثرة وواسعة الانتشار، مثل هذه المعلومات حول قضية حساسة يمكن أن تترتب عليها تبعات خطيرة للغاية، فهذا يعزز الى حد كبير فرضية التورط الاسرائيلي في عملية الاغتيال.

   فالشبكة التلفزيونية التي سربت الخبر، ليست ايرانية أو من وسائل الاعلام المحسوبة على طهران أو المتعاطفة معها أو الممولة منها، بل هي قريبة جدًا من الاوساط الصهيونية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية، وجزء غير قليل من تمويلها يأتي من هذه الاوساط، وذلك يخرج تسريب وترويج معلومات عن تورط "تل ابيب" عن منهج الحرب الاعلام والضغوط النفسية، ويدخلها في دائرة المعطيات الواقعية للحدث.
وبالتالي فإن تسريب مثل هذه الأخبار عبر وسائل اعلام نافذة ومؤثرة في توجهات وتوجيه الرأي العام، لا يمكن أن يكون عفويًا وعابرًا. ولا شك أن هذا مؤشر قوي - إن لم يكن دليلًا - على وقوف "تل ابيب" ومن خلفها واشنطن وراء اغتيال العالم النووي الايراني.

   ويتعزز ذلك المؤشر، حينما نتوقف عند تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر نيسان - ابريل من عام 2108، حيث عرض صورًا ونبذة مختصرة عن محسن فخري زادة واصفًا اياه بـ"رئيس مشروع نووي سري"، وخاطب الصحافيين قائلًا "تذكروا هذا الاسم"، في اشارة الى أن هناك مخططًا لاستهدافه وقتله.

   ومن يتابع ويتحرَّ بشكل واسع، يجد أن استهداف فخري زادة من قبل الموساد الاسرائيلي لم يكن الأول من نوعه، وطبيعي أنه لن يكون الأخير، ففي غضون الأعوام العشرة الأخيرة تم اغتيال خمسة علماء نوويين ايرانيين، عبر تنسيق وتعاون طويل بين الولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيوني ومنظمة ما يسمى بـ"مجاهدي خلق"، وأجهزة مخابرات اقليمية أخرى.

   فضلًا عن ذلك فإن "تل ابيب"، نفذت على امتداد عقود من الزمن، عمليات اغتيال عديدة طالت شخصيات سياسية واعلامية وعسكرية مختلفة، أبرزها، اغتيال سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي في منتصف شهر شباط - فبراير من عام 1992، واغتيال مؤسس حركة المقاومة الاسلامية "حماس" الشيخ احمد ياسين في شهر اذار-مارس من عام 2004، ومن ثم اغتيال خليفته عبد العزيز الرنتيسي بعد اقل من شهر على تصديه لمسؤولية قيادة الحركة، واغتيال الرسام الفلسطيني الشهير ناجي العلي في عام 1987 في العاصمة البريطانية لندن، واغتيال القائد الجهادي الحاج عماد مغنية في عام 2008.

   الى جانب ذلك، كان لـ"تل ابيب" دور كبير في تصفية الكثير من الكفاءات العلمية العراقية بعد سقوط نظام صدام عام 2003، ناهيك عن دعم الجماعات الارهابية المسلحة، ومساندة التوجهات الانفصالية لبعض القوى والمكونات.  

   والمنهج الصهيوني - الاسرائيلي في استهداف الأعداء والخصوم هو في واقع الأمر، ذات النهج الدموي الاجرامي الذي تأسس من خلاله ذلك الكيان قبل أكثر من سبعين عامًا، بواسطة منظمات وجمعيات مختلفة، من قبيل منظمة الهاجانا الارهابية، والوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية، والمؤتمر اليهودي العالمي، وجمعية الاستعمار اليهودي، اذ ان كل واحدة من هذه المنظمات كان لها ادوار ومهام معينة في تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والاعلامية لنشوء الكيان الغاصب، على حساب حقوق ومصير وسيادة ودماء وأرواح الشعب الفلسطيني.

   ومنطقيًا فإن الكيان الصهيوني كان وما زال يسعى من خلال منهجه الدموي الاجرامي الى اضعاف أعدائه وتعزيز قدراته، بيد أن الأمور كانت تتجه دومًا بالاتجاهات المعاكسة، فاستهداف ايران برموزها وعلمائها شكل حافزًا لها للتقدم والاستمرار ومواصلة الطريق، ونفس الشيء بالنسبة لاستهداف حزب الله والحركات والشخصيات الفلسطينية، الذي جعل الردود على "تل ابيب" قاسية ومؤلمة ومكلفة للغاية.

   وبعد اغتيال العالم النووي الايراني فخري زادة لم تستطع "تل ابيب" - ومعها واشنطن - اخفاء قلقها وخوفها من ردود أفعال طهران، لا سيما وأن الذاكرة ما زالت مشحونة وممتلئة بصور ومشاهد الرد الايراني القاصم على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس مطلع العام الجاري في العاصمة العراقية بغداد.    

    ولعل "تل ابيب" ظلت تشعر بالكثير من المهانة والضعف، حينما اكتشفت في منتصف عام 2018 أن طهران نجحت منذ بضعة أعوام بتجنيد وزير الطاقة والبنى التحتية الاسرائيلي السابق غونين سيغف للعمل لصالحها، حيث إن ذلك عدّ خرقًا مخابراتيًا كبيرًا وخطيرًا للغاية، وهي -أي تل ابيب - تدرك وتعلم جيدًا أن طهران مهيأة ومتهيئة لكل الخيارات والاحتمالات، والحال مع واشنطن لا يختلف بشيء عما هو عليه مع "تل ابيب".

   فالاميركيين ينتظرون بفارغ الصبر حلول العشرين من شهر كانون الثاني-يناير المقبل، حتى يغادر الرئيس الحالي المثير للجدل والمشاكل والازمات دونالد ترامب السلطة ويتسلمها جو بايدن، على أمل تهدئة الأمور وتصحيح المواقف.      

   ولا شك أن واشنطن تبدو محرجة ومرتبكة وقلقة وخائفة بقدر أكبر من ارتباك وقلق وخوف "تل ابيب" بشأن ما يمكن أن تقدم عليه طهران انتقاما لاغتيال رائد مشروعها النووي، وبالطبع لا يعكس ذلك الحرج والارتباك والقلق والخوف قوة بل انه يستبطن بين طياته الكثير من الضعف، وبالتالي فإن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو المحاصر بملفات وفضائح الفساد والعاجز عن تشكيل حكومة جديدة برئاسته، والمحبط من هزيمة حليفه ترامب، سيتعرض لصفعة أخرى قد تزيحه عن كرسي رئاسة الحكومة وتلقي به خلف القضبان ليلتحق بسلفه السابق ايهود اولمرت.

محسن فخري زادة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات