ramadan2024

آراء وتحليلات

لماذا عادت الاتفاقية العراقية - الصينية الى الواجهة؟
26/11/2020

لماذا عادت الاتفاقية العراقية - الصينية الى الواجهة؟

بغداد - عادل الجبوري

   تؤشر عودة الاتفاقية العراقية - الصينية الى واجهة الوقائع والأحداث، وتصدرها المشهد مرة وبصورة مختلفة عن السابق، الى أن ضغط الظروف الاقتصادية الحياتية على الدولة العراقية بمختلف مؤسساتها ومفاصلها وعلى الشارع العراقي بشتى عناوينه ومسمياته ومستوياته، دفع الى البحث والتفتيش الموضوعي عن حلول ومخارج عملية وواقعية وسريعة، وبكلفة واشتراطات أقل، وبمسالك ومسارات مختصرة وبعيدة عن متاهات البيروقراطية والروتين وقنوات الفساد.

    في وسائل الاعلام، وعبر المنابر السياسية، وفي أوساط الرأي العام، بات الحديث عن الاتفاقية العراقية - الصينية والدعوات الى تفعيلها، يشغل الحيز الأكبر، في ظل عجز الحكومة عن التوصل الى حلول واقعية وعملية وسريعة للأزمة الاقتصادية الخانقة التي طالت لأول مرة رواتب موظفي الدولة، بحيث تسببت بتأخير صرفها لمدة شهرين، وبالتالي انعكس ذلك بصورة واضحة على مجمل حركة الأسواق ونشاط القطاع الخاص.

   أبرمت الاتفاقية العراقية - الصينية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي على رأس وفد كبير ضم عشرات الوزراء والمحافظين والمستشارين والخبراء ورجال الأعمال في مختلف المجالات والاختصاصات الى الصين في الثالث والعشرين من شهر ايلول -سبتمبر من العام الماضي 2019، حيث كانت بوادر وملامح التظاهرات الاحتجاجية بدأت تلوح في الأفق، والمساعي المحمومة من قبل بعض الأطراف السياسية للاطاحة بالحكومة كانت قد تكشفت الى حد كبير، لذا كان من الطبيعي جدًا أن تتعرض مبادرة عبد المهدي الى الكثير من الانتقادات والاعتراضات والتحفظات التي ساهمت في تأجيج الشارع، لتضيع الاتفاقية في موجة الأجواء السياسية والشعبية المشحونة بالتوتر والانفعال والفوضى، المترافقة مع حزمة المطالب السلمية المشروعة.

   ومن المؤسف أنه لم يلتفت الكثيرون في حينه الى النقاط الايجابية الكثيرة في الاتفاقية مع الصين، وحتى من تحدث عنها وتناولها بالتحليل والتوضيح لم يجد اذانا صاغية من الآخرين، وربما ما زال الكثيرون يجهلون تلك النقاط الايجابية، رغم تصاعد المطالبات والدعوات الى العودة اليها وتفعيلها.

    المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء السابق، الدكتور مظهر محمد صالح، يشير الى أن الاتفاقية العراقية - الصينية عبارة عن قرض ائتماني صيني قدره عشرة مليارات دولار يتم تسديده الى بكين عبر وضع عائدات مائة ألف برميل من صادرات النفط الخام العراقي يوميًا في حساب خاص في أحد البنوك الصينية، وتبلغ قيمة تلك العائدات نحو ملياري دولار في السنة بأسعار قُدرت حينها بخمسة وخمسين دولارًا للبرميل الواحد، وتبلغ مدة الاتفاقية عشرين عاماً. والاتفاقية في اطارها العام تخلو من الشروط الجزائية، وتندرج ضمن اتفاقيات الصداقة، وفي حالة حصول خلاف يتم اللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية، وهي قابلة للتمديد والزيادة إذا رغب الجانب العراقي.

   ويوضح المستشار صالح أن الاتفاقية تشتمل على أمور عدة منها إنشاء صندوق عراقي - صيني للإعمار، تتولى الحكومة العراقية الاشراف عليه عبر البنك المركزي والحكومة الصينية بضمانة مؤسسة التأمين الصينية "ساينو شور"Sino sure"، تحجز فيه إيرادات مائة ألف برميل يومياً من النفط العراقي المباع إلى الصين، مقابل أن تضع الحكومة الصينية مبلغ عشرة مليارات دولار بفوائد مدعومة من قبلها، وفي حال نجحت الحزمة الأولى من المشاريع، وأبدت الحكومة العراقية رغبتها رفع مستوى الاستثمارات، يتم رفع سقف إيرادات مبيعات النفط العراقي إلى ثلاثمائة ألف برميل يوميًا، وبالمقابل تزيد الصين سقف الإقراض إلى ثلاثين مليار دولار، ثم يودع المبلغ في مصرف "سيتي بنك-الصين"، الذي يقوم لاحقًا بتحويله إلى حساب العراق في المجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في نيويورك (الذي يشرف على مبيعات النفط العراقي الإجمالية)، قبل أن يصار لتحويله الى حساب جديد يسمى "حساب الاستثمار"، ويتم إنشاء حساب آخر يسمى "خدمات الديون"، ويخصص لدعم نسبة الفائدة، ويستقطع مبلغه من حساب الاستثمار.

  ومن أبرز المشاريع التي يفترض انجازها من خلال الاتفاقية، تطوير البنى التحتية والمنشآت الحيوية، من قبيل المطارات والمدارس وتوسيع شبكات الطرق الخارجية والسكك الحديد، ومعالجة تلوث المياه، وبناء المجمعات السكنية، ومشاريع الطاقة، وغيرها.

   وتمتاز الاتفاقية العراقية - الصينية، في أنها لا ترتب على العراق التزامات مالية مسبقة، ولا تتقاطع مع ضرورات ومقومات الأمن القومي واعتبارات السيادة الوطنية، ولا تنطوي على املاءات، وأكثر من ذلك كله، انها أبرمت مع طرف دولي كبير ومهم وله ثقله الاقتصادي العالمي، لا توجد هناك عقد أو اشكاليات في التعاطي معه، على العكس تمامًا من التعاطي مع الولايات المتحدة الاميركية أو أطراف دولية واقليمية كان لها دور سلبي في خلق وتعميق المشاكل والأزمات السياسية والأمنية في العراق على مدى ما يقارب العقدين من الزمن، وربما أبعد من ذلك.

   وتأسست رؤية عبد المهدي وفريقه الاستشاري على أبعاد وأهداف اقتصادية وسياسية وأمنية يمكن أن تتحقق من وراء الاتفاقية العراقية الصينية، وهذا ما أثار حفيظة واشنطن، التي سعت وما زالت الى ابقاء العراق تحت هيمنتها وسطوتها الكاملة، وهي رأت في تلك الاتفاقية تهديدًا كبيرًا وخطيرًا لوجودها في العراق، واستهدافًا لمشاريعها وأجنداتها المستقبلية في عموم المنطقة، الأمر الذي حدا بها الى توجيه أكبر قدر من الضغوط على عبد المهدي وحكومته بشتى السبل والوسائل والادوات، ولا شك أن بعضًا مما تخلل التظاهرات السلمية المطلبية التي انطلقت في تشرين الاول-اكتوبر الماضي في عدد من المحافظات العراقية، من سلوكيات وممارسات سلبية، أشار الى أصابع واشنطن فيها، من خلال سفارتها في بغداد، وجهات وشخصيات تعمل بواجهات مدنية غير حزبية.  

   وقد يكون التصور القائل ان ابتعاد عبد المهدي عن واشنطن واقترابه من بكين وطهران وانفتاحه على فضاءات دولية واقليمية لا تروق لواشنطن، كان أحد أسباب التوجه لمحاصرته ومن ثم ارغامه على التنحي، قد يكون مثل هذا التصور واقعيًا الى أبعد الحدود، بيد أن القوى التي ساهمت في الدفع بهذا الاتجاه، هي ذاتها اليوم راحت تدفع باتجاه تفعيل الاتفاقية العراقية - الصينية، كأحد الحلول والخيارات المتاحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها البلاد في ظل جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، وعدم توفر البدائل المناسبة والكافية لتعويض العجز المالي الكبير، ناهيك عن التخبط الواضح للحكومة الحالية وعجزها عن العثور على مخارج مناسبة للأزمة في وقت راحت الضغوط الشعبية تتسع مع تزايد أبعاد ومساحات الأزمة الاقتصادية.    

   واليوم، فإن الخبراء والمتخصصين في الشؤون الاقتصادية، يربطون تدوير عجلة الاقتصاد العراقي، وتفعيل وتحريك القطاعات الاستثمارية، وتعزيز مشاريع البناء والاعمار، باعادة احياء الاتفاقية العراقية - الصينية، خصوصًا مع رغبة بكين وتفاعلها واستعدادها للسير قدمًا نحو الأمام في هذا الخيار.

الصين

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل