يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

من يحاصر من؟
03/02/2019

من يحاصر من؟

أحمد فؤاد
يدرك أي متابع للصراع الشامل في ـ وعلى ـ منطقة الشرق الأوسط، أن الكيان الصهيوني سقط في بئر المفعول به، منذ سنوات قريبة، وفشل في استخدام أقوى أسلحته على الإطلاق "الهيبة المعنوية"، والتي كانت تخوله له دخول معاركه مع العرب منتصرًا مقدمًا، قبل أن ينطلق هدير المدافع أو تدور محركات طائراته متجهة لتقصف أهدافها.

التحركات الصهيونية المحمومة في البلدان العربية، التي تُحسب على محور الاعتدال اسميًا أو الخنوع فعليًا، ليست إلا رد فعل يحاول ستر الضعف المتبدي والحقيقي في كيان العدو، العاجز عن تحقيق أي إنجاز على الأرض، أو الوصول بسلاحه إلى أبعد مما وصل إليه فعلًا، خلال مراحل سابقة، والتي جعلته قبل مطلع الألفية بقليل اللاعب الأبرز على طول مساحة الشرق الأوسط.

غياب المحور السوري المصري، والذي تولى قيادة عملية المواجهة مع العدو، خلال فترة تألق القومية العربية، وخروج مصر من الصراع، مع لجوء السادات إلى عقد سلام ـ أقل ما يوصف به أنه خيانة لمصر قبل غيرها ـ أتاح للكيان فرصة لم يفلتها لتصفية جبهات المواجهة واحدة تلو الأخرى، وإرباك النظام العراقي السابق للجبهة الشرقية العربية، في مغامرات متتالية، استنزفت ولا تزال مقدرات العراق والمنطقة، من حربه غير المبررة مع إيران إلى غزوه الكارثي للكويت، ثم الحصار المأساوي للعراق، نهاية بسقوطه أمام العدوان الأميركي.

مثلت المقاومة اللبنانية، مجسدة في حزب الله، قمة الفعل العربي، الذي رفض الاستسلام، وأثار المخيلة العربية المأزومة بحقيقة أن الكيان "أوهن من بيت العنكبوت"، تلك الكلمات على لسان سماحة السيد حسن نصر الله، التي أصبحت فيما بعد واقعًا وقانونًا للمواجهات العربية الصهيونية، وأثبت السيد بصدقية نادرة وغائبة في غالبية القادة العرب، أن الأمة قادرة على إنتاج أبطال أيضًا، وليست واقفة عند مرحلة تقديم الشهداء فقط.

صدّر السيد الفزع إلى الكيان الصهيوني، عوضًا عن قيامنا باستيراده، وحوّل المعركة النفسية الخاسرة دومًا إلى نصر واضح وناصع، محصنًا الجبهة الداخلية العربية، التي كانت تعاني مع مطلع الألفية الأمرّين، وضاع من الصهاينة في غمرة الهزائم والتراجع على الجبة اللبنانية سلاحهم الأمضى "الردع النفسي"، والذي كان يترجم تفوقهم النفسي، وقوة نيرانهم إلى الحد الذي يكفي معه مجرد الإشارة للحرب إلى تسليم الطرف المقابل.

ووصولًا إلى العام 2006، ظهر جليًا أنه حتى الجمهور الصهيوني بات تحت سيطرة خطابات السيد، وفي محصّلة بحث قام به المحاضر في علم النفس السياسي في جامعة بن غوريون الدكتور "أودي ليفل"، حول علاقة الجمهور الصهيوني بالسيد نصر الله خلص إلى أنه بدلا من أن يعتمد الجمهور الصهيوني على مرجعية قومية تطلعه وتبيّن له مجريات الأحداث يوميا خلال حرب تموز، أولى الجمهور ثقته لزعيم حزب الله، وكان الصهاينة يرون فيه شخصا صادقًا وكفؤاً أكثر من زعمائهم.

لكن شمولية المواجهة مع العدو ظلت عزيزة على حزب أو حتى دولة واحدة، حتى انخرطت الجمهورية الإسلامية في الصراع، إلى الحد الذي حوّلها دولة مواجهة، وجاء تشكل الحلف أو محور المقاومة، ومواجهاته مع العدو الصهيوني، ليرد إلى أسماع الشعوب العربية جملة "زوال الكيان الصهيوني".

وطبقًا لقانون الحركة "لكل فعل رد فعل"، فقد كان فعل المقاومة حاسمًا ناجزًا، وتمثل رد فعله في انفجار وتطاير الأكاذيب الصهيونية في الفضاء، قبل أن تسقط مفتتة في محيط العراء، فإذا بالقبة الحديدية الصهيونية مظلة مثقوبة، لا تسمن ولا تغني في مواجهة زخات قليلة الصواريخ، وبإمكان غيرها أن تصل إلى حيث لم تصل سابقًا، وبأعداد تفني أي قدرة للكيان الغاصب على الاستمرار أو المقاومة.

الحصار الأميركي الطويل على إيران، والمستمر حتى اليوم بحجج شتى، ثبت أنه كان حصارًا على العرب، حصار استهدف قطع طريق التواصل بين مشروعين بينهما الكثير من المصالح وفرص النجاح والتكامل، فالمتطلع لخريطة العالم العربي اليوم، يجد الحيز الجغرافي العربي محصورًا بين مياه المحيط في الغرب، والصحراء الكبرى تعزله في الجنوب، والمتوسط شمالًا، وامتداد اليابسة مقطوع بتركيا والقواعد الأميركية فيها، ولا يتبق أمامنا إلا إيران، طريقًا مفتوحًا، بل ومستعدًا.

باختصار فإن إيران، والتي كانت تمثل في مراحل سابقة داعمًا ومؤيدًا وظهيرًا للقضية الأساس للعرب، فلسطين، دخلت رقمًا ولاعبًا في معادلة الصراع، وبقدر ما تمثله من خسارة للكيان الصهيوني، فهي مكسب للحق العربي، وبإمكانياتها الهائلة وقدراتها، فقد وفرت ضوءاً جديدًا لمسيرة جد مختلفة في صراعنا الوجودي مع الصهاينة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل