طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

أكاذيب بندر بن سلطان
20/10/2020

أكاذيب بندر بن سلطان

إيهاب شوقي

اهتمت وسائل الاعلام مؤخرا، وخاصة المعادية للمقاومة، بالانتقادات التي وجهها الرئيس السابق للاستخبارات السعودية وسفير المملكة السابق لدى واشنطن، بندر بن سلطان بن عبد العزيز، للقيادة الفلسطينية بسبب رفضها قرار التطبيع بين الامارات والبحرين مع العدو الإسرائيلي.

وسيقت المغالطات التاريخية على لسان بندر وكذلك على لسان المعلقين، للخروج بمضمون مفاده، أن دول الخليج قدمت ما أسمتها بـ"التضحيات" في سبيل حل القضية الفلسطينية وأن "الفلسطينيين هم من أهدروا الفرص"، وبالتالي فإن "التطبيع هو حل جديد وعلى الفلسطينيين أن لا يهدروا الفرص مجددًا"!

لسنا هنا بصدد الرد على بندر بن سلطان، فاللقب الذي حظي به وهو "بندر بوش"، والذي أطلقه عليه جورج بوش، باعتباره صديقًا حميمًا للعائلة وشريك أعمال وسياسة، يكفي لمعرفة الأمير وتوجهه ومدى علاقته العضوية بالأميركيين، حيث خدم كسفير لآل سعود من عام 1983 وحتى عام 2005 في واشنطن..

الا أن هناك ضرورة لتفنيد بعض مما قاله لسببين رئيسيين:

الاول: انه من الملفت تسليط الضوء على مقابلة بندر مع قناة "العربية"، والتي قال بها ان"هناك شيئا أيضا يربط القيادات الفلسطينية التاريخية، فهم يراهنون دائما على الطرف الخاسر... وهذا له ثمن"، مشيرا إلى الدعم الذي قدمه ملوك السعودية المتعاقبون على مدى عقود للقضية الفلسطينية، وقال إنه على الشعب الفلسطيني أن يتذكر أن المملكة كانت دائما حاضرة لتقديم المساعدة والمشورة.

وهو ما يعني الربط بين وقائع الماضي والحاضر واستهداف التحالفات الفلسطينية المقاومة للتطبيع وتزييف حقيقة الدور السعودي والربط بين الدعم الذي قدم في مراحل سابقة وبين التسويغ للتطبيع، وهو ما يتطلب تفنيدا وتصحيحا.

الثاني: انه قام بتدشين موقعه الإلكتروني مؤخراً، وقال في ديباجته "اليوم بعد أن تركت العمل الحكومي، وددت أن أشارك برأيي الشخصي من خلال هذا الموقع الإلكتروني حيال العديد من المواضيع السياسية والأمنية والقضايا الدولية التي تخص منطقتنا ولأوضح للكثيرين الحقيقة ما أمكن تاريخياً وحالياً بكامل تفاصيلها وبالذات التي عاصرتها وشاركت فيها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر".

وهو ما يعني ان هناك منصة دشنت للترويج للمغالطات والزيف وصياغتها في قالب تاريخي ووثائقي قد ينطلي على الكثيرين!

خلال حديثه في الفيلم الوثائقي "مع بندر"، وجّه بندر بن سلطان خلال المقابلة، رسائل للمواطنين السعوديين والخليجيين لبيان مواقف المملكة في دعم القضية الفلسطينية، وأشار إلى استشهاد 150 جنديا سعوديا خلال مشاركتهم في حرب 1948، مؤكدا أن القضية الفلسطينية ظلت المحور الرئيسي لأي محادثات بين الرياض وواشنطن.

وشدد على أن دعم القضية يكون في السعودية بالمواقف والأفعال وليس بالشعارات والمزايدات. وفي رسالة واضحة إلى تركيا وإيران، قال بندر "تركيا تحتل ليبيا وتريد تحرير القدس بسحب سفيرها من أبوظبي"، وأردف: "إيران تريد تحرير القدس عن طريق الحوثي في اليمن أو حزب الله في لبنان"، وفق زعمه.

كما وصف قناة "المنار" اللبنانية بأنها و"الجزيرة" من بين "التلفزيونات المسمومة، رسالتها كاذبة وأهدافها حقد خصوصا على دول الخليج وقادتها"، حسب ادعائه.

وهنا تنبغي وقفة تحدد الثوابت التالية:

1- ليس معنى تقديم التضحيات في مراحل سابقة أن يستريح المناضل ويلجأ للتفريط والخيانة، ولو اثقل كاهله ولم يعد قادرا على التضحية، فليسلم الراية لغيره، وعلى الاقل لا يبرر للخيانة ويدعمها، ولا يحاصر او يشوه المقاومين الذي رفعوا راية المقاومة دول كلل او ملل من التضحيات.

2- الجمع بين تركيا وايران، وبين "المنار" و"الجزيرة"، هو خلط للاوراق، يدل على تصفية خصومات لا تناقض مبادئ، ويدل على كلام دعائي لا حقائق تاريخية، فتركيا تعترف بالكيان الاسرائيلي وموقفها يختلف جذريا عن ايران، والمنار هي لسان للمقاومة وتلتزم بكامل ثوابتها، ولا علاقة لها شكلا او مضمونا بالجزيرة، والجامع فقط بين الفرقاء، هو العداء الذي تكنه السعودية للثورة الاسلامية والمقاومة، وخصومتها المستحدثة مع تركيا وقطر، حليفي  الامس!

3- موضوع الدعم السعودي للقضية هو محل مناقشة، فلا يستطيع منصف أن ينكر بعض الحقائق مثل الشهداء في حرب 1948، ولا أحد أيضًا ينكر ما تم تقديمه من دعم مادي للجبهات وللداخل الفلسطيني.

لكن بالمقابل، فإن هناك تقييمًا كليًا لمسار الصراع، وكذلك حقائق سياسية يجب توضيحها لفك شفرات وألغاز الدعم تزامنا مع محاربة المقاومة، بدءا من انظمة التحرر واضعافها وصولا الى محاربة المقاومة وتشويهها حاليا، وكذلك لفك الغاز الجمع بين الدعم المعلن للقضية والتجارة بها، وبين العلاقة العضوية مع امريكا، والتي تمثل الراعي الرسمي للعدو الاسرائيلي، وكذلك تقديم المبادرات السياسية المفرطة في الحقوق والثوابت والضغط لتحويلها الى مبادرات رسمية عربية ومحاولة فرضها على الفلسطينيين!

ليست مصر بريئة من التخلي عن الصراع بتوقيع معاهدة السلام والاعتراف بالعدو، ولا القيادات الفلسطينية التاريخية بريئة من الاعتراف واللجوء لتسويات مثل اوسلو ومدريد.

4- النضال السعودي قائم على عمودين هو الدعم السياسي والمالي للجيوش التي حاربت، وحظر النفط في عام 1973، وهو ما يجب مناقشته بشكل مختصر:

أولًا: لا يُمكن فصل موقف المملكة المعلن من القضية عن الظروف السياسية المحيطة، وتنامي أنظمة التحرر الوطني ووصول مشاعر الغضب من الصهاينة الى التيارات داخل شبه الجزيرة، وهو ما يستحيل مواجهته، وبالتالي لم يكن أمام السعودية الا مجاراته ولكن بطريقتها، فقد عنونت دعمها بأنه دعم إسلاميّ خدمة للاستنفار الديني المدعوم أمريكيّاً لمناهضة الشيوعيّة والتيارات التقدمية اليسارية، وهنا ينبغي التذكير بالعنوان الشهير لمجلة "عكاظ" السعوديّة في الخامس من أيّار 1962: "جمال عبد الناصر كافرٌ بالإجماع".

ونذكر بما نَشره القائد طه الهاشمي في مذكراته في جريدة (الحارس) البغدادية، وكان رئيساً للجنة العسكرية المنبثقة سنة (1947 ـ 1948) عن جامعة الدول العربية للإشراف على حرب فلسطين. قال الهاشمي: "إنّ الحكومة السعودية أبرقت للجنة العسكرية عن أسلحة معدّة لنجدة فلسطين موجودة في ''سكاكة'' بالصحراء السعودية، فأرسلت الحكومة السورية طيّارات عسكرية فأحضرت تلك الأسلحة لدمشق، وسلّمتها إلى المصنع الحربي التابع للجيش السوري لفرزها وتبويبها، فإذا هي أسلحة عتيقة متعددة الأنواع، والأشكال، فيها الموزر والشنيدر، والمارتيني...، وفيها بنادق فرنسية، وإنجليزية، وعثمانية، ومصرية ويونانية، ونمساوية وكلها بدون مخازن وكلها صدئة ''خردة'' لا تصلح لقتال".
وما كتبه الملك حسين في كتابه "حربنا مع إسرائيل" عن الملك فيصل في حرب 67: "إن الإمدادات السعودية دخلت الأردن بعد الحرب وحين انتهى كل شيء".

ثانيًا: فيما يخص حظر النفط، فهي دعاوى ترددت في حرب 1967 وتلكأت المملكة بها بدعوى انها عقاب للدول النفطية لا للغرب، ثم تم تطبيق الحظر في عام 1973 بعد استحالة التلكؤ نظرا لحالة الغليان الشعبي وعقب اطمئنان استخباراتي بأن السادات عازم على التفاوض، وبعد دراسة جدوى لفوائد الخطوة سياسيا، والأهم ما حققته من طفرة نفطية صعدت بالسعودية فعليا لقيادة العرب.
وتقول التقارير الغربية، إن الأزمة غيرت بشكل لا رجعة فيه الوضع السياسي للمملكة العربية السعودية، حيث ارتفعت عائدات النفط في المملكة من 4 مليارات دولار إلى أكثر من 19 مليار دولار!

السعوديةالتطبيع

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة