يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

الخواء.. ثقافة تنمو على درج المدن
16/10/2020

الخواء.. ثقافة تنمو على درج المدن

ليلى عماشا

لكلّ حرب أدواتها وميادينها وجنودها. وصار معلومًا أنّ الحرب الإعلامية المكلفة التي تخاض ضد المقاومة لا توفّر أداة أو ميدانًا أو "أقلامًا" كي تستخدمها في سبيل الهجوم المستمر والمستعر على كل ما ومن يمثّل ثقافة المقاومة وبيئتها وناسها.

من "رسائل كافكا إلى ميلينا" (وغيرها) إلى رسائل "المواقع الإلكترونية" التي تنتشر كالعلق على حواف العالم الافتراضي، ومن الثقافة التي هي مجموع العادات والتقاليد والقيم والمعرفة المتراكمة، إلى ثقافة الاقتباس السهل الذي أتاحه موقع غوغل ومرادفاته، ومن بديهية "حرية اختيار" لمن نقرأ إلى كلّ الإسقاطات التي يبتكرها وربما يرتكبها دعاة "الحرية الشخصية" في سبيل تأدية دورهم الوظيفي كأقلام للتجهيل والتسطيح وإضفاء الظلامية على كلّ شعاع في بيئة وثقافة تحارب الأميركي وتقف في طريق مشاريعه، كان لا بد من النظر إلى تجنيد بعض الأقلام وتركيزها في وجه قلم قاوم منذ الثمانينيات شعرًا حسينيًا يعكس ثقافة بيئة كاملة وخطٍ أعاد رسم خارطة المنطقة بيد أهل الحب، وبوجه اليد الاستعمارية الأكثر سطوة وعدوانًا.

لم يحتمل هؤلاء أن يكتب شاعر مقاوم اسمه فادي حدرج رأيًا حرًّا بكاتب توفي منذ مئة عام اسمه كافكا. خرجوا عن طور شعاراتهم التي تقدّس حرية التعبير وتناقلوا كلامه واعتبروه "مصيبة" ومساسًا بالأمن الثقافي.. ومن فرط انفعالهم، نسوا أنّهم يؤكدون وقوعهم في كلّ ما حذّر الشاعر من الوقوع فيه عبر الانسياق الأعمى خلف أيّ كلام يقال مذيّلًا باسم كاتب شهير.

بلحظة افتراضية، صار فادي حدرج بما يمثّل خطرًا على أهل "الثقافة المستجدة" فتناولته الأقلام "الثورجية" بين رسائل وتعليقات وحتى مقالات تشرّح هذا الخطر وتكشفه. وبمعيار ما، يمكن القول إنّ هذا الخطر صحيح. فكلّ غاية هذه الأقلام هي تظهير ثقافة المقاومة على أنّها ثقافة جهل وظلامية وترهيب، خدمة للمفاهيم التي يطرحها ويسوّقها الغرب حول ماهيّة التحضّر والمعرفة والحداثة. تعمّدوا تجاهل كلّ قيمة أخلاقية وإنسانية تقدّمها اللطميات، وارتؤوا أن اقتباستهم الكافكاوية وغيرها معيار الثقافة الأوحد، رغم جهلهم التام أو تعمّدهم لتجاهل خلفية كافكا، على سبيل المثال. بل وناضلوا من خلال كتاباتهم هذه للدفاع عمّا يرونه ثقافة، وعن حقّهم بقراءة ما يريدون فيما يسقطون عن مثقّف "شيعي" حقّه بالتساؤل عن الخلفيات الثقافية حول العالم، بل يسقطون عن "مقاوم" حقّه بتظهير الهوية الثقافية لبيئته. كلّ هذا تحت شعار "حرية التعبير" حينًا، واحترام التعدّد الثقافي في حين آخر.

للأمانة، أبدع هؤلاء في تظهير دورهم كأدوات يتم تجييشها وتحريكها بدون أن تكلّف نفسها عناء القراءة الدقيقة وعناء التفكير، التفكير الحر. كذلك تفوّقوا على أنفسهم مرة جديدة في بلوغ حضيض إنساني وأخلاقي وثقافي أدنى بكثير ممّا يتخيّله العقل. هاجموا بوجوههم العارية وجه ثقافة حرّة، ثقافة كشفت وتكشف زيف شعاراتهم، وخواءهم المقيت جدًا!

الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل