ramadan2024

آراء وتحليلات

إرهاب الدولة الأميركي على لبنان: حصار سياسي واقتصادي للتطويع
16/10/2020

إرهاب الدولة الأميركي على لبنان: حصار سياسي واقتصادي للتطويع

د. علي مطر

قليل من يتحدث عن إرهاب الدولة، مع أنه أكثر أنواع الإرهاب خطورةً. دول كثيرة تتغاضى عن القول بهذا الإرهاب لأسباب سياسية. وبالرغم من أن خطورته تفوق كثيراً ارهاب الأفراد ـ الجماعة، إلا أن المعايير المزدوجة لدى الغرب تجعل الدول الكبرى تمنع التعريج إلى تعريف إرهاب الدولة من قبل المنظمات الدولية. وقد رفضت الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب تعريف إرهاب الدولة وذكره من ضمن أنواع الإرهاب الذي تطرق إليه مجلس الأمن والمؤتمرات الدولية مع أن الدول النامية طالبت وتطالب بتعريفه بشكل مستمر، لكن الرفض الأميركي كان سباقاً دائماً، لأمور تتعلق بالسياسة الأميركية والاستمرار في استراتيجياتها الإرهابية من خلال سياستها الخارجية وحروبها وغزواتها.

يشكل إرهاب الدولة جزءاً لا يتجزأ من الحروب التي تشنها الإدارة الأميركية وحلفاؤها على الشعوب، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط. وتعد أميركا إحدى أكثر الدول إرهاباً في العالم، لا بل إنها تتفرد في القرن الواحد والعشرين إلى جانب حلفائها وعلى رأسهم "إسرائيل" والسعودية بإرهاب الدولة. لكن المشكلة أن الحديث عندما يتعلق بالإرهاب يكون من خلال الإشارة إلى أعمال العنف والقتل والتسبب بالجروح البليغة لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية أو من أجل إخضاع حكومة ما لسياسات محددة، لكن قل من تحدث عن ارهاب الدولة الذي هو ذلك الفعل الذي يُرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ولكن ليس بوسائل عسكرية وعنفية إنما من خلال الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تخضع الكثير من دول العالم لسياسات محددة، فضلاً عن أن الحصار السياسي لدولة ما، حتى تركيعها كما يحصل مع فنزويلا وايران والعراق سوريا ولبنان يأتي في هذا السياق. هذه الأشكال من الحروب قد يناقش البعض في مدى إمكانية وصفها بالإرهاب، لكننا إذا تحدثنا عن نتائجها فإننا سنصل إلى حتمية كونها جزءاً من إرهاب الدولة، لأن الهدف منها لا يقل عن هدف الأعمال العنفية التي تكون لإخضاع الدولة.

تحاول الإدارة الأميركية بشتى الوسائل أن تحاصر حزب الله في لبنان. بدأت مرحلة الضغط القصوى على الدولة اللبنانية مع استغلال ما سمي بالحراك في 17 أكتوبر/ تشرين الأول. لا مشكلة حقيقية للولايات المتحدة الأميركية مع لبنان غير وجود حزب الله وإذا أردنا التحديد أكثر نقول إن مشكلة الإدارة الأميركية هي سلاح حزب الله وتهديد أمن "إسرائيل"، وإلا فإن لبنان يعتبر منصة تاريخية لمصالح الولايات المتحدة الأميركية، وهي منذ أن وطئت أقدامها الشرق الأوسط تقوم بدعم المؤسسة العسكرية والأمنية اللبنانية من أجل هدف أساسي هو حرف أنظارها عن محاربة "إسرائيل"، وتقويضها بالدعم الأميركي من أجل عدم تهديد الأمن الإسرائيلي أو الحديث عن أي حق في تقرير المصير. بدأ دونالد ترامب منذ قدومه إلى رئاسة البيت الأبيض بتفعيل كل أدوات الضغط على حزب الله، والتي يأتي في مقدمتها العقوبات على أفراد وكيانات من خلال المصارف وغيرها، لكنه لم ينجح في التأثير الكامل على الحزب وذلك لأسباب عدة، لذلك يلجأ بشكل دائم إلى البحث عن أدوات يمكن أن تؤثر على الحزب ولو أدى ذلك إلى الضغط على لبنان حكومة وشعباً.

وقد أعاد دونالد ترامب عبر الكونغرس تفعيل نص الإعلان حول استمرار حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بلبنان، كذلك يسعى نواب أميركيون الى ابتكار نوع جديد من العقوبات على المقاومة وبيئتها، ذات طبيعة تقسيمية للبنان. وهذه العقوبات، التي لا تزال اقتراح قانون في مجلس النواب الأميركي، تسعى الى عزل مناطق يتواجد فيها الحزب وجعلها خالية من المصارف، وقطع تواصل أي مصارف عاملة في هذه المناطق مع النظام المصرفي العالمي.

يعتبر الأميركيون أنه لم يعد بالإمكان التمييز بين الحكومة اللبنانية وحزب الله، ويسعون إلى العمل مع حلفائهم في لبنان على حظر حزب الله كحزب سياسي من خلال نزع الشرعية الدولية، أو اعتبار جميع الأطراف المتبقية في مجلس النواب اللبناني متواطئة معه، ومن ثم العمل مع منظمات المجتمع المدني التي صرف عليها المليارات بحسب دايفيد هيل. وتحاول واشنطن العمل داخلياً شيئاً فشيئاً على الدعوة إلى انتخابات جديدة ومبكرة في ظل قانون انتخابي جديد يكون على قياس حلفائها، هذا فضلاً عن أنها تسعى إلى الوصول إلى فتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة ومحاولة إعطاء دور أكبر لليونيفل وتغيير مهامها.

هكذا يتمثل الإرهاب الأميركي في حصار دولة سياسياً واقتصادياً، وفرض عقوبات على تياراتها وأحزابها وشخصياتها، من أجل الانفكاك عن حزب الله أو محاربته، ولو أدى ذلك إلى حرب داخلية لا تبقي ولا تذر، فلا وازع عند الأميركي غير تحقيق مصالحه ومصالح الكيان الإسرائيلي، والوصول إلى أهدافه بشتى الوسائل، وهذا التحريض لا يقل عن الحرب والإرهاب أبداً بل إنه أخطر بكثير لأنه يسعى للفتنة بين أبناء الوطن الواحد.

الارهاب

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات