يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

 بعد حجز الدولارات..المركزي يقنّن السحب بـ
15/10/2020

 بعد حجز الدولارات..المركزي يقنّن السحب بـ"الليرة" وهكذا سيتضرّر المواطن

فاطمة سلامة

لم يكن ينقص المودعين بعد أن حرموا لأشهر من سحب "دولاراتهم" سوى أن يجري تقنين سحوباتهم من الودائع بـ"الليرة" اللبنانية. في التعميم الصادر عن مصرف لبنان أمس الأربعاء، لم يقل المركزي صراحةً انه سيتّبع سياسة التقنين بحق المودعين لكنّه اتبع سياسة المواربة فأوهم القارئ أنّ التعميم موجّه للمصارف فقط، اذ يضع سقوفاً على ما يمكن أن تسحبه من حسابها الجاري لدى مصرف لبنان وعند تخطي هذه السقوف تُحتسب المبالغ المطلوبة من حسابات المصارف المجمدة لديه، ما يعني بكل الأحوال أنّ المودع هو المستهدف والضحية وبعد الحجر على "دولاراته"، قد تكون عملية التمهيد للحجر على "ليراته" قد بدأت ما ينعكس حكماً على أموال المودعين والموظفين. فماذا تعني خطوة مصرف لبنان؟ وما انعكاساتها على المواطن اللبناني؟.  
 
رمال: للتعميم تداعيات واسعة على المودع والمواطن بشكل عام

عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي الأستاذ عدنان رمال يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ التعميم الصادر عن مصرف لبنان -بوضع سقوف للمصارف على الحسابات الجارية بحسب حجم كل مصرف وحساباته- سينعكس بالتأكيد على المودعين. هذا التعميم يأتي استكمالاً للتعميم الصادر عن المركزي قبل أيام والذي يطلب فيه من المستوردين تأمين الـ85 بالمئة من قيمة البضاعة المستوردة (القمح والمحروقات والدواء) والتي كان يأخذها المركزي منهم بالليرة ويؤمن لهم مقابلها الدولارات وفقاً لسعر الـ1500 ليرة، طلب منهم أن يؤمنوها نقدا أي ليس عبر "شيكات" مصرفية، وليس عبر حساباتهم الموجودة في المصارف. وبالتالي، سيتوجه هؤلاء التجار لتحصيل الأموال بالليرة اللبنانية من السوق، بحيث لم يعد يرضى المستورد بأي شيكات من التاجر الأصغر. ولهذا الأمر تداعيات واسعة -بحسب رمال- الذي يعتبر أنّ التعميمين مكملان بعضهما البعض وأتيا تحت عنوان ضبط أزمة الدولار في السوق الموازي وتخفيف الاستهلاك ومعه الاستيراد حفاظاً على الاحتياطي من العملات الأجنبية لأطول فترة ممكنة. 

 

 بعد حجز الدولارات..المركزي يقنّن السحب بـ"الليرة" وهكذا سيتضرّر المواطن

المواطن الذي لن يتمكن من الحصول على احتياجاته

هذه السياسة المجحفة التي تتجلى في تعاميم مصرف لبنان ستنعكس بشكل مباشر -بحسب رمال- على القطاع الاقتصادي والمواطن الذي لن يتمكن من الحصول على احتياجاته. برأي رمال تحديد السقوف لرواتب الموظفين وسحوبات المودعين تحمل سلبيات عديدة على المواطن. يعطي مثالا على ذلك، فلو جرى تحديد سقف لراتب موظف يتقاضى ثلاثة ملايين ليرة شهرياً بمليون ليرة فقط. ماذا سيعني ذلك؟ يعني بلا شك تقليص قدرته الشرائية، اذ لن يعد بمقدوره استخدام بطاقة الاعتماد لأن غالبية المحال والمؤسسات باتت بحاجة الى أموال نقدية للاستيراد وعليه لن تقبل سوى الدفع نقداً. هذا ونحن نتكلّم  عن أمور أساسية ومدعومة، فماذا عن الأمور الأخرى غير المدعومة؟ يسأل رمال الذي يوضح أن مستورديها يلجأون الى السوق السوداء لشراء الدولارات. 

ويؤكّد رمال أنّ التعميم الصادر مؤخراً يجعلنا نعيش المشهد الذي حصل سابقاً مرةً أخرى، فبعد أن جرى حجز دولارات المودعين، يتم حجز ليراتهم اليوم، وما بين الحجز الأول والثاني يتعرض القطاع الاقتصادي لإنهاك كامل ويعيش المواطن قلّة واسعة. لا ينكر رمال أن تجفيف السيولة قد يخفّف الطلب على الدولار في السوق السوداء ولكن سيكون له تداعيات واسعة على المواطن تصل حد تجويعه وهناك الكثير من المواطنين قد يخسرون أعمالهم ووظائفهم ويفقدون القدرة على شراء حاجياتهم ما يضرب القطاع الاقتصادي بشكل عام. وهنا يشدّد رمال على أنّ التعميم العتيد يأتي في سياق السياسة المجحفة التي يتبعها مصرف لبنان لتقضي على المودع الذي رضي بتبديل دولاراته بالليرة اللبنانية رغم فقدان 50 الى 60 بالمئة من قيمة أمواله الفعلية على قاعدة "رضينا بالهم والهم ما رضي فينا".
 
لو تمت محاسبة القطاع المصرفي منذ البداية لما وصلنا الى ما وصلنا اليه

ويلفت رمال الى أنّ هذه السياسة المجحفة تدفع بنا الى فتح قضية الحرية المعطاة للقطاع المصرفي في لبنان والتي تمكّنه من اتخاذ القرارات التي يريدها خارج القوانين اللبنانية ومن دون محاسبة. برأي رمال لو تمت محاسبة القطاع المصرفي منذ البداية عندما حجزت أموال المودعين لما كنا وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم، حيث جرى حجز الدولارات سابقاً واليوم حبس الليرات تحت حجة الحفاظ على سعر الصرف مع العلم أن هذه السياسة لا تحافظ على سعر الصرف، وفي حال حافظت ستكون بشكل وقتي وظرفي. وفق رمال الهدف الأساسي من هذا القرار تطويل فترة الدعم، بينما المفروض منذ البداية الذهاب نحو بطاقات دعم للمواطنين مباشرة بعيداً عن الهدر الحاصل والذي يستفيد منه التجار والمستوردون والمحتكرون على حساب المواطن. 

وفي الختام، يصنّف رمال هذه السياسات في إطار شراء الوقت وبكلفة عالية جداً على حساب المواطن اللبناني وليس غيره. 

حبيقة: المواطن يعمد الى تخزين كل شيء حتى الليرة 

تختلف رؤية الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة نوعاً ما عن رؤية رمال. يستهل حديثه بداية بالإشارة الى أن المواطن اللبناني الخائف على مستقبله يعمد الى تخزين كل شيء من مواد غذائية وغيرها وحتى الليرة اللبنانية. يختصر حبيقة تعميم المصرف المركزي بالآتي:" لدى مصرف لبنان مخاوف من طبع الليرة اللبنانية لأنها ستفقد قيمتها. وفي المقابل، ليس  بمقدور المصارف طبع الليرة بل تأخذها من المركزي، وهي التي تملك حسابين هناك، أحدهما جار وآخر حساب توفير. اذا استمرت المصارف في إعطاء المودعين الأموال بالليرة اللبنانية كما يريدون فإن الأموال الموجودة في الحساب الجاري لن تكفي لسد الطلب على الليرة ما يضطرها لاستعمال حساب التوفير الأمر الذي يفقدها الفائدة التي تتقاضاها من هذا الحساب. وبالتالي، تعتمد المصارف سياسة التقنين كي لا تستعمل الادخار الذي يزودها بالفائدة". 

 

 بعد حجز الدولارات..المركزي يقنّن السحب بـ"الليرة" وهكذا سيتضرّر المواطن

التعميم صورة عن الوضع في البلد 

ويرى حبيقة أنّ تخزين الليرة اللبنانية "لا طعم له"، داعياً المواطن الى سحب حاجته من المصرف، وهو ما سيصبح أمراً واقعاً اليوم بعد التعميم بحيث يحدد كل مصرف سقف سحوباته بحسب قدرته وودائعه في مصرف لبنان. لا ينكر حبيقة أنّ المواطن ضحية للتعميم لكنه يعتبر أنه ضحية أيضاً لمجرد وجوده في لبنان. برأيه، لا يجوز حرمان المواطن من "ليراته" لكن في المقابل لا يجوز حرمان المواطن من الدواء والمحروقات وغيرها. وفق قناعات حبيقة فإنّ التعميم ليس المشكلة الوحيدة، بل صورة ومثال عن الوضع في البلد ككل. 

وفي ختام حديثه، يلفت حبيقة الى أنه ليس أمام المواطن سوى أن "يركلج" معيشته وفقاً للواقع الجديد والسقف المسموح له.

مصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد