طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

حرب تشرين التحريرية: التحام الدم العربي على الجبهتين السورية والمصرية (1)
08/10/2020

حرب تشرين التحريرية: التحام الدم العربي على الجبهتين السورية والمصرية (1)

 عبير بسام

ما تزال حرب تشرين التحريرية حتى اليوم تمثل علامة فارقة في صراعنا العربي - الإسرائيلي. والحقائق التي تتكشف حول هذه الحرب في كل يوم تحتم علينا احترام تاريخنا العربي خلال سنين الصراع مع العدو الصهيوني، الأمر الذي تحاول اتفاقيات التطبيع في أيامنا هذه إلغاءه وإظهاره على أنه لم يكن ذا جدوى، وأن الصراع مع الإسرائيلي لم يكن ليجدي نفعاً. لكن العديد من الحقائق والتي تتعلق بقتال المرتزقة في دولة الكيان، أو حتى بقتال الدول الأوروبية والأميركية بشكل مباشر إلى جانبه، يجب أن تدفعنا إلى إعادة التفكير بمقدار القوة والعزيمة التي يتمتع بها كل من جنودنا ومواطنينا العرب.

لا يمكننا التشكيك بعقيدة وبطولة المحاربين، والذين حاربوا بشجاعة منقطعة النظير، والتي يشهد عليها كل من المشاركين فيها، والباحثين، وحتى المراقبين، وخاصة المدربين الروس [السوفييت سابقاً] الذين كانوا يعملون في مصر وسوريا، وخاصة سلاح طيران الجو السوري الذي لم يقاتل الطيار الإسرائيلي فقط في أيام المعارك الأولى، بل قاتل الطيارين الأميركيين والغربيين في الأيام 21- 23 من تشرين الأول/ اكتوبر في معركة الطيران الكبرى.

لا تقل أهمية كشف أسرار حرب تشرين عن الدراسات التي تحدثت عن المشاركات العربية من المغرب العربي والمشرق العربي على حد سواء. لقد كانت حرب تشرين حربا عربية حقيقية ضد العدو الصهيوني،. وشارك مع الجيشين العربيين السوري والمصري إخوانهم من معظم الدول العربية.

فعلى الجبهة السورية وفي الجولان المحتل، كانت هناك قوة من المغرب العربي، ومن العراق، ومن الأردن، والسودان. ويقول الدكتور بدر السماوي وهو صحفي تونسي وأستاذ في التاريخ المعاصر، في شهادته الخاصة بموقع "العهد" عن المشاركة المغربية العربية من ليبيا وحتى المملكة المغربية: "وجود المغرب في أقصى الوطن العربي وبعده عن الصراع العربي - الصهيوني لم يقف حائلاً دون مشاركته في حرب السادس من أكتوبر [تشرين الأول] 1973، بل إن مشاركته ارتقت دون مبالغة إلى مستوى دول المواجهة". فالمغاربة هم أحفاد عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف في المغرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والذين عاشوا أحداث نكبة فلسطين في العام 1948 وجمعوا التبرعات لأهلها. ويعتبر الخطابي أنه النسخة المغاربية لعز الدين القسام. وقاد الخطابي الثورة ضد فرنسا في المغرب. وبعد القاء القبض عليه ونفيه إلى مصر كان على علاقة وثيقة بالزعيم العربي جمال عبد الناصر.

يتابع السماوي: "أرسل الملك المغربي الحسن الثاني "تجريدة" من القوات المسلحة الملكية إلى الجولان تبلغ 6000 جندي مع عدة دبابات ومدفعية ومدرعات قتالية في إطار لواء مدرع كان الوحيد الذي امتلكه المغرب في ذاك الوقت. كما أرسل 5500 جندي وسرب طائرات إف 5 إلى الجبهة المصرية". والحقيقة أن الجريح الرقيب أبو وائل في حرب تشرين التحريرية، في دردشة معه، يذكر قتال إخوته في المغرب إلى جانب رفاقه على جبهة الجولان.

ويتابع السماوي: "لعبت القوات المغربية دوراً حاسماً خاصة على الجبهة السورية حيث حرّرت أجزاء هامة من هضبة الجولان مع وحدات عراقية ودخلت في حرب شوارع مع أقوى القوات الصهيونية حينها "غولاني" وحررت جبل الشيخ الإستراتيجي حيث اشتبكت مع الجيش الصهيوني وألحقت به هزيمة نكراء أسقطت فيها المدافع العربية عددًا من الطائرات وأسرت جنودًا صهاينة ثم تمركزت في قمة الجبل وأنزلت العلم الصهيوني ورفعت العلم السوري".

وقد اختلط الدم العربي على الجبهات، ولا يمكننا أن نقلل من أهميته في أية مرحلة من مراحل التاريخ فقد استشهد، وبحسب السماوي، حوالي 170 من بين الجنود والضباط المغاربة على ربى جبل الشيخ وفي "مجدل شمس" وفي محيط مدينة القنيطرة. وإلى اليوم هناك مقبرة كبيرة في ضواحي دمشق تضم رفات أولئك الجنود المغاربة الأبطال، بأسمائهم وصفاتهم ورتبهم. كما أن إحدى ساحات دمشق سميت باسم "التجريدة المغربية" تقديرا لدور مقاتليها الأشاوس. وكان ضمن الشهداء العقيد عبد القادر العلام. كما أصدرت الحكومة السورية عُملة كتب عليها "التجريدة المغربية"".

لم يتوانَ التونسيون عن المشاركة على الجبهتين السورية والمصرية. ويفتخر السماوي بأن بلده كان لها شرف المشاركة في معركة الشرف، اذ أرسلت تونس وفداً طبياً إلى دمشق برئاسة الدكتور سعيد المستيري وكانت البعثة التونسية أول بعثة طبية تصل إلى دمشق وذلك يوم 8 أكتوبر 1973 في حين وصلت أخرى يوم 17 أكتوبر 1973 واستقرت البعثتان بمستشفى "المجتهد" وهو من أكبر المستشفيات السورية.

كان التعاون بين الأطباء التونسيين والأطباء السوريين كبيراً. وتم منذ الأيام الأولى إرسال 70 قارورة دم إلى دمشق عن طريق الجو. ووقع توجيه دفعة أولى تقدر بتسعة أطنان من الملابس والأدوية والمواد الغذائية وكمية من الدم إلى بيروت سلمت إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد انتهاء مهامهم عاد الأطباء التونسيون ونقلوا قصص بطولات الجيوش العربية.

في شهادته "حدث عام 1973"، يروي ناجي الزعبي جزءا من حكاية الأيام التي قضاها كمقاتل على الجبهة السورية، ويبدأ: "أقلتني سيارة عسكرية من نوع "روفر شاصي قصير"، حيث انطلقنا لاجتياز الحدود الأردنية السورية إلى الجولان، حيث كنت في مهمة عسكرية تمهد لدخول قطعات عسكرية أردنية وعربية للمشاركة في القتال ضد العدو الصهيوني الى جانب القوات السورية". ويتابع: "منذ أن أبلغت بالمهمة من قبل قيادة الفرقة الثالثة التي شاركت بالمعركة، انتابتني المشاعر الجياشة. لقد كانت تلك تجربتي الأولى للمشاركة في معركة حقيقية ومهمة دقيقة بهذا المستوى".

خلال وصفه رحلة اجتياز الحدود والتي اختصرت الإجراءات فيها بفتح الحاجز وأداء التحية فقط، يقول: "كان استقبالنا الدافئ على الحدود  تجسيداً لوحدة المصير والدم والعدو الصهيوني المشترك. ورغم تواضع رتبتي وسني آنذاك إلا أنّ ردة فعل رجال الحدود السورية عند مرور سيارتي العسكرية بعثت  في نفسي الاعتزاز والفخر".

 ولكن من أهم ما أكد عليه الزعبي خلال روايته هو السرية التي تميز بها أهل جنوب سوريا ورفضهم كشف مواقع الجيش السوري حتى لرفاق السلاح. ولفت إلى أنّه وبينما الطائرات في السماء كان هناك رجال ونساء يعملون في تزفيت بعض الطرقات، ويعلق قائلاً: "هذا يحدث فقط في سوريا".

ولكن لا يغيب عن بال كلّ من السماوي والزعبي خلال رواية التفاصيل على الجبهة السورية، إرسال التحية إلى أرواح الشهداء الذين سقطوا. يقول الزعبي: "خضنا المعركة معاً، بعد أن التحقت القطعات بالجبهه. كنا سوريين، وسعوديين، وكويتيين، وفلسطينين، وعراقيين، واردنيين، ومغاربة". ويتابع: "في 1 /1 /1974، غادرنا سوريا بعد نهاية المعركه بعد أن أودعنا دم الشهداء ذمة المجد، محملين بذكريات المعركه وصداقات وعلاقات بالغة الروعه كل الى وطنه". وهنا نستحضر كلمات الشاعر محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

يعبر السماوي عن المشاعر المتضاربة في خلجاته والتي تتقاطع مع من عاشوا الحلم في معركة السادس من تشرين التحريرية على الجبهتين السورية والمصرية وبقيادة كل من سوريا ومصر ويتابع: "وشتان ما بين القادتين، فالأولى قاتلت حتى انتزعت القرار الأممي بتحرير القنيطرة بالسلاح، ودون أي تنازلات سياسية، والثانية خانت رفاق السلاح على الجبهتين، وتراجعت وذهبت نحو اتفاق تنازل باسم السلام وتخلت عن السلاح، وحتى اليوم لم نعرف حقيقة ما الذي كسبته مصر في السياسة والاقتصاد من اتفاق كامب ديفيد".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل