طوفان الأقصى

خاص العهد

 المس باحتياطي الذهب ممنوع لهذه الأسباب
06/10/2020

 المس باحتياطي الذهب ممنوع لهذه الأسباب

فاطمة سلامة

كلما أتى يوم جديد، كلما حاصرت الأزمة لبنان وضيّقت الخناق عليه. ربما واقع هذا الكلام على الأرض يتخطى بأشواط ما يمكن التعبير عنه. ولا مبالغة في القول إنّه اذا أردنا تعداد أزمات لبنان قد لا نتمكّن من إحصائها. الدولة تبدو شبه عاجزة عن إيجاد الحلول. المطلوب منها الكثير، رغم أنّ ثمّة ظروفًا خارجة عن إرادتها. الحصار الأميركي والعدوان الاقتصادي الذي تعرّضت له قد يكون أكبر من طاقة الدول على التحمل. تدهور القطاع المصرفي وفقدان الثقة به جعلا السوق مفتوحة على الكثير من الاحتمالات. السياسة النقدية "العرجاء" لمصرف لبنان والتعاميم الأخيرة فاقمت الأزمات وزادتها. وبموازاة هذا الواقع المأساوي، طرحت العديد من المخارج من قبل اقتصاديين وماليين وغيرهم، كما طرحت خطط اقتصادية ترفع لها القبعة دون وضع الحلول على سكّة التنفيذ حتى الساعة. 

اليوم، يطرح البعض التصرف باحتياطي الذهب كمخرج للأزمة. الطرح تقدّم به نائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد البعاصيري. ورغم أنّه يُقال في الذهب إنّه "ثروة في اليد"، تخوّل صاحبها استخدامها في أيام الشدة لفك عقدته، إلا أنّ هذا الأمر يبدو غير منطبق على وضع الدولة اللبنانية لاعتبارات عديدة منها قانونية، ومنها ما يتصل بإمكانية استخدام هذا الاحتياطي خاصة أنّه مركون بمعظمه في الخزائن الأميركية. تجربة دول عديدة في هذا الصدد حيّة -بينها ألمانيا وهولندا وتركيا- حيث لم تتمكن من استعادة ذهبها من واشنطن، ما يطرح السؤال عن إمكانية السماح للبنان المحاصر أصلاً أميركياً من استخدام ذهبه لحل أزمته. كما يطرح السؤال عن أثمان هذا الاسترجاع، وتداعيات التصرف أصلاً باحتياطي الذهب. فما فلسفة وجود احتياطي الذهب؟ وهل يبدو طرح التصرف به منطقياً وواقعياً؟ وماذا يقول القانون عن هذه القضية؟. 

ناصر الدين: لبنان يمتلك من الذهب 9 ملايين و200 ألف أونصة أي نحو 18 مليار دولار 

الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصر الدين يلفت بدايةً الى أنّ لبنان وبحسب كلام صادر سابقاً عن المصرف المركزي يمتلك ما قيمته 15 مليار دولار كاحتياطي ذهب، من دون معرفة ما إذا كانت هذه القيمة وفقاً للتقييم الجديد أم القديم، فسعر الذهب ارتفع في الأصل، ولبنان يمتلك 9 ملايين و200 ألف أونصة. هذه الكمية اذا ما تم احتسابها على السعر الجديد للذهب، ستتخطى قيمة الاحتياطي الـ18 مليار دولار.

 

 المس باحتياطي الذهب ممنوع لهذه الأسباب
 
 

الأصوات التي تنادي باستعمال الذهب هي أصوات قريبة جداً من الفلك الأميركي

إلا أنّ النقطة الأهم من كمية الذهب -برأي ناصر الدين- هي تزامن الحديث عن رفع الدعم وتحرير سعر الصرف أو التصرف باحتياطي الذهب. وفق ناصرالدين، فإنّ الأصوات التي تنادي باستعمال الذهب هي أصوات قريبة جداً من الفلك الأميركي، ما يثير الغرابة في الحديث حول هذا الموضوع رغم المعرفة المسبقة لدى الجميع أنه لا يمكن استعمال الذهب لعدة أسباب على رأسها القانونية بحيث يحتاج هذا الأمر الى تصديق المجلس النيابي وهذا ما لا يمكن الحصول عليه في لبنان. ومن محاذير هذا الأمر -بحسب ناصر الدين- احتمال رفع دعاوى على لبنان مقابل الحصول على ذهب بعد توقف لبنان عن سداد السندات، ما يحتّم علينا حماية الذهب لا التفريط به. نقطة أخرى يدلّل عليها ناصر الدين تتعلق بفلسفة وجود الذهب وهي حماية العملة الوطنية وهو الأمر الذي لم يحصل. وعليه،  لم يحسن لبنان الاستفادة من الذهب الذي يحتاج الى تخطيط مسبق.  

الحديث عن استخدام الذهب ليس بريئاً بل له أبعاد سياسية 

ويستغرب ناصر الدين طرح البعض استعمال الذهب، بينما لبنان لا يزال يمتلك أكثر من 17 مليار دولار كاحتياطي من العملات الأجنبية، مع الإشارة الى أنّ سوء إدارة المحفظة المالية أوصلتنا الى مكان تثار بموجبه التساؤلات: هل هناك عين للولايات المتحدة الأميركية على الذهب اللبناني؟ هل المطلوب تطييع لبنان من أجل أن يقدّم تنازلات كاملة بكل الملفات بدءاً من الحدود البحرية وصولاً الى الداخل اللبناني وربطها بما يحصل اليوم من انهيار بسعر صرف العملة؟. وفق قناعاته، فإنّ الحديث عن استخدام الذهب اليوم ليس بريئاً بل له أبعاد سياسية لتطييع لبنان والضغط عليه والقول أن لا مجال أمام لبنان إلا التصرف بهذا الاحتياطي من الذهب. هذه الخطوة مقدّمة للدفع لاحقاً نحو بيع أملاك الدولة كي لا يبقى شيء من الممتلكات للبنان. اذا ما جرى التصرف بالذهب وبيع أملاك الدولة وتم الخضوع لصندوق النقد الدولي دون الاستفادة من الثروة الغازية الموجودة في لبنان لن يبقى للوطن شيء. 

احتياطي الغاز أهم من الذهب 

ويعرب ناصر الدين عن أسفه كيف يثار الحديث عن هذا الأمر كمخرج بدل أن نستفيد مما هو أهم من الذهب ونطلب من شركة "توتال" البدء بالاستكشاف في البلوك رقم "9" مع ما يعنيه هذا الأمر من انعكاسات إيجابية نظراً لوجود ثروة غازية داخل هذا البلوك. ماذا يعني ذلك؟ يعني وفق ناصر الدين جملة حسنات منها:

- الإعلان عن وجود احتياطي غاز في لبنان سيرفع تصنيفه تلقائياً 

-ارتفاع قيمة السندات من مليار دولار الى 7 مليارات دولار 

-هبوط سعر صرف الدولار في السوق السوداء حوالى 50 بالمئة مرةً واحدة 

-إعادة ثقة الشركات تدريجياً بالداخل اللبناني وبدء عودة الشركات للاستثمار والتحضير لمرحلة استخراج النفط والغاز

وعليه، يمتلك لبنان ملفاً أهم من الذهب، لكن المطلوب وفق ما يرسم البعض للبنان هو تقديم تنازلات، بحيث نتصرف بالذهب اليوم، وغدا بأملاك الدولة، وبعد غد نلتزم بشروط صندوق النقد الدولي، ومن ثم يتم رهن البحر ونتوجه الى مزيد من الاستدانة. يؤكّد ناصر الدين أن لبنان يمتلك أوراق قوة مهمة ترتبط بالغاز والمرافئ وموقعه الجغرافي وإعادة إعمار سوريا وتنويع الخيارات. كل هذه المقومات أهم من اللعب بالذهب. الأخير ممنوع اللعب به خاصة في ظل عدم إقرار قانون استقلالية القضاء، وعدم وجود سياسة اقتصادية متفق عليها، وغياب رؤية اقتصادية، والعجز عن استرجاع الأموال التي هربت، وعدم التغيير بالسياسة المالية والأشخاص الذين أوصلونا الى كل هذه الأزمات، فهل المطلوب تسليم هؤلاء الأشخاص الذهب ليتصرفوا به؟ يسأل ناصر الدين الذي يوضح أن أولئك تصرفوا بـ61 مليار دولار من ودائع الناس ويوهموننا اليوم بأنه لا يمكننا استعمال الاحتياطي الموجود. من قال إنه لا يمكننا استعمال الاحتياطي؟ ومن أوعز برفع الدعم؟ بحسب ناصر الدين فإن قرار رفع الدعم لا يمكن لأحد أي كان اتخاذه باستثناء الحكومة. هذا القرار لا تتفرّد به السياسة النقدية. 

أكثر من ذلك، يشير ناصر الدين الى أن قانون النقد والتسليف ينص على أن الاحتياطي الالزامي يحتسب وفقاً لليرة اللبنانية وليس الدولار، وبالتالي فالدولار الموجود هو فقط للحفاظ على ما تبقى من ثقة ما يحتّم علينا استعماله بالطريقة الصحيحة.

الكيك: القانون يمنع منعاً مطلقاً التصرّف بالموجودات الذهبية إلا..

الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك تقارب مسألة التصرف باحتياطي الذهب من الناحية القانونية، فتؤكّد في حديث لموقعنا أنه "وبحسب قانون 19 آب 1986 يمنع منعاً مطلقاً التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان مهما كانت طبيعة هذا التصرّف وماهيته سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة إلّا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب".

 

 المس باحتياطي الذهب ممنوع لهذه الأسباب

الذهب أهم موجودات مصرف لبنان
 
وخلال تناولها لأهمية احتياطي الذهب، تشدّد الكيك على أنه يشكّل جزءاً من موجودات مصرف لبنان الخارجية التي تدخل في احتساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية لديه، حيث سّجل هذا الاحتياطي تراجعاً سنوياً نسبته 8٫3% لغاية أيار 2020 أي ما مقداره أكثر من 3 مليارات دولار أميركي. وبالتالي فالذهب يعتبر ضمانةً في احتياطات مصرف لبنان لاحتساب موجوداته الخارجية وأي مسّ به سترتد انعكاساته السلبية على ما تبقى من قدرة ائتمانية للمصرف المركزي، الذي يقع أصلاً في حالة عجز مالي قدرته شركة "لازارد" بمليارات الدولارات.

وبحسب الكيك، وبناء على أرقام مصرف لبنان الصادرة في أيار 2020، وبحسب تقديرات الذهب نسبة إلى أسعار السوق العالمي، بلغت قيمته 15٫915٫5 مليار دولار، وهي بحسب المتحدّثة تعادل بثباتها وضمانتها أهم موجودات مصرف لبنان.

مصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد