يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

من يشهر سيف التقسيم؟
05/10/2020

من يشهر سيف التقسيم؟

ايهاب زكي

ماذا لو لم تكن سُنّة التاريخ التدافع، ولم تُخلق"إسرائيل"، هل سيكون التفاوض اللبناني - الفلسطيني على الحدود شائكاً ومعقداً على هذا النحو؟ وفي حال حدوث اتفاق عبر الوسطاء وترسيم الحدود، وعلى ذات السُنة التاريخية، بعد زوال الكيان الصهيوني، هل ستبقى هذه الاتفاقية سارية المفعول، باعتبارها مرجعاً ووثيقة تاريخية للاحتكام بين بلدين عربيين شقيقين؟

الإجابة بالقطع لا، حيث إن اختلاق"إسرائيل" تطلب سكيناً استعمارياً لتمزيق الجغرافيا، وعليه فالنتيجة المنطقية لزوال السبب والمسبب، هي إزالة الآثار والتئام الجغرافيا سيرتها الأولى، وبالتالي لما كان هناك من حاجةٍ لتفاوضٍ من الأصل حيث لا خلاف، فالأرض أرضنا والبحر بحرنا والثروة خالصة لنا كأمةٍ توحدها الهوية واللسان والمصير. وانطلاقاً من هذه الفرضية فإنّ المفاوض اللبناني يفاوض نيابة عن الجميع لا عن لبنان فقط، وإن كان في الشكل القانوني-المؤقت لحين زوال الكيان- يفاوض باسم دولته حصراً، ولكن في المضمون التاريخي والمستقبلي يُرجى أن تبقى هذه القاعدة حاضرة في ذهنه، ومن خلال هذه التوطئة التي رأيتها ضرورة ملحة قبل الولوج لإشكالية التفاوض أولاً، ولسماجة اتهام حزب الله بالسعي أو الرضوخ للتطبيع مع العدو.

أشدّ ما أمقته هو الانصياع مختاراً إلى قفص الاتهام، ثم البدء باجتراح الدفوعات والمرافعات، رغم أنّ حزب الله لم يصدر أيّ بيان أو تعليق على هذه الاتهامات التي أقل ما يُقال عنها إنّها سمجة، وهي تشبه أن يقوم يهوذا الإسخريوطي باتهام السيد المسيح بالتفريط برسالة السماء أو خيانتها، ثم يندفع المؤمنون للدفاع عن السيد المسيح لتبرئته من تهمة التفريط والخيانة. فمحاولات تبرئة المقاومة من هذه التهمة هي خطأ فادح لا يوازيه إلّا سماجة اتهامه، ويهوذات النفط يسعون لإيقاع المقاومة وجمهورها في هذا الفخ، حيث تتساوى الرؤوس، وتصبح خيانات النفط أفضل، حيث إنّها على الأقل سياسة معلنة، فيما تطبيع المقاومة سياسة خفية، وتستهدف الاحتفاظ بسلاحها لصالح مشروع "الهيمنة الإيراني"، بينما الحقيقة والواقع والوقائع، تعطي مشهداً عكسياً تماماً، حيث تجلس المقاومة على منصة القضاء، والبقية في أقفاص الاتهام، خصوصاً أولئك الذين يوجهون لها أصابع الاتهام، وهي وحدها من يحق لها توزيع صكوك البراءة ولوائح الاتهام بل وأحكام الإدانة أيضاً.

قد لا تكون العودة لتاريخ المخاضات الفاشلة مجدية في استشراف الحاضر والمستقبل، لكنها في الحالة الأمريكية تجاه لبنان لا يكون سواها مجدياً، حيث إنّ إفلاس الدول يجبرها على العودة إلى الدفاتر القديمة، ففكرة تقسيم لبنان لم تبارح العقل الانعزالي محلياً، كما أنّها خيار وارد في العقلية الأمريكية و"الإسرائيلية"، ففي العام 2005 نشرت جريدة الوطن السعودية تقريراً خاصاً عن "اتصالاتٍ جرت بين بعض اللبنانيين ومسؤوليين أمريكيين و"إسرائيليين"، للضغط على سوريا بغية الانسحاب من لبنان، ويقدمون خرائط للتقسيم، كما أنّهم يدفعون الإدارة الأمريكية باتجاه فرض توطين الفلسطينيين على لبنان، وحينها يصبح التقسيم مبّرَراً بحجة الخلل الديمغرافي" انتهى الاقتباس. وفي العام 2016 اعتبرت السعودية على لسان ثامر السبهان، "أنّ وجود حزب الله في الحكومة اللبنانية يعني أنّها حكومة حرب ضد المملكة". إذاً نحن نشهد اليوم موجة تطبيعية عارمة عنوانها ما يسمى بـ"صفقة القرن"، والتي تتسق مع أفكار الانعزاليين المذكورة آنفاً لناحية التوطين، مع رغبةٍ "إسرائيلية" بإشغال حزب الله داخلياً، وحرب سعودية معلنة على لبنان لأهدافٍ أمريكية "إسرائيلية"، وليس مستبعداً أن تكون الحكومة التي حاول نادي رؤساء الحكومة الأربعة تمريرها وقال السيد نصر الله بعدم السماح "بإعادة إنتاج حكومة 5 أيار"، ليس مستبعداً أنّها كانت ستمرر قرارات تتوافق مع هذه المخططات بما يؤدي لصدامٍ داخلي، والتصدّي لها هو لتجنب الصدام.

رغم أنّ موازين القوى انقلبت انقلاباً جذرياً منذ العام 2005 حتى اليوم، إلّا أنّ هذا لا يعني استسلام أمريكي أو مهادنة "إسرائيلية" مع هذا الواقع، وإنّ عجز القوة الخشنة عن النيل من قوة المقاومة، لا يعني الزهد في القوة الناعمة، التي تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بالإعلام، حيث سيوفر النفط الكثير والطويل من الطوابير لخدمة المشروع الصهيوني، عبر بث الأكاذيب والشائعات كما دَيدَنه، وسنجد مثلاً في حال ردّ حزب الله وقتلِ جنديٍّ "إسرائيلي"، أنّ أوّل من سيهاجمه ويدينه هم أولئك الذين يتهمونه بالتطبيع وتضييع الأمانة، وأنّه يحتكر قرار الحرب والسلم ويُصادر الدولة، وخصوصاً إذا أعقب عملية الحزب اشتباكٌ لبعض الوقت أو بعض الأيام كما يتوعد العدو، وقد يكون هذا الحدث منصةً سائغة لاعتباره ساعة صفر للبدء بإظهار فكرة التقسيم. وكنتُ قد قلت قبل شهور إنّه في لبنان لو أعلن كل ثلاثة مسلحين جمهورية مستقلة، فلن يؤثر هذا في خطر الحزب على "إسرائيل"، وهي حتماً تدرك ذلك، ولكن السؤال الذي يبحث عن إجابة، هل التقسيم يخدم المصالح الأمريكية ويهدئ من روع العقل "الإسرائيلي"، خصوصاً أنّه في جانبٍ ما قد يكون تخففاً للحزب من ضغوطٍ محلية، تَغلُّ يديه لناحية الصراع العربي"الإسرائيلي"، وبينما أنّ عقيدة الحزب لبنان وطن واحد ونهائي، أمّ أنّ سيف التقسيم سيُشهر من باب الضغط على الحزب وتهديده مع حلفائه بالتوطين وتحريك الأحقاد المحلية، لدفع خشية الحزب من صدامٍ داخلي للدرجة القصوى ما يجعله أكثر ليونة في ملفات الصراع متعدد الساحات؟ 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف