طوفان الأقصى

خاص العهد

لهذه الأسباب يريدون حزب الله خارج الحكومة
28/09/2020

لهذه الأسباب يريدون حزب الله خارج الحكومة

فاطمة سلامة

لماذا يريدون حكومة بلا حزب الله؟ أو لماذا يريدون حزب الله خارج الحكومة؟ سؤال بات من الملح طرحه رغم أنّ حقيقته ليست بجديدة؛ فبعض الجهات وعلى رأسها واشنطن اجتهدت منذ سنوات لإبعاد حزب الله عن المشهد السياسي وإن لم تضع كل ثقلها في هذا المجال. لكن اليوم ما هو  جديد يتمثّل في المجاهرة المستمرة بهذا الأمر، والعمل الدؤوب على تحقيقه. الدلائل على هذا الواقع كثيرة، فبالإضافة الى التصريحات التي نطق بها مسؤولون أميركيون ومعهم سعوديون ومن يلف لفهم بـ"عظمة لسانهم"، دُفعت الكثير من الأموال لتشويه صورة حزب الله وتقليب الرأي العام ضده تمهيداً لإلغائه شعبياً وسياسياً. تلك الأمنية تبدو أقرب الى أضغاث أحلام، ورغم ذلك "يقتل" هؤلاء أنفسهم في سبيل تحقيقها لأسباب باتت معروفة على رأسها "الأمن القومي الإسرائيلي" مع ما تحمله هذه العبارة من وقائع وحقائق ثابتة. 

واللافت أنّ أولئك العاملين على خط إبعاد حزب الله عن المشهد السياسي، فتشوا كثيراً وملياً في سجلات الحزب طيلة فترة وجوده في الحكم، فلم يعثروا على حرف أو رقم يستخدمونه كشماعة ضده من قبيل ملفات فساد أو ما شابه، رغم أنّ واشنطن وأدواتها غذوا الفساد في لبنان، ولا داعيَ للحديث عن تفاصيل هذا الملف. لا بل إنّ إطلالة سريعة على مسيرة حزب الله السياسية تبيّن الزهد الذي تحلى به هذا الحزب طيلة سنوات العمل السياسي والتي لم يتشبّث بها بحصة هنا أو حقيبة هناك. تماماً كما تبيّن الهدف الأساس من وراء هذا الانخراط والذي تجلى بحماية رأس المقاومة، وتبيّن نظافة الكف التي تحلى بها نواب ووزراء حزب الله والذين لطالما كانوا صوت الناس في البرلمان والحكومة. وهذا ما يُفسّر نتائج الانتخابات النيابية والثقل الشعبي المؤيد للمقاومة فيها. 

الشرعية السياسية تُفشل كل محاولات وضع حزب الله على لوائح الإرهاب 

لدى سؤاله عن الأسباب التي تخشى منها واشنطن وجود حزب الله في قلب السلطة التنفيذية، يتحدّث الكاتب والمحلل السياسي د. وسيم بزي بكثير من التبسيط، فالمسألة بنظره لها وجهان؛ أول يتعلّق بالإطار العملي، وآخر بالرمزية. يتمثل الوجه الأول بالشرعية المكتسبة جراء الدخول الى البرلمان والحكومة والتحالف مع رئيس الجمهورية ما يعطى حزب الله حضوراً وتأثيراً يزيد عن تأثير السلاح في اللعبة الداخلية. وفق بزي، لا أحد بإمكانه الإدعاء أن حزب الله قوي بسلاحه الموجود على الطاولة. برأيه، حزب الله قوي لأنّه حاضر في البرلمان والحكومة ومتحالف مع رئيس الجمهورية، وعليه فإنّ قوة حزب الله الفعلية من داخل المؤسسات وليست من السلاح، وهذا ينفي أن السلاح هو سبب القوة، طبعاً بعيداً عن الخلفية والاستراتيجيا، يضيف بزي.

 

لهذه الأسباب يريدون حزب الله خارج الحكومة

أما الوجه المتعلّق بالرمزية فيعلّله بزي بالتالي: "طالما أنّ حزب الله مكتسب هذه الشرعية، فكل محاولات وضعه على لوائح الارهاب وعزله تثبت فشلها، لذلك، فإنّ تمسك حزب الله بالبقاء في الحكومة هو عنصر حيوي جداً في لعبة التحدي والكباش مع الولايات المتحدة والغرب وللحفاظ على رأس المقاومة". 

أميركا تعتبر حزب الله نقطة الثقل الأساسية الوازنة بمحور المقاومة 

وفي سياق حديثه عن أسباب السعي الأميركي لإبعاد حزب الله عن المشاركة في الحكم، يذهب بزي الى ما هو أبعد، فيوضح أننا نعيش في لحظة مصيرية من تاريخ المنطقة. لحظة 3 تشرين الثاني الآتي موعد الانتخابات الأميركية. فالولايات المتحدة المتغطرسة في زمن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي لجأت الى سياسات الحصار والعقوبات وإرهاب الدولة عبر اغتيال مبعوث لدولة على أرض ذات سيادة -أعني الجنرال الشهيد قاسم سليماني- لم تبق وسيلة لم تستخدمها لتظهير نفسها على أنها دولة "كاوبوي" ودولة "موز" تدعي أنها تقود العالم. وفق بزي، في 3 تشرين الثاني هناك امتحان لهذه السياسات فإما أن يعاد ترسيخها، أو تذهب الى غير رجعة، أو ستدخل أميركا بالمجهول. 

وبناء عليه، تحاول الولايات المتحدة أن تلعب في اللحظة الأخيرة بكل ساحات المواجهة. في اليمن، تصطدم واشنطن بمعركة مأرب التي -إن حصلت- ستقلب موازين القوى. وفي العراق، هدّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإقفال السفارة الأميركية بالشراكة مع الدول الأوروبية للذهاب نحو ضرب قوى المقاومة العراقية وعلى رأسها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق. وفي سوريا، لا تزال واشنطن تمارس دورها كقوة احتلال. أما في لبنان -وهنا أصل الحكاية- فتعتبر أميركا أن نقطة الثقل الأساسية الوازنة بقوة محور المقاومة هي حزب الله، حيث تنظر اليه على أنه يمثل رافعة القوة لهذا المحور ونقطة الثقل المركزي التي أثرت في كافة الساحات والتي غيّرت بموازين القوى. وهي في هذا السياق، استهلكت كل وسائل الضغط عليه والتي وصلت للحدود القصوى منذ عام 2016 حتى اليوم من عقوبات الى سياسات تجويع وحصار وحرب أمنية هجينة، فضلاَ عن الصراع مع العدو "الإسرائيلي". بحسب بزي استنفدت واشنطن كل الوسائل ولم تصل الى نتيجة. ولعل التعبير الحاسم عن هذه الحقيقة أتى على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل في الكونغرس قبل أيام حول العشرة مليارات دولار التي صرفت ضمن استراتيجية مواجهة حزب الله. بتقدير بزي، هذا الكلام هو الترجمة الفعلية أن الولايات المتحدة ضاقت ذرعاً بهذه المواجهة.

حالة استعصاء تواجه الأميركيين و"الاسرائيليين" والسعوديين بمواجهة حزب الله

ولو جمعنا تصريحات بومبيو -وهو الرجل الأكثر تحريضاً وخطورة في ولاية ترامب- منذ ستة أشهر الى الآن -والكلام لبزي- لوجدنا أن الصين وحزب الله كانا أكثر اسمين ترداداً على لسانه كخصمين لأميركا. الصين بما تمثله من قوة اقتصادية، وحزب الله الموجود في بلد صغير يدعى لبنان. هذا دليل على  الوقع المؤثر الذي يمتلكه حزب الله في وجه السياسة الأميركية بالمنطقة، تماماً كما أنه أكبر دليل على أي حالة استعصاء تواجه الأميركيين و"الاسرائيليين" والسعوديين بمواجهة هذا الحزب وقوته والتي دفعت بملك كسلمان بن عبد العزيز الى الحديث من على أعلى منبر في العالم (الأمم المتحدة) عن حزب الله. بحسب  قراءة بزي فإنّ المعركة الفعلية هي معركة موازين قوى، وهذا اللبنان يتم تهديده بالانهيار الكبير، لكنهم -وفق قناعة بزي- لن يتركوه ينهار. لماذا؟ لأن تشظي لبنان سيكون له جملة نتائج: 

1- إما أن ينجح حزب الله بتحويل التهديد الى فرصة.
2- إما أن يتكرر سيناريو البواخر التي كانت تتجه من تركيا الى اليونان ونراها من لبنان الى أوروبا
3- إما أن تصبح "اليونيفيل" ومشاريع الغرب في لبنان كلها بخطر، فالمصالح الحقيقية في لبنان ليست لحزب الله بل لحلفاء أميركا في لبنان
4- الخطر على كيان العدو في الجنوب. 

المبادرة الفرنسية..ماكرون الوجه "الممكيج" للسياسة الأميركية

ويتطرّق المحلل السياسي الى المبادرة الفرنسية والتي لم تخرج في سياق سيرها عن منحى السعي الحثيث لتحجيم مشاركة حزب الله داخل الحكومة، لا بل إلغائها. ويوضح بزي أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح مبادرته في لبنان ونحن لسنا واهمين بأنّه الوجه "الممكيج" للسياسة الأميركية. أتى لملء الفراغ الأميركي في لحظة الانشغال بالانتخابات الأميركية. لذلك، فإنّ مسألة وجود حزب الله داخل الحكومة هي عنوان استراتيجي للصراع حالياً. وهنا ينوّه بزي الى أنّ المبادرة الفرنسية بدأت بشكل إيجابي منفتح موجود بمنطقة وسط قادرة على مخاطبة الجميع، واستخدمت مصطلحات مرغّبة بدايةً كحكومة الوحدة الوطنية، وقد أتى اللقاء الأول بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وماكرون تسجيلا لهذه الحيوية الفرنسية المرنة شكلا ومضمونا. لكن مع الوقت -يقول بزي- كنا نلاحظ أنه كلما طرأ عنوان سياسي يتم تجويفه بعد أيام من مضمونه وتتحول حكومة الوحدة الوطنية الى حكومة محايدة والى خطأ في الترجمة والتعبير. وفي الزيارة الثانية لماكرون أصبحنا أمام مصطلح جديد عنوانه "حكومة المهمة"، ورغم ذلك ظل حزب الله يتعاطى بذكاء وأبقى اليد ممدوة مع حذر لسببين بتقديري: أول لأن حزب الله لا يريد من اللحظة الأولى أن يظهر بمظهر المعرقل أو قاطع الطريق سواء أمام الرأي العام أو فرنسا، وثان لرصد المكان الذي سيصل اليه مضمون المبادرة. 

حزب الله تعاطى مع المبادرة بذكاء وحذر 

ويشير بزي الى أنّ حزب الله كان يتخذ القرار ضمناً بأن يتعاطى مع هذه المبادرة وفقاً لمبدأ "القطعة" وهذا ما دفع بالنائب رعد الى القول لماكرون: "نحن موافقون على 90 بالمئة من الاصلاحات ولدينا تحفظ على 10 بالمئة". كما أبلغه عدم موافقة الحزب على الانتخابات النيابية المبكرة، وتحفظه على ما يسمى بحكومة اختصاصيين مع تفضيل حكومة اختصاصيين مطعمة. وفق بزي، هذه هي الأدبيات التي تم التعاطي فيها مع مرحلة الـ26 يوماً. واذا أردنا قراءة كتاب مصطفى أديب والظروف التي أوصلتنا الى هنا، يتبين لنا أنه ومنذ لحظة العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس تبين أن أجندة المبادرة لها خلفيات غير ظاهرة تدفع بالأمور الى أماكن غير متفق عليها، لذلك فإن اللقاء بين مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي والسفير الفرنسي برونو فوشيه كان لقاء المكاشفة. 

إصرار ثنائي حزب الله وحركة أمل على المالية وحق تسمية الوزراء برز بعد قراءة المعطى الحقيقي للتحول بالخيارات

ويذكّر بزي بأنّ الايجابيات التي برزت في المبادرة الفرنسية تعاطى معها حزب الله بكثير من الذكاء والحكمة لتظهير كل مضمونها. لكن الريبة بدأت تظهر بطريقة تعاطي أديب مع الكتل، وتجاوزه الدستور الذي يملي عليه مشاورتهم. لذلك، عندما ذهبنا الى ما يسمى بحكومة اختصاصيين وأتى قرار العقوبات على خليل وفنيانوس كنا أمام احتمالين؛ إما أن يكون الأميركي قد عرقل المبادرة الفرنسية دون تنسيق مع أصحابها، وإما أن تكون واشنطن قد رمت قنبلة كبيرة في المياة الراكدة بشطارة. ومن هنا، تغيرت طريقة تعاطي ثنائي حزب الله وحركة أمل وأصبح الاصرار على أمرين؛ وزراة المالية، وحق تسمية الوزاراء. هذان الشرطان يراد من خلالهما تظهير الموقف بعد قراءة المعطى الحقيقي للتحول بالخيارات.

تعويم الحريري ضرب المبادرة الفرنسية

ويعتبر بزي أنّ التدرج بتظهير الموقف الفرنسي والتراجع عن المساحة المرنة التي قدّمت فيها باريس نفسها تزامن مع الدور الذي أداه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بالذات ورؤساء الحكومات السابقين كساتر له، ما فضح الخلل الكبير بطريقة التعاطي الفرنسية التي وضعت شرطا على كل القوى السياسية بعدم التدخل لدى الرئيس المكلف باستثناء الحريري الذي كان له الحق في التدخل في معادلة فظة وفجة وخطيرة ضربت أساس التفاهم السياسي على ما سمي بمبادرة ماكرون. 

بالإضافة الى ما سبق، يعتبر المحلل السياسي أنّ مشكلة ماكرون الثانية تكمن في أن الفرنسيين قدموا خطة فرنسية محورها الأساسي معالجة الوضع الاقتصادي والمالي أو ما سمي بخطة إنقاذ لكنها كانت قاصرة عن وضع الإطار السياسي الحامي لهذه المبادرة الاقتصادية، وتبين من خلال وقع الأحداث وسياقها أنه لا يمكن لأي خطة مالية اقتصادية أن تنجح بمعزل عن السياسة، يختم بزي.

إقرأ المزيد في: خاص العهد