طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

الإعلام يجلد الذات الوطنية بسوط الأجنبي‎
28/09/2020

الإعلام يجلد الذات الوطنية بسوط الأجنبي‎

ليلى عماشا

بمرور سريع على نشرات الأخبار المسائية لبعض الإعلام اللبناني، تبيّن أنّها افتُتحت بتهديد اللبنانيين بعصا ماكرون، بعتابهم على التسبّب بخذلان الرئيس الفرنسي "الفرنجي"، ووصل الأمر أحيانًا حدّ التهديد والوعيد والتقريع بلسان ماكرون. علمًا أن معظم الإعلام الغربي غير الرسمي تحدّث بنفَس ساخر عن المؤتمر الصحافي الذي عقده ماكرون في قصر الإليزيه بالأمس وخصّصه للحديث عن تطورات الوضع على الساحة اللبنانية.. بكلام آخر، وجد الخائب في الإعلام اللبناني من يطيّب خاطره ويتعاطى مع "فوقيته" بدونية تامّة، وبتملّق يخفي الكثير من التآمر، أو لنقل بالانبطاح.

من عادة الإعلام الرسمي الغربي تلميع وجوه وسمعة رؤساء بلاده على حساب تدخلهم "البطولي" في حلّ أزمات بلادنا. يصوّرهم لمجتمعاتهم وكأنّهم يتمتّعون بصفات "غرندايزر" البطل القوي الذي لا يقهر، كي يقنع جمهوره بتفوّقهم كمجتمعات وبقدرتهم على حلّ الأمور المستعصية خارج حدودهم، كي تبدو أزماتهم الداخلية سهلة التجاوز.

في موقع "لو موند" الإلكتروني، حاول المحرّر أن ينقل خطاب رئيسه بلغة تقرّبه من الشارع الفرنسي.. تحدّث عن خيبة الحمل الوديع من تصرفات الطبقة السياسية في لبنان وانتقل إلى حديثه عن حزب الله بطريقة تجعل ماكرون بطلًا أمميًا يقارع حزب الله، ويهدّده ويعطيه فرصًا ويقيّمه. فالجمهور الفرنسي المصاب بالإسلاموفوبيا منذ مدة، وبسبب سطوة الدعاية الغربية وحرية تحرّكها على أرضها، ازدادت أعراض هلعه من ظاهرة حزب الله. ولتلميع وجه ماكرون قليلًا، كان لا بد لصحافته أن تصوّره بمظهر البطل العظيم الذي يهدّد حزب الله، أحد أكبر مخاوف المجتمعات الغربية المبرمجة والمنظومة الأكثر تهديدًا لمصالح الغرب الاستعماري. اللافت في تقرير "لو موند" أن الفرنسيين تفاعلوا مع مؤتمر رئيسهم حول لبنان بسخرية بالغة، فتراوحت تعليقاتهم بين تقريعه بسبب تدخله في شؤون الآخرين فيما بلاده تعاني من إحدى أسوأ أزماتها لا سيّما مع انتشار وباء كورونا، إلى تعليقات توقفت عند وصفه تصرّف السياسيين اللبنانيين بالخيانة وتساءلت ان كانت تصرفاته وفريقه السياسي أقلّ خيانة أو أكثر حرصًا على مصلحة فرنسا.

بعيدًا عن السياسة، وعن حيثيّات المبادرة "الفرنسية" التي بشكل أو بآخر هي شأن يخصّ جميع الأطراف في لبنان، يبقى التساؤل الذي يحضرنا جميعًا كمشاهدين: إن كان الإعلام الغربي معنيًّا بتحويل كلّ رئيس "غربي" إلى بطل خارق حين يتعلّق الأمر بالشؤون العربية، ما الذي يدفع الإعلام العربيّ عمومًا واللبناني خصوصًا إلى التخلّي عن أدنى معايير احترام "الذات الوطنية" وإظهار كلّ طرف غربي بمظهر البطل، مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ زمن الجمهور المتلقي والسلبي قد انتهى مع دخول منصات التواصل إلى معترك الإعلام، وصار من السهل متابعة ردود فعل المتلقين وتفاعلهم مع كل حدث أو خبر؟ الإجابة غالبًا معروفة، لكنّ التساؤل يبقى إدانة، بل وصمة على جبين ما يسمّى بحريّة الإعلام ومسؤوليته ودوره المفترض في صناعة الوعي وتشكيله.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف