طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

لماذا جاء الآن تحذير اليونيفل لـ
23/09/2020

لماذا جاء الآن تحذير اليونيفل لـ"إسرائيل"؟

شارل ابي نادر

كان مفاجئا تحذير اليونيفل الأخير لـ"إسرائيل"، بضرورة وقف اختراقاتها للأجواء اللبنانية، بالرغم من أن هذا الفعل هو في صلب مهمتها الأساسية، استنادا لمندرجات القرار 1701، لكنها لم تعتد، ومنذ تكليفها بمهمتها في نهاية آب من العام ٢٠٠٦، أن تعطي اية ملاحظة لـ"إسرائيل"، في جميع حالات اختراق وانتهاك الأخيرة للأجواء والسيادة اللبنانية، بل كانت تكتفي بالتحذير والتصويب والتركيز على الجهة اللبنانية من الحدود، ولم يكن يعنيها ما تقوم به "اسرائيل" من اعتداءات أو من خروقات.
 
من الواضح أن هناك أسبابًا استجدّت ودفعت اليونيفل الى تحذير "اسرائيل" هذه المرة، وذلك عبر رئيس بعثتها في لبنان ستيفانو ديل كول، من خلال الطلب من "إسرائيل" التوقف عن مواصلة اختراق الأجواء اللبنانية عبر طائراتها لما تمثله من انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 وللسيادة اللبنانية، وحيث إنه برر طلبه الأخير هذا الى "اسرائيل" بالتوقف عن التحليق في الأجواء اللبنانية، مخافة أن تؤدي هذه الانتهاكات الى تصعيد التوتر، ويمكن أن يسفر عنها حوادث تهدد اتفاق وقف الأعمال العدائية بين البلدين، فلماذا لم تكن سابقًا بنظرها، اختراقات "اسرائيل" تهدد اتفاق وقف الأعمال العدائية؟ وما هي هذه الأسباب التي قد تكون استجدت مؤخرًا؟

في المرحلة الأخيرة، كان واضحًا أن حزب الله بدأ بتنفيذ قواعد الاشتباك التي وضعها لناحية منع اختراق الأجواء اللبنانية من قبل الطائرات المسيرة الإسرائيلية، وقد بدأت فعلًا تتساقط بعض هذه المسيرات، بعضها من قبل عناصره وبعضها الآخر من قبل عناصر الجيش اللبناني المنتشرة جنوبًا على الحدود مع فلسطين المحتلة.

هذا التغيير الجديد في قواعد الاشتباك، والذي فرضه عمليًا حزب الله، خلق تغييرًا في معطيات المواجهة التي سادت بين لبنان و"إسرائيل" بعد عدوان تموز عام 2006، الأمر الذي لم تكن تشاهده سابقًا اليونيفل، ومن هنا، اعتبرت قيادة الأخيرة أن الموضوع قد يتطور الى ما يشبه الاشتباك، ليصل الى أبعد من إسقاط المسيرات، وذلك للأسباب التالية:

اكتشف الجميع، وضمنا "اسرائيل" طبعًا، أن حزب الله لن يتراجع في السير بمعادلته فيما خص استهداف المسيرات العدوة التي تخترق أجواء لبنان، وكما يبدو إنه، واستنادًا لمسار القواعد والمعادلات التي يضعها عادة، والمتعلقة بالمواجهة ضد "إسرائيل"، لا يتراجع ابدًا، وبالعكس، هو يفعّل اجراءاته أكثر مع الوقت، الأمر الذي - حسب نظرة اليونيفل - سوف يسبب بالتأكيد مواجهة عسكرية، خاصة مع شكوكها التي بدأت تتزايد، استنادًا لمعطيات خاصة بها، أو لمعلومات حصلت عليها من "اسرائيل"، بأن حزب الله قد يكون امتلك مؤخرًا وسائط دفاع جوي فعالة.

أيضًا رأت اليونيفل، أن "اسرائيل" لا تريد ولا تستطيع الاستغناء عن متابعة عملية الرصد والمراقبة للأراضي اللبنانية، كما درجت عليه اجراءاتها منذ زمن بعيد، خاصة في ظل ابتعاد جنودها عن الحدود حاليًا، وانكفاء وحداتها عن الشريط الفاصل مع لبنان، بسبب خوفها من رد حزب الله على استشهاد أحد عناصرها في سوريا، الأمر الذي يفرض عليها تعويض النقص بالمراقبة الأرضية الحدودية، من خلال المراقبة الجوية عبر المسيرات.

من هنا، رأت اليونيفيل، وقيادتها في منظمة الأمم المتحدة طبعًا، أن استمرار "اسرائيل" بتنفيذ عمليات الاختراق للأجواء وللسيادة اللبنانية، اصبح يحمل امكانية كبرى ليتطور الى مواجهة عسكرية، واسعة أو محدودة، الأمر الذي لا تريده للأسباب التالية:

أولًا: بمجرد حصول مواجهة في جنوب لبنان، وعلى خلفية تجاوز "اسرائيل" للسيادة اللبنانية، فإن هذا الأمر يعتبر فشلًا لمهمة اليونيفل.

ثانيًا: رأت أيضًا اليونيفل، أن أية مواجهة تحدث فجأة بين "اسرائيل" ولبنان، (مع الجيش والمقاومة أو مع أحد الطرفين)، فإن ذلك سوف يشكل خطرًا أكيدًا وداهما على وحداتها، كون الأخيرة تنتشر على أغلب الحدود وفي عشرات المواقع المتداخلة، بمواجهة مواقع الوحدات الاسرائيلية، او قرب مواقع الجيش اللبناني أو المقاومة.

ثالثًا: كما يبدو، مطلوب من اليونفيل، من قبل الأميركيين، ومن قبل الإسرائيليين ايضًا، ان تحاول تهدئة الأوضاع قدر الامكان على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، لأنه يتم التحضير لبدء مرحلة تفاوض بين لبنان و"إسرائيل"، (يعمل على الموضوع الاميركيون بشكل حثيث حاليا) حول ترسيم الحدود البحرية والبرية، و"اسرائيل" وواشنطن تفضلان انجاح هذه المحاولة، من خلال تفاوض مباشر، اذا استطاع الاميركيون اقناع لبنان بالقبول بذلك.

لناحية نظرة واشنطن و"اسرائيل" ايضا، فإن نجاح محاولة بدء التفاوض مع لبنان حول ترسيم الحدود، من غير المستبعد أن يحاولا اتباعها بمحاولة فتح تفاوض أوسع، قد تكون من خلاله أعينهم على تطبيع أو ما يشبهه، بالتوازي مع الضغوط الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية الهائلة التي تمارس على لبنان والمقاومة حاليًا.
 
من هنا، وحيث ظهرت مصلحة "اسرائيل" وواشنطن في تهدئة الأوضاع على الحدود مع فلسطين المحتلة، جاء تحذير اليونيفل لـ"اسرائيل" بوقف اختراقاتها للسيادة اللبنانية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل