طوفان الأقصى

خاص العهد

21/09/2020

"كورونا" لبنان..السيناريو الأسوأ قادم؟

فاطمة سلامة

ربما باتت مقاربة قضية فيروس "كورونا" في لبنان معروفة والحديث عنها يشبه بعضه بعضاً لا بل مكرراً. جلنا يعلم حقيقة الأوضاع التي أوصلتنا الى الدرك الأسفل. المعادلة بسيطة: "مزيد من الاستهتار، مزيد من الإصابات". لا يخفى على أحد الحال التي وصلت اليها البلاد بعدما كانت "مضرب مثل" وبعدما رفعت القبّعة للطريقة النموذجية التي تعاطت بها وزارة الصحة مع الوباء المستجد. ولكن للأسف، كل تلك الجهود الجبارة التي بذلت نسفتها الأصوات التي لا تزال ترى في "كورونا" مزحة حتى تقع الواقعة في عقر دارها. لا تزال ترى "كورونا" تلك الكذبة السمجاء التي يحاولون إيهامنا بها. والواقع أنّ البلاد لامست اليوم الخطوط الحمراء لناحية تعاملها مع "كورونا" خصوصاً بعد تخطي عداد الإصابات عتبة الألف حالة أمس الأحد، مع ما يعنيه هذا الرقم من دلالة تشي بأيام سوداء تنتظر لبنان في حال لم يتدارك المواطنون الاوضاع. قدرة المستشفيات الاستيعابية بدأت تنفد وعليه يبدو أنّ السيناريو الأسوأ قادم إلا إذا جوبه بوعي اللبنانيين لخطورة الحال ودقّته. وهو الأمر الذي دفع وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن لرفع توصية للجنة كورونا الحكومية بالإقفال التام لمدة أسبوعين. 

فكيف يمكن توصيف الواقع "الكوروني" في لبنان بعد تخطي الإصابات عتبة الألف؟ هل تدارك الوضع لا زال ممكناً؟ وما المطلوب؟. 

عراجي: دخلنا في مرحلة الانتشار الواسع غير المحدود

رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أننا وبناء على كافة المعطيات الموجودة دخلنا في مرحلة الانتشار الواسع غير المحدود، والسبب الأساسي يكمن في عدم التزام الناس بالتدابير الوقائية، ما أدى الى انتشار الفيروس على كافة الأراضي اللبنانية وبشكل كبير. وفق عراجي، فإنّ ارتفاع عدد الإصابات بالتوازي مع ارتفاع عدد الوفيات يشكلان مؤشراً مقلقاً. هل من إمكانية لإعادة ضبط الوضع؟ برأي عراجي، هناك إمكانية لعودة الأوضاع كما كانت عليه سابقاً شرط التزام الناس بالتدابير الوقائية، بالأمس تخطى عداد الإصابات الألف حالة، ولا شيء يمنع من أن يسجل ألفي حالة طالما الاستهتار مستمر. يكرّر عراجي مطالبته المواطنين الالتزام بالتدابير الوقائية الثلاثة: " ارتداء الكمامة، التباعد الاجتماعي، وتعقيم اليدين" والتي للأسف لم يلتزم بها الناس حتى عندما أقفل البلد، على العكس تراهم يمارسون حياتهم الطبيعية من أعراس ومناسبات، ووفقاً لهذا الواقع، لا يجوز إطلاق التهم جزافا على فلان وعلان، الحق على الناس أيضاً، يضيف عراجي.  

 

"كورونا" لبنان..السيناريو الأسوأ قادم؟

لا أحد منا  بمنأى عن الخطر 

أمام هذا الواقع، يلفت عراجي الى أنّ لجنة الصحة النيابية ستعقد اجتماعاً صباح غد الثلاثاء للبحث في كيفية تدارك الأمر، مع الإشارة الى أنّ كل الاجتماعات والتوصيات تبقى بمثابة كلام فارغ في حال لم تلتزم الناس ولم تقتنع بأصل وجود "كورونا". صحيح ان العقوبات مهمة وعليه يجب فرض الغرامات على عدم مرتدي الكمامات ومقيمي الاعراس وغيرها، ولكن الاتكال يجب أن يكون أيضاً على وعي الناس، اذ لا نستطيع أن نضع عسكرياً وراء كل مواطن، فكل شخص يجب أن يكون خفيراً وينتبه على صحته وصحة أهله ومحبيه. وللأسف اذا بقي الوضع على ما هو عليه قد يتعذّر على الشخص حماية نفسه وسط موجة العدوى المتفشية. بتقدير عراجي، لا أحد منا  بمنأى عن الخطر الذي وصل الى الجسم الطبي وأصابه بشكل كبير مع تخوفنا من الوصول الى مكان لا نجد فيه أماكن شاغرة لمرضى كورونا في المستشفيات.  

 
حلو: ذاهبون الى ما هو أسوأ بكثير

بدوره، يتحدّث مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو بحرقة وأسف. يقول: "مع أنني معروف بالتفاؤل لكن لأول مرة يتسلّل اليأس الى داخلي نتيجة الرقم الذي سجّل أمس الأحد". لدى سؤاله عن دلالة الرقم 1006 الذي سجّله عداد كورونا يقول "بالنسبة لنا ان شاء الله نبقى عند هذا الحد وأن لا تزداد الأعداد بشكل أكبر". لكن على الأرجح وجراء استهتار المواطنين المتزايد فنحن ذاهبون الى ما هو أسوأ بكثير. لسوء الحظ -يقول الحلو- فكل الجهود الجبارة التي بذلت ذهبت سدى وهذا لا يمكن وصفه الا بقلة المسؤولية. برأيه من غير المنطقي أن تذهب حصيلة عمل 7 أشهر بهذه الطريقة، خصوصاً وسط التحذيرات التي أطلقها مرارا وتكرارا وزير الصحة وآخرون بأننا في عين العاصفة وذاهبون باتجاه الكارثة، لكن للأسف فنحن نشاهد الاستهتار يومياً في الاجتماعات والأفراح والأتراح اللبنانية. 

 

"كورونا" لبنان..السيناريو الأسوأ قادم؟

 

قد نصل الى وضع حرج جداً تسود فيه المفاضلة بين مريض وآخر

ويوضح الحلو أنّ خطورة الأوضاع دفعت وزير الصحة الى المطالبة بإقفال البلد لأسبوعين، فأعلن البعض معارضته لهذا الأمر، ما المشكلة في ذلك؟ يسأل الحلو الذي يشدّد على أنه لا يمكن الاستمرار على ما نحن عليه، فقد نصل الى وضع حرج جداً تسود فيه المفاضلة بين مريض وآخر عند أبواب المستشفيات. وهنا، لا ينفي الحلو كمية الضغط الموجودة على المستشفيات الحكومية التي امتلأت بالكامل، اذ تستغرق عملية تأمين سرير لمريض "كورونا" في العناية حوالى الساعتين من الاتصالات، ليصل بنا المطاف في الختام الى انتظار خروج مريض لإدخال آخر. هل نحن في صلب التجربة الإيطالية؟ يجيب الحلو :" ان شاء الله نقف عند تجربة إيطاليا، للأسف، لا يوجد أماكن شاغرة فالأسرة ممتلئة بأكملها وهذا يهدد سلامة المرضى، مع الإشارة الى أنّ لدينا مرضى آخرين كمرضى القلب والسكري وغيرهم وهؤلاء أخطر من "كورونا".

الجسم الطبي متضرر بشكل كبير

وفيما يلفت مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الى أنّ هناك حوالى 15 مستشفى حكومياً تستقبل مرضى "كورونا"، يناشد المستشفيات الخاصة -التي تجاوب بعضها بشكل غير كامل- يناشدها التجاوب وعدم الخوف من مريض "كورونا"، فهو مريض كأي مريض آخر ولكن اذا استهترنا سيتعرّض لمضاعفات تصل به حد الوفاة. والمصيبة اليوم -برأي الحلو- تكمن في أنّ الجسم الطبي متضرر بشكل كبير، وقادمون على موسم شتاء من المتوقع أن تختلط فيه كل أنواع الفيروسات  

ويضيف الحلو :"لا نريد أن نصل الى الكارثة الكبرى. لا نريد أن نصل الى وقت نختار فيه من نضع على جهاز التنفس. هذه جريمة، وعلى الشعب اللبناني جميعا أن يتضامن، فبعض المناطق تمارس حياتها بشكل أكثر من طبيعي وكأنها في كوكب آخر". وللأسف هناك خلية في وزارة الصحة لا تهدأ ولا تعرف النوم ومعها الكثير من الجهات. من المخزي أن يضيع تعبهم بلا جدوى، خصوصاً أن لبنان كان من بين الدول الاولى التي أخذت تنويها من منظمة الصحة العالمية على جهودها بمجابهة كورونا في المرحلة الاولى.
 
وبناء على الوقائع، يشدّد الحلو على ضرورة إقفال البلد لمدة 15 يوماً مع منع الناس من السير في الطريق كي نتمكن من ضبط الأعداد وإنزالها الى عتبة الـ30 والـ40 حالة، لكن لسوء الحظ هناك أشخاص يقولون لغاية اليوم "لا يوجد كورونا". ويكرّر الحلو :"واصلون الى كارثة أكبر والاكيد  أن الاعداد اليومية تتخطى ما هو معروف حالياً، فنحن نجري 8 آلاف الى 9 آلاف فحص يومياً، فماذا لو أجرينا 20 ألفا؟". بتقدير الحلو، قد نصل الى 2500 و3000 حالة يومياً، وهنا يناشد الحلو عبر موقعنا الناس ضرورة التفكير بمن حولها جيداً وبصحتهم لأننا نقاوم فيروسا خبيثاً لا يراه أحد. 

الأبيض: قدرة المستشفيات الاستيعابية تحدنا

من جهته، مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض يوضح أنّ عداد "كورونا" وصل الى ما كانت تتحدّث عنه وزارة الصحة، بحيث بتنا نشهد أرقاماً هائلة وسط تسارع الإصابات. الخطير بالأمر -يقول الأبيض- أنه اذا لم نصل الى مرحلة نتمكّن من خلالها ضبط الأعداد، فهناك مخاوف من عدم قدرة المستشفيات على تلبية الإصابات، اذ إن قدرة المستشفيات الاستيعابية تحدنا -يقول الأبيض- واذا لا سمح الله أصبح عدد الحالات أكثر من قدرة المستشفيات فتلك مصيبة ستمنعنا من استقبال المرضى، وهذا الواقع يرجّح أن نصل اليه اذا بقينا لفترة قصيرة على هذا المنوال. 

 

"كورونا" لبنان..السيناريو الأسوأ قادم؟

أقل من 60 سرير في العناية الفائقة 

ويوضح الأبيض أنّ تقرير منظمة الصحة العالمية في لبنان أشار منذ أيام الى أنّ قدرة المستشفيات الاستيعابية لا تتخطى الـ 60 سريرا للعناية الفائقة في المستشفيات، وهذا العدد غير كبير، خصوصاً أنه فقد جزءاً منه بالتأكيد بعد تسجيل 1006 إصابات أمس الأحد.  

هل يمكن وصف الوضع بالكارثي؟ يرفض الأبيض وصف الأوضاع بهذه العبارة ولكنه حكماً سيصبح كذلك في حال وصلنا الى محل لا نجد فيه أماكن شاغرة للمرضى في المستشفيات. المشكلة تتطلب التحضير قبل فترة لتدارك الأوضاع. نحن كمستشفيات ووزارة جهزنا أنفسنا ولكن هذا وحده غير كاف، هنالك أمور مطلوبة من المجتمع والدولة ككل، وعلى الجميع التعاون لتخطي هذه المشكلة.

 

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: خاص العهد