ramadan2024

آراء وتحليلات

حزب الله ومشروع 10452 كلم2 .. دروس السيادة والاستقلال
19/09/2020

حزب الله ومشروع 10452 كلم2 .. دروس السيادة والاستقلال

محمد أ. الحسيني

في العام 2009 وقف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله على منصة مهرجان الانتصار والتحرير في مجمع سيد الشهداء (ع) في حارة حريك بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، ليعلن: "تعالوا لنعود إلى شعار: بدنا لبنان الـ 10452 كيلومتر مربع، وتفضلوا واقبلوا به قاسماً مشتركاً". كان هذا الموقف آنذاك صادماً لبعض الشرائح السياسية في لبنان، واعتبره بعضهم الآخر فاتحة لعهد مختلف في تعاطي حزب الله مع الملفات الداخلية، خصوصاً أن هذا الشعار كان محسوباً لشخص وفئة على طرف نقيض مع حزب الله والمقاومة ضد الاحتلال، إلا أن السيد نصر الله قرأه من زاوية مختلفة وبرؤية تشمل كل المكوّنات التي تتعلق بلبنان الوطن والهوية والحدود والسيادة، شكلاً ومضموناً، فقال: "انتبهوا جيداً، مقدار الـ 10452 كيلومتر مربع يعني "مزارع شبعا معهم لقمم الجبال.. لبنان لا يصبح 10452 كيلومتر مربع بدون القرى السبع في شمال فلسطين المحتلة".‏

سلاح المقاومة

أصبح لهذا الشعار بعد هذا الموقف منحىً وجودي مختلف في حقيقة المعادلة اللبنانية على مستوى الوجود والانتماء، بعيداً عن مشاريع التقسيم والفدرلة. ولم يمضِ يوم واحد على إعلانه هذا حتى استقبل السيد نصر الله رئيس حزب "الكتائب" كريم بقرادوني الذي أكّد على وجوب "حماية سلاح المقاومة حتى تحرير الـ 10452 كلم2"، مشدّداً على أن "الـ 10452 كلم وسلاح المقاومة متلازمان، وهما قاعدة الوفاق الوطني والاجماع الوطني".. وبعد أيام قليلة حلّ الرئيس أمين الجميل يرافقه النائب انطوان غانم ضيفين في مقرّ الأمانة العامة لحزب الله، وقال: "فرحتنا أن يكون سماحة السيد من طرح شعار الـ 10452 كلم2.. كلنا لدينا هدف واحد هو سيادة لبنان واستقلاله وأمن المواطن اللبناني في كل مكان، هذا هو مطلب الجميع، مطلبنا ومطلب السيد حسن نصر الله".

مشروعان لا يلتقيان

أسئلة كثيرة طُرحت آنذاك حول الخلفيات التي دفعت حزب الله لاستخدام منطق بدا مختلفاً عن أدبياته السابقة في التطرّق إلى الشأن اللبناني. إلا أن المسألة في الواقع لم تنطلق وفق رؤية السيد نصر الله وقيادة الحزب، منذ ذلك الحين حتى اليوم، من زاوية محلّية بحتة وبحسابات سياسية ضيقة أو انتخابات نيابية أو مواقع وزارية محدّدة، بل جاءت وفق منظور استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار حماية البلد. فمنذ إعلان فرنسا لحدوده عام 1920 وتشكيلها لأنظمته الإدارية والسياسية الفئوية والطائفية، وصولاً إلى وضعه تحت المجهر الأمريكي - الإسرائيلي، لم يخرج لبنان من دائرة التدخّلات الخارجية التي تضعه بين مشروعين:

الأول: يؤمن بدور "لبنان السيد الحر المستقل العزيز الكريم المنيع القوي القادر، الحاضر في معادلات المنطقة، والمساهم الأساسي في صنع الحاضر والمستقبل كما كان حاضراً دائماً في صنع التاريخ"، وفق ما جاء في الوثيقة السياسية التي أعلنها حزب الله عام 2009.

والثاني: يعتبر لبنان محميّة غربية مهمتها أن تكون ساحة أمان ومدخلاً استراتيجياً لتحقيق وضمان المصالح الأمريكية - الإسرائيلية في عمق منطقة ما يسمّى الشرق الأوسط وفي القلب الجغرافي للعالم كلّه.

شينكر ملهم السياديين الجدد

أي لبنان يريده حزب الله؟ قد يكون الجواب عن هذا السؤال بديهياً في سياق الاستعراض التاريخي لمسيرة هذا الحزب، منذ الإعلان عن تأسيسه في الرسالة المفتوحة عام 1985 مروراً بالتحرير عام 2000 والانتصار الاستراتيجي عام 2006، وإجهاض المشروع الأمريكي - الإسرائيلي في تشكيل الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وقبل ذلك وبعده محطات انتصار عسكرية وأمنية توّجتها قافلة كبيرة من الشهداء والجرحى والأسرى اللبنانيين، احتفل بهم لبنان الرسمي ودان لهم العرب، وأقرّ ما يسمّى المجتمع الدولي بأحقية قضيتهم في مقاومة الاحتلال لتحرير الأرض.

ولكن، لا يزال البعض في لبنان يستعيد إرث الانتداب القديم، ويعيش أوهام الهيمنة الطائفية التي زرعتها الاحتلالات المتعاقبة لهذا البلد. ولم يكتفِ هؤلاء باستحضار سياسة التهميش لشرائح أساسية ساهمت في بناء الوطن، بل تندفع اليوم إلى التشكيك بأساس وجود هذه الشرائح فيه، وأعني بذلك من يتحدثون عن وجود الشيعة كمكوّن طارئ على البنية الجوهرية للبنان، مستمدّين أدبياتهم العفنة من ملهمهم ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون ما يسمّى الشرق الأدنى، الذي صرّح جهاراً في حديث للإعلاميين عقب زيارته لبيروت في أيلول عام 2019، أن "حزب الله حزب غير لبناني الانتماء ولا يخضع للسيادة اللبنانية، ويزعزع الاستقرار ويعرّض لبنان للخطر".

استيطان لبنان

حسم حزب الله في وثيقته السياسية أن "لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية.. نريده لكل اللبنانيين على حد سواء.. واحداً موحَّداً، أرضاً وشعباً ودولةً ومؤسسات، ونرفض أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة الصريحة أو المقنَّعة"، ومن أهم الشروط لقيام وطن من هذا النوع واستمراره أن تكون له دولةٌ عادلةٌ وقادرةٌ وقويةٌ، ونظامٌ سياسيٌّ يمثّل بحق إرادة الشعب وتطلعاته الى العدالة والحرية والأمن والاستقرار والرفاه والكرامة.

ومن الطبيعي ألا تنسجم هذه الرؤية مع "طموح" الأمريكي والإسرائيلي الذي كان ولا يزال يمعن في التدخّل بالخيارات اللبنانية الكبيرة والصغيرة، فيحاول فرض خياراته في تحديد رئيسنا وحكومتنا ونوابنا ووزرائنا ومديرينا وضباطنا والموظفين ويرسم سياسة الأحزاب والتكتلات والجمعيات، ويتدخّل في تفاصيل مناهجنا الدراسية وحتى في الإنجيل والقرآن.. ولا تتعلّق المسألة هنا باتجاه إمبريالي فحسب، بل تعكس ثقافة تعبّر عن حقيقة المستوطِن الأمريكي الهجين الذي استعمر وطن الهنود الحمر، وعن حقيقة الإرهاب الإسرائيلي الذي شرّد الشعب الفلسطيني من أرضه، ولبنان واحد من أهداف هذه الإمبريالية - التوسعية.

حزب الله صمام الأمان

هكذا يريد أتباع المشروع الأمريكي - الإسرائيلي للبنان أن يكون، وهكذا يريد مدّعو السيادة بناء الدولة، وهكذا يرى منظّرو التقسيم استقلال البلد، ولكن لحزب الله وللمقاومة رأياً آخر ورؤية مختلفة، فالحزب، كما يؤكد السيد نصر الله، "لا يخوض في لبنان معركة حماية المقاومة وإنما حماية الإرادة الوطنية والوحدة الوطنية"، ومعادلة "قوة لبنان في ضعفه" سقطت مقابل معادلة "قوة لبنان في مقاومته"، فهي الضامن لهوية الوطن، والمسلمون الشيعة الذين عمروا بعراقتهم العربية بلاد الشام منذ ما قبل القرن العاشر الميلاديّ، وكانوا أول من بنوا كنيسة في حراجل الكسروانية، وأول من التحفوا رداء الثورات القومية واليسارية والإسلامية، في لبنان سوريا وفلسطين ومصر والعراق.. دفاعاً عن السيادة والاستقلال في وجه المستعمر الخارجي، سيبقون صمّام الأمان لهذا الوطن وحجر الأساس لبناء الدولة القوية والعادلة ذات السيادة والاستقلال الحقيقيين.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات