يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

عبّارة الموت في الشمال: من المسؤول عن الموت الجماعي؟
18/09/2020

عبّارة الموت في الشمال: من المسؤول عن الموت الجماعي؟

محمد ملص

عادت طرابلس لتئن تحت وطأة الموت، حيث فقدت عددًا من شبابها وطفلين في عبّارة الموت التي انطلقت من أحد شواطىء المنية متوجهة نحو قبرص. ربما الاهمال والفقر هو ما دفع هؤلاء الى خوض أمواج البحر الغادرة، الا أن طمع وجشع "تجار الموت" أدى الى ضياعهم في البحر لمدة ثمانية ايام دون اي طعام او شراب.

بداية الحكاية - التي باتت معروفة - تعود الى قرابة الأسبوع، حيث حزم عدد من عائلات منطقة القبة في طرابلس أمتعتهم وقرروا ركوب أحد قوارب الهجرة غير الشرعية علهم يجدون حياة أفضل لهم ولأولادهم. مساء الاثنين وصلوا الى نقطة الانطلاق في المنية، وتحت ذريعة الانتظار لتأمين مركب، أبقاهم صاحب المركب لمدة يومين في منزل قريب، ليتبين لهم لاحقًا أن الهدف من تأخيرهم كان الحصول على المزيد من الركاب، وعند وقت الرحيل تفاجأ هؤلاء أن عدد الركاب ازداد ليصل الى قرابة خمسين شخصًا على مركب لا يتخطى طوله ١٢ مترا وهو لا يكاد يتسع سوى لـ ٢٥ شخص فقط.

كثيرة هي مشاهد البؤس التي عاشها المهاجرون، الا أن أشدها وأقساها كان فقدان الطفلين (محمد) و(سفيان). فقد توفي الطفلان بعد اربعة ايام بسبب نفاد الحليب والمياه، وبقيت جثتاهما على المركب لرفض اهاليهما رميهما بالبحر. لكن الرضوخ لهول المأساة كان أقوى من حنين الأهل، فبعد أن بدأت تفوح منهما روائح الموت، عمل الاهل على لف الطفلين بأكياس النايلون وربطهما بالمركب لحفظ جثتيهما، وفق ما يروي أحد الناجين لموقع "العهد".

يسرد الناجي أحمد (27 عاماً) لموقع "العهد" الاخباري بعض تفاصيل المأساة: "كنا نعاني من الجوع الشديد، ونقص في المياه بالاضافة الى أشعة الشمس اللاهبة، اضطررنا الى شرب مياه البحر، وهو ما دفع اثنتين من النساء الى رمي نفسيهما في المياه.. ومع مرور الوقت قرر عدد من الشبان البحث عن حل لانقاذ المركب فحاولوا السباحة نحو أي من القوارب أو السفن لمساعدتهم، لكنهم فُقدوا وحتى الساعة لا يعرف أهلهم عنهم أي شيء".

قضى هؤلاء المهاجرين أسوأ ثمانية أيام في حياتهم بلا طعام أو شراب وتحت أشعة الشمس اللاذعة، لكن ذلك لا يمنع من طرح أسئلة عن ما دفع هؤلاء الى ركوب المجهول؟ وأين هم المسؤولون وأصحاب النفوذ والأموال من تقديم المساعدة لأبناء المدينة؟ بحسب أقرباء هؤلاء فإن جل المهاجرين هم عاطلون عن العمل، ومعظم بيوتهم مستأجرة . لذلك لم يبق أمامهم سوى الهجرة والهروب من الموت البطيئ الذي يعيشونه في بلدهم.

تكشف التفاصيل أن المهاجرين من جنسيات مختلفة (لبنانيون، سوريون، فلسطيني، ومنهم من يحمل الجنسية الهندية والبنغلادشية) والبالغ عددهم 50 شخصاً عاد منهم 33 فقط، فيما بقي 7 أشخاص في عداد المفقودين، والباقون باتوا في عداد الأموات.

وبحسب المعلومات التي حصل عليها موقع "العهد" فإن معظم المهاجرين الذين كانوا على المركب يعانون من أوضاع قانونية، أو مشاكل في الأوراق الثبوتية، وهم لا يملكون أي مقومات مادية لمعالجة أوضاعهم.

لا شك أن هذه المأساة ستبقى راسخة في أذهان من كتب لهم العودة من الموت، وتبقى الحسرة في قلوب الأهالي الذين فقدوا أبناءهم وهم لا زالوا لا يعرفون عنهم أي شيء.. فيما تعمل الأجهزة الأمنية على ملاحقة مرتكبي ومسهلي هذه الجريمة وهم لا زالوا متوارين عن الأنظار.. فهل ستكون حكاية "عبارة الموت" هي الحلقة الأخيرة من مسلسل الهجرة غير الشرعية ويتم توقيف من باتوا يمتهنون تجارة البشر أم أننا سنشهد المزيد من المآسي في فصول هذه الحكاية؟

طرابلس

إقرأ المزيد في: خاص العهد