يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

 
16/09/2020

 "تخزين" الأدوية يتسبّب بانقطاعها: هل من إجراءات لضبط السوق؟ 

فاطمة سلامة

لمجرّد أن سرت "خبرية" رفع الدعم عن الدواء خلال الأشهر القليلة المقبلة، انتشر الخوف كالنار في الهشيم في صفوف المواطنين. الضبابية التي تحيط سياسة مصرف لبنان لجهة تأمين بديل كفيل باستمرار الدعم من عدمه جعل المواطنين خائفين. لا تطمينات فعلية حتى اللحظة والتجربة مع المصرف المركزي بشخص حاكمه رياض سلامة ليست مشجّعة، ولم تكن يوماً مطمئنة. ما حدث في ملف الليرة اللبنانية التي أوهمنا لسنوات أنها مستقرة -بينما العكس هو الواقع- يثير الهواجس. وعليه، لا يمكن الركون الى سراب بل لا بد من فعل أي شيء. الأمن الدوائي بالنسبة للمرضى أهم من الغذاء. مرضى الحالات المزمنة أو المستعصية كانوا مشغولي البال. ماذا لو فقدت الأدوية من السوق بلا بديل؟ ماذا لو ارتفع سعرها أضعافا مضاعفة كما يحكى؟ ماذا لو بات الدواء سوقاً سوداء؟. هذه الأسئلة كانت كفيلة بتوجه مواطنين على عجل الى الصيدليات وطلب أدوية بالجملة. كل حسب قدرته المادية؛ بعضهم عمد الى شراء ما يكفيه لثلاثة شهر، وبعضهم وصل به الأمر الى حد التخزين لعام كامل، ما أحدث أزمة فعلية في سوق الدواء تمثّلت بانقطاع عدد كبير من الأدوية. 

وعليه، هل لا زالت الأزمة قائمة؟ وما الإجراءات التي اتخذت لتأمين الأمن الدوائي للمواطنين لأطول فترة ممكنة؟.   
 
 الأمين: انقطاع أدوية بسبب التأخير الحاصل من مصرف لبنان 

 
نقيب الصيادلة الدكتور غسان الأمين يشير في حديث لموقع "العهد الإخباري" الى أن السوق لا يزال يشهد حالياً انقطاعاً لأدوية الأمراض المزمنة كالضغط والقلب والسكري تضاف اليها أدوية الأعصاب. هذه الأدوية باتت نادرة اليوم -يقول الأمين- الذي يوضح أنّ المواطن يجد صعوبة في الحصول عليها وقد يضطر الى قصد صيدليات كثيرة للعثور على حاجته منها.  

 

 "تخزين" الأدوية يتسبّب بانقطاعها: هل من إجراءات لضبط السوق؟ 

 

ما حقيقة هذه الأزمة؟ يجيب الأمين عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّ الآلية الجديدة لاستيراد الدواء والتي اتبعت مؤخراً تقضي بأن ترسل طلبية الاستيراد الى مصرف لبنان الذي يدرسها بدوره للموافقة على دعمها (تبعاً لسعر الـ1515). تلك الموافقة باتت تأخذ وقتاً طويلاً وبالتالي قلّ الاستيراد مقابل وجود طلب أكثر. وفق الأمين، انقطاع الأدوية مرده الى تأخر الموافقة من مصرف لبنان اذ كانت تأخذ هذه الموافقة ما يقارب العشرين يوماً، أما اليوم فباتت تتأخر ما بين الشهر والشهرين، وهذه المدة طويلة -يقول الأمين- الذي يوضح أن مصرف لبنان يُرجع سبب التأخر الى الوقت الذي تحتاجه دراسة الفواتير والى تعذر وجود السيولة التي لن تكون متوفرة بالمطلق آخر العام الحالي. 

لتدارك الأزمة وإلا...

ماذا لو رفع الدعم؟ يقول الأمين: "حينها يذهب البلد والدواء، ونصبح أمام كارثة لأنّ سعر الدواء سيزداد خمسة أضعاف، وبالتالي لن يتعذر شراؤه على المواطن فقط بل المؤسسات الضامنة أيضاً كالضمان الاجتماعي وغيره". وهنا يشدّد الأمين على ضرورة عقد لقاء صريح وشفاف بين وزارة الصحة وحاكم مصرف لبنان لوضع الأوراق على الطاولة لتدارك الأزمة والا الأمن الدوائي في خطر.  
 
جبارة: البعض عمد الى تخزين ما يكفيه من الدواء لعام
 
نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة يوضح في حديث لموقعنا أنّ الأزمة التي تطال استيراد الأدوية ليست وليدة اليوم بل عمرها ستّة أشهر، فالوضع الدقيق يحول دون سهولة الاستيراد يضاف اليه التأخر في التحويلات والتأخر في وصول شحنات الأدوية. هذا الواقع الدقيق لم يتغيّر رغم أنه يزداد صعوبة، إلا أنّ الأمر الطارئ والذي ساهم في انقطاع عدد كبير من الأدوية تمثّل بالحديث عن إمكانية رفع الدعم عن الأدوية، هذه الإشارة سرعان ما تلقفها المواطنون الذين أثيرت لديهم المخاوف من انقطاع الأدوية من جهة نظراً لعدم إمكانية الحصول على ما يكفي من الدولارات في الأسواق للاستيراد، ومن ارتفاع أسعارها نظراً لغلاء الدولار في السوق السوداء. وقد أسقط المواطنون -يضيف جبارة- تجربة السلع الأخرى على الدواء فبادروا الى تخزين كميات منه قدر المستطاع؛ من امتلك الأموال اشترى ما يكفيه لعام خصوصاً مع إمكانية تخزين الدواء، فتخزين المازوت مثلاً غير ممكن، والخبز كذلك ولكن مواصفات الدواء تسمح بذلك، وعليه شهدت الصيدليات تهافتا من قبل المواطنين كل بحسب قدرته. 

 

 "تخزين" الأدوية يتسبّب بانقطاعها: هل من إجراءات لضبط السوق؟ 

يمتنع الصيدلي عن تسليم المريض أكثر من حاجته الشهرية

ويلفت جبارة الى أنّه وعقب الحديث عن رفع الدعم، شهدت الصيدليات ولأسبوعين متواصلين انقطاعاً لعدد كبير من الأدوية خصوصاً تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة، وحتى أدوية السرطان التي تباع في الصيدلية. وفق جبارة، جرى سحب كميات هائلة من الصيدليات قبل أن يلتفت أحد ما دفعنا الى تدارك الأمر بعدما رأينا هول هذه القضية، فكان الاجتماع الذي عقدته ثلاث نقابات: الأطباء، والصيادلة، ونقابة مستوردي الأدوية برعاية وطلب من وزارة الصحة. وفي الاجتماع، جرى اتخاذ جملة من الإجراءات لحماية المخزون الموجود لدينا. على سبيل المثال، يمتنع المستورد عن تسليم الصيدلي أكثر من المعدل الشهري بحسب الاستهلاك الطبيعي وليس استهلاك الهلع، كما يمتنع الصيدلي عن تسليم المريض أكثر من حاجته الشهرية، ويمتنع الطبيب بدوره عن وصف أدوية أكثر من شهر للمريض، وذلك في سبيل الحفاظ على ما تبقى من مخزون لتلبية أكبر عدد من المرضى ولأطول فترة ممكنة. 

ترشيد الدواء ضرورة.. وليس بمقدورنا توسعة شحنات الاستيراد

وبناء على ما تقدّم، يوضح جبارة أنّ هناك جزءاً من الأدوية مقطوع حالياً، وجزء آخر يظن الناس أنه مقطوع بينما في الحقيقة غير مقطوع ولكن جرى ترشيده من قبل الصيدلي الذي لا يعطيه الا عند الحاجة الفعلية. هذا -وفق جبارة- إجراء احترازي كي لا يتم فقدان ما تبقى من أدوية في الأسواق. في هذا الوقت -يقول جبارة-:" نحن نكمل استيرادنا من الأدوية، ولكن الشحنات الطبيعية تكفينا لشهر، وليس بمقدورنا توسعة الشحنات فطلبية استيراد الدواء يتم وضعها قبل ستة أشهر وسنة في بعض الأحيان، وعليه لا إمكانية لدينا للطلب من المصنّع مضاعفة الطلبية أو زيادتها". وهنا يطمئن جبارة أنه سيصلنا المزيد من الشحنات في الأشهر القادمة والتي تكفي حاجة البلد الطبيعية ما يحتّم علينا الانتباه هذه الفترة. 

لتحييد القطاع الصحي وخاصة الدواء عن رفع الدعم 

ويضيف جبارة: "نحن نعلم أنّ سياسة ترشيد الدواء التي ننفذها حالياً ليست شعبية، وتزعج المواطنين مع تفهمنا لشعورهم ومحاولتهم الحصول على الأمن الدوائي عبر شراء المزيد من العلب". ويوضح جبارة أنّ شحنات ستصل اليوم وعلى متنها أحد الأدوية المقطوعة ليصبح متوافراً في الأسواق، ولكن هناك دواء آخر للأسف لن تصل شحنته قبل الشهر المقبل، لكنّ المهم -برأي جبارة- هو أن نعيد الثقة ونطمئن المواطنين بعدم رفع الدعم. وهنا يشدد جبارة على ضرورة تحييد القطاع الصحي عن رفع الدعم أقله لستة أشهر ريثما يتم تأليف حكومة تطبق خطة اقتصادية وريثما تصلنا مساعدات لتمويل قطاع الدواء، وإلا فإنّنا سنكون أمام كارثة في حال رفع الدعم خصوصاً أن الأسعار ستصبح أضعافا عما هي عليه اليوم، يختم جبارة.

مصرف لبنانالدواء

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل