طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

رسائل السيد نصر الله: مضمون حاسم في التوقيت الملائم
31/01/2019

رسائل السيد نصر الله: مضمون حاسم في التوقيت الملائم

جهاد حيدر

أقل ما يمكن به وصف تفاعل الكيان الإسرائيلي مع مقابلة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله مع الأستاذ غسان بن جدو، على قناة "الميادين"، أنه كان نادراً، وربما غير مسبوق. وهو ما برز في سلسلة ردود الأفعال التي شهدتها الساحة الإسرائيلية، وصولا إلى رئيس أركان جيش العدو غادي ايزنكوت، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي اختار جلسة الحكومة للرد على سماحة السيد. وهي خطوة أيضاً قد تكون غير مسبوقة بأن يرد نتنياهو وبالاسم وخلال افتتاحه لجلسة الحكومة. الأمر نفسه ينسحب على المعلقين والخبراء ووسائل الاعلام والمواقع الالكترونية، الذين غطوا المقابلة ومن خلالهم وصلت رسائل السيد إلى الجمهور الإسرائيلي.

بدأ تفاعل الجمهور ووسائل الاعلام في كيان العدو، قبل بدء المقابلة، حيث لوحظ أن المعلقين تسمروا أمام الشاشات قبل بدئها، مع أن المقابلة جرت مساء يوم السبت الذي هو عطلة لدى اليهود. وما ينطبق على الصحفيين ينسحب أيضاً على الجمهور فضلاً عن السياسيين، الذين تباروا في اطلاق المواقف بعد انتهائها.

يمكن التقدير أن هذا المستوى من التفاعل يعود إلى اجتماع عدة عوامل مع بعضها البعض. نقطة البدء فيها تتصل بانتشار شائعات حول تدهور الوضع الصحي لسماحته حتى إنها غزت المجتمع الإسرائيلي. وهو ما شكل دافعاً لكل هذه المستويات لمعاينة سماحته. الأمر الذي يعكس مدى حضوره في وعيهم ويكشف عن حقيقة أن عجز كيانهم أوصلهم إلى الرهان على الأمراض للتخلص من سماحته.

ويبدو أيضاً أن مفاعيل الاعلان عن المقابلة تصاعدت تأثيراتها في الوسط الإسرائيلي، ايضا على وقع عملية "درع شمالي" التي أخذت أصداء واسعة في كيان العدو. حيث استطاع الثنائي ايزنكوت ونتنياهو اقناع الجمهور الإسرائيلي بأنهما أفشلا مخططاً لحزب الله بارسال مئات المقاتلين للسيطرة على المستوطنات في عملية ابتدائية. في المقابل كان هناك اهتمام إسرائيلي شديد بما سيقوله الأمين العام لحزب الله عن هذه القضية بالذات، التي فصَّل فيها ووضع حدا فاصلا بين الانجاز الواقعي والآخر الوهمي المختلق. حتى إن بعض ما أورده السيد في مقاربته حظي بتأييد وموافقة من معلقين مختصين وافقوا على أنه من غير المنطقي أن يدخل حزب الله 1500 مقاتل في نفق كي يتسللوا من داخله إلى الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ايضا، جرت المقابلة في سياق اقليمي متوتر بفعل الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا والتهديدات المتصاعدة تجاه لبنان. وتحديدا بعد فشل الرهانات الإسرائيلية ازاء الساحة السورية... كل ذلك يمكن أن نضيفه إلى حقيقة أخرى تشكل المرتكز الأساسي لهذه الاصداء تتمثل بالحضور القوي لشخص السيد في الوعي الجمعي لشرائح الكيان الإسرائيلي من المستوطنين وصولا إلى القادة السياسيين والامنيين. وعلى هذه الخلفية لفتت "القناة العاشرة" إلى أنهم في "إسرائيل" تابعوا المقابلة اكثر من العالم العربي، وأنه أظهر اطلاعاً واسعاً جداً على المجريات السياسية في "إسرائيل".

مع بدء العام الجاري، انتشرت تقديرات في الساحة الإسرائيلية حول ارتفاع احتمالات المواجهة الواسعة على الجبهة الشمالية. ويعود ذلك إلى أن كيان العدو فشل في خياراته الكبرى، ووجد نفسه محشوراً بين خيارات ضيقة، من ضمنها محاولة توسيع نطاق اعتداءاته، على أمل أن تتمكن من إحداث تغيير جذري ما في المعادلة القائمة. خاصة في ضوء القراءات المتبناة من المستويين الرسمي والخبراء بأن الواقع الحالي اذا ما استمر على ما هو عليه الآن، فإنه سيؤدي إلى تبلور واقع أكثر خطورة على "الأمن القومي الإسرائيلي"، وستتم محاصرة "إسرائيل" بطوق خانق من الصواريخ الدقيقة، يقيد خياراتها العدوانية على مستوى المنطقة.  في المقابل، أتت مواقف سماحته حاسمة وصريحة ومباشرة. فأكد لقادة العدو بأن ثمن الاعتداء (أي الرد) "سيكون أكثر بكثير مما يتوقّعه هو".  وأننا "لن نسمح للعدو بتغيير قواعد الاشتباك أو بفرض قواعد اشتباك علينا، نحن في تراكم عمل المقاومة وصلنا إلى مستوى معيّن من الردع بالحدّ الأدنى يجب أن نحافظ عليه، بل يجب أن نعمل على تعزيزه عندما يبادر العدو إلى محاولة تغيير قواعد اشتباك". وصولا إلى نفي أن يكون هناك شيء اسمه عملية واسعة، ما دون الحرب، "أي عملية واسعة وإن كان العدو يعتبرها محددة نحن سنتصرّف معها على أنها حرب وإعلان حرب، لا يوجد فاصل دقيق بين العملية الواسعة وإعلان حرب، هو يدفع الأمر إلى حرب".

وهكذا يتضح أن أهمية هذه المواقف تكمن في مضمونها وسياقها وتوقيتها وكونها تصدر عن شخص الأمين العام لحزب الله. على مستوى المضمون أظهرت وكشفت بما لا لبس فيه للعدو قبل الصديق، كيف سيتعامل حزب الله مع أي محاولة اعتداء تهدف إلى تعديل قواعد الاشتباك، وبالتالي بات واضحا للقيادة الإسرائيلية الرد الذي ستتعرض له في أعقاب الخطوة الاولى التي ستقدم عليها. وأتت هذه المواقف من سماحته بعدما استنفد كيان العدو رهاناته الفاشلة، وفي ذروة الرسائل ومع استقبال "إسرائيل" والمنطقة رئيس أركان جديد، وهي من هذه الزاوية أتت في توقيت أكثر من ملائم. ولا يخفى أنهم يدركون في "تل أبيب" أن تصدر هذه المواقف على لسان سماحة الامين العام لحزب الله.. وهم الذين خبِروه في موقعه القيادي طوال مراحل الصراع منذ الاحتلال الإسرائيلي في الحزام الامني، في تسعينيات القرن الماضي. وعلى هذه الخلفية اخترقت رسائله كل طبقات الواقع الإسرائيلي، وفرضت نفسها على السجال السياسي والاعلامي، وستحتل حيزاً أساسياً في أي قرار تتخذه قيادة العدو.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف