طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

14/09/2020

"اسرائيل" قاصرة عن فهم منطق حزب الله: التصميم على الرد نموذجاً

جهاد حيدر

لا خلاف في مؤسسات كيان العدو السياسية والاستخبارية والعسكرية على أن الاولوية لمواجهة تحدي الجبهة الشمالية، والسبب أنها الاكثر خطورة على الأمن القومي الإسرائيلي، وعلى جبهتها الداخلية. مع ذلك، فإن "تل ابيب" ترى أنها لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي ازاء المسار التصاعدي لمحور المقاومة في لبنان وسوريا. وهي تسعى لتحقيق ذلك عبر مساعٍ مباشرة وغير مباشرة.

بين هذين الحدين، تجد قيادة العدو في الوضع الداخلي اللبناني، على المستويات السياسية والمالية والاقتصادية والصحية، فرصة تراهن على استغلالها من أجل تعزيز قوة ردعها، وتوسيع هامشها في المبادرة العملانية انطلاقا من تقدير يتم تداوله في المؤسسة الإسرائيلية أنه ليس من مصلحة حزب الله الدخول في مواجهة عسكرية مع "إسرائيل" في ظل هذا الوضع تحديداً.

في مواجهة هذه الرؤية، كان لموقف حزب الله بالتصميم على الرد الذي يجبي ثمناً دموياً من جنود العدو، وقع الصدمة والمفاجأة على القيادة الإسرائيلية، كونها تتعارض مع تقديراتهم التي كانت تتوهم أن هذه المستجدات ستسمح لها باعادة انتاج معادلة جديدة في مقابل حزب الله ولبنان.

في نفس السياق، راهنت "تل ابيب" على أن تشكل حادثتا مزارع شبعا، ومستوطنة المنارة، (بحسب الرواية الإسرائيلية)، فرصة لما يسمونه "النزول عن الشجرة". بمعنى أنه يمكن لحزب الله أن يسجل محاولات رد مفترضة، تعكس تصميمه على الرد، وتصل بذلك الرسالة إلى صانع القرار في "تل ابيب". لكن المشكلة أن حزب الله أصدر بيانا في أعقاب حادثة شبعا شدد فيه على عزمه على الرد. ولاحقا في كلمة له بعد حادثة المنارة، أعلن سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عزمه على رد يجبي ثمناً دموياً من جنود العدو. وهو ما أربك حسابات وتقديرات المؤسستين السياسية والامنية في "تل ابيب"، ورفع من درجة مخاوفهم إلى درجة أن البعض تساءل مستنكراً "كأن حزب الله لا يواجه حرباً داخلية في لبنان". في اشارة إلى أن اداء حزب الله الردعي والعملاني في مواجهة "إسرائيل" يخالف كل تقديراتهم وحتى الواقع الفعلي في لبنان.

على وقع الهوة القائمة بين تقديرات العدو لمفاعيل الواقع اللبناني على خيارات حزب الله، وبين توثب الأخير للرد، كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم"، عن أنهم في الجيش يحاولون في هذه الفترة، "وبنجاح جزئي فقط"، الدخول إلى "عقل نصر الله". والاشكالية التي يحاولون حلها، أن حزب الله لا يريد التصعيد، ولكنه في الوقت نفسه مصمم على رد يعلم أنه يمكن أن يؤدي إلى تصعيد. وعرضوا في محاولة الاجابة أكثر من احتمال وبدا أنهم يفتشون عن تفسيرات ضمن "صندوق أفكار" ثبت قصوره عن فهم خيارات حزب الله في العديد من المحطات. في نفس الاطار، لفت بروز هذا التعارض ايضا في تقدير الوضع الاستراتيجي للجيش الذي سيقدمه أمام الحكومة، ويرى فيه أن أعداء "إسرائيل"، مردوعون ومترددون وفي ضوء ذلك، لا يتوقع خروجهم إلى معركة ضد "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه يؤكد الجيش أن حزب الله عازم على الرد على مقتل أحد مقاوميه، ونتيجة ذلك، يتخذ جيش العدو أقصى اجراءاته الامنية.

مع ذلك، يلاحظ أنهم في قيادة جيش العدو لا يلحظون حقيقة أن حزب الله لا يريد تصعيداً، ولكن ليس بأي ثمن. بمعنى أنه في حال فرضت "إسرائيل" عليه خوض مواجهة عسكرية، سيقوم بذلك وبما يُعزِّز قدرة ردعه. وبتعبير آخر يبدو أنهم في قيادة العدو يخلطون بين كون حزب الله لا يريد تصعيدا، من موقع المبادرة الابتدائية، ولكنه سيخوضها في حال تدحرجت التطورات نحو اللاخيار في مواجهة اعتداء إسرائيلي على لبنان.

وهكذا يتضح جلياً، أحد مكامن ومعالم سر فشل قيادة العدو في قراءة عقل حزب الله ومنطقه في تحديد الاولويات والنظرة إلى التحديات.

مع ذلك، تبقى حقيقة لا بد أن القيادة الإسرائيلية ستواجه لاحقاً رسائلها وتداعياتها، كيف أن جنود الجيش ممنوع عليهم التجول في مدى نيران حزب الله في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لجهة الحدود مع لبنان. ومنعاً لارتكاب الاخطاء تم نشر العديد من حواجز الشرطة العسكرية التي مهمتها ايقاف أي جندي يرتدي ثيابا عسكرية، يتجه نحو تلك المنطقة. في المقابل، تسمح القيادة الإسرائيلية "للمدنيين" بذلك، انطلاقا من ادراكهم وثقتهم بأن حزب الله يريد الاقتصاص من الجيش ليس إلا، وأن حساب المستوطنين قد يأتي لاحقاً اذا ما تجرأ العدو واستهدف المدنيين في لبنان.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات