يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

12/09/2020

"الجهاد الإسلامي" وخيار الوضوح

هيثم أبو الغزلان

لم يكن اللقاء الذي جمع الأمناء العامين على أهميّة انعقاده بين رام الله وبيروت هو الحدث فقط؛ ولا مخرجاته المُتمثّلة بتشكيل لجنة لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، ولجنة للفعاليات الوطنية، ولجنة لإعادة الوحدة وإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس؛ إنّما المحكُّ في ذلك هو القيام بترجمة هذه الخطوات العملية وتكريسها ضمن برنامج نضالي وطنيّ ملموس يُساعد في الدفع باتجاه تحقيق المزيد من الشراكة الفلسطينية الداخلية، ويُعزّز من صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته. وهذا يظلُّ مرهونًا بمدى الإرادة والقدرة على البناء على المشتركات وتطويرها ضمن رؤية ترى الأولويّة في التخلّص من الاحتلال.

لذلك كان السؤال المطروح ولا يزال مطروحًا: هل يمكن أن يُحدِث هذا اللقاء ومخرجاته تحوّلًا في البرنامج والأداء، وبالتالي يُحدث نقلة نوعية في برامج وآليات العمل الوطني الفلسطيني التحرّري؟ ولماذا أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على تنفيذ المخرجات العملية للقاء؟ ولماذا تحفّظت على بند إقامة "الدولة على حدود العام 1967"، وأكّدت على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها وإشراك الجميع فيها؟

إن المخاطر الحقيقيّة التي تحيق بفلسطين تهدّد الشعب والقضية في ظل برنامج الاستيطان والضم الصهيوني المتعاظم على الأرض الفلسطينية، والمدعوم من الإدارة الأمريكية، وسط خليط من السلبيات التي يُعجّ بها الوضعين الفلسطيني والعربي، وخصوصًا في ظل الاستثمار الإسرائيلي لنتائج ما حدث ويحدث في بعض البلدان العربية من احتراب داخلي وتهميش للقضية الفلسطينية، وقطار التطبيع المندفع الذي أصبح يؤسس لتحالف مع العدو الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية والأرض والثروات والقرار.

وإزاء هذه المخاطر الكبيرة التي تعترض القضية الفلسطينية، لا بد من مواجهة شاملة ترقى لمستوى التحديات القائمة، وتقطع بشكل كامل مع أيّ برنامج لا يعيد الصراع إلى مربّعه الأول. وفي هذا السياق كان تأكيد حركة الجهاد الإسلامي على ضرورة تنفيذ المخرجات العملية للقاء الأمناء العامين، وتحفُّظها على بند إقامة "الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967". وهذه ليست المرة الأولى التي تتحفّظ فيها الجهاد على بنود معيّنة لها علاقة بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967؛ فقد تحفظّت الحركة على وثيقة الأسرى (أيار 2006)، ورفض وفدها التوقيع على البيان الصادر في ختام جلسات الحوار في موسكو (2019)... ويأتي تحفّظ الجهاد على بند "الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967" تأكيدًا لمؤكد في فكر وممارسة الجهاد من جهة، ومن جهة أخرى هو تأكيد لواقع يشير أنه ليس ثمة آفاق لإنجاز هدف الدولة المستقلة في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وأن هدف "الدولة الواحدة" في حدود فلسطين الانتدابية خلال الفترة 1922-1948، هو بات أصعب كثيرًا، وأبعد منالًا من هدف الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، لأن ذلك يفترض تغييرًا في موازين القوى محليًا وعربيًا ودوليًا. وهذا صعب المنال، خصوصًا أن حكومة نتنياهو وبمساعدة من إدارة الرئيس دونالد ترامب قد دفنت "حل الدولتين"، وترفض وقف الاستيطان والانسحاب من القدس وحقّ العودة للفلسطينيين، ما يجعل أيّ رهان على إقامة دولة "مستقلة وكاملة السيادة" أمرًا غير واقعيّ في ظل الظروف الواقعية المستندة إلى موازين القوة المختلة.

وبناء عليه فإن المواجهة الحقيقية التي يجب أن تكون ضد العدو تتطلّب رؤية واضحة للصّراع وفعلًا مشتركًا وحدويًّا وقيادة تدرك الواقع الذي تتحرّك فيه ولا تخضع له، وتتابع المتغيّرات دون أن تغرق في تفاصيلها، ولا تخلط بين الثابت والمتحوّل، وتراجع سياساتها وخططها لتعرف أين أخطأت وأين أصابت فتبني على ذلك وتراكم...

وانطلاقًا من هذا الواقع، فإن مبادرة "النقاط العشر"التي أطلقها الدكتور رمضان عبد الله شلّح في العام (2016)، ودعا إلى تبنّيها الأمين العام للجهاد زياد النخالة في العام (2018)، وأعاد طرحها خلال كلمته في لقاء الأمناء العامين (2020)،وأعادت التأكيد عليها فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة (2020)، تُشكّل برنامجًا وطنيًا يمكن الاستناد إليه؛ فهي تدعو إلى "إلغاء اتفاق أوسلو"، و"سحب الاعتراف بإسرائيل"، وإعلان المرحلة الحالية مرحلة تحرر وطني، الأولوية فيها لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة بما فيها المقاومة المسلحة، ما يتطلّب "صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه"... وأن "يشمل ذلك كل مكونات الشعب الفلسطيني".

واستنادًا إلى مبادرة "النقاط العشر" فصّل الأمين العام لحركة الجهاد زياد النخالة، في كلمة له في العام (2018) طرحه الجهاديّ باعتبار:"المصالحةِ أولويّة وطنيّة في صراعِنا مع العدوِّ، وهي مفتاحٌ لتجاوزِ الخلافاتِ والصراعاتِ داخلَ المجتمعِ الفلسطينيِّ"، و"استردادُ المصالحةِ الوطنيةِ لصالحِ الكلِّ الفلسطينيّ، فجميعُ الشعبِ الفلسطينيّ ضحيةٌ لهذا الخلافِ"...والشروعِ في معالجةِ كلِّ الخلافاتِ والتبايناتِ والبناء على القراراتِ التي اتخذَتْها اللجنةِ التحضيريةِ التي التقَتْ في بيروتَ بتاريخِ 10 كانون الثاني 2017، ومثلَتِ الكلَّ الفلسطينيَّ.."، و"التأكيدُ من قبلِ قوى المقاومةِ أنَّ التهدئةَ لن تُلزمَنا بعدمِ الدفاعِ عن شعبِنا، ولن نذهبَ بها إلى اتفاقياتٍ سياسيةٍ معَ العدِّو"..، وأن "يلتزمَ الجميعُ بتطويرِ سبلِ المقاومةِ بكافةِ أشكالِها، وبحسبِ ما هو ممكنٌ، في الضفةِ والقدسِ..".

إن تأكيد الجهاد الإسلامي على موقفها الواضح والصريح تجاه التأكيد على أن الصراع ضد الاحتلال يشمل كل فلسطين، ورفضها اقتصار ذلك على الأراضي التي احتُلّت منذ العام 1967، وتأكيدها على ضرورة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها وأن تشمل الكل الفلسطيني، وإعادة الصراع إلى مربّعه الأول ضد العدو الصهيوني، هو تأكيد واضح على الرؤية الواضحة للصراع القائم والممتد زمانًا ومكانًا ضد عدو يسعى إلى إلغاء شعبنا وتأبيد وجوده فوق أرضنا.

وبناء على ما تقدّم فإن التوصيف الدقيق لواقع الحال الفلسطيني، وتحديد العدو بشكل دقيق، ومعرفة التحديات وتحويلها إلى فرص سيُحوّل الواقع المُختل حاليُّا لصالح الاحتلال، إلى نقاط قوة يمكن المراكمة عليها لتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من تحرير وعودة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات