يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

الدعم عبر بطاقات الشراء: ما له وما عليه
07/09/2020

الدعم عبر بطاقات الشراء: ما له وما عليه

فاطمة سلامة

من يتابع القرارات والتعاميم الصادرة عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طوال فترة ترؤسه للحاكمية يرَ أنّها في مجملها لم تكن سوى لصالح المصارف والتجار ومن يلف لفهم.  إطلالة سريعة على تلك القرارات تُبيّن حجم الهدر الذي تسبّبت به حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم. وفي هذا الإطار حدّث ولا حرج، حيث أتقن الحاكم لسنوات فن إيهام الشعب بأنّ الليرة مستقرة بينما كشفت الأزمة الحالية هشاشة الليرة وكأنّ الشعب يبتاع سمكاً في البحر. وللأمانة، عندما تُفتح سيرة تلك القرارات لا يعلم المتحدّث من أين يبدأ. من الهندسات المالية التي عوّمت أرباح المصارف، أم من التعاميم التي فاقمت أزمة سعر الصرف حتى وصل الى أرقام قياسية. تلك الأرقام انسحبت بشكل مباشر على أسعار السلع التي حلّقت بأثمان غير مسبوقة، فكانت النتيجة قدرة شرائية شبه معدومة لدى كثيرين، مع توقعات بأن تنعدم القدرة أكثر فأكثر في حال جرى رفع "الدعم" عن المواد الأساسية كما لوّح سلامة مؤخراً خلال الأشهر الثلاثة القادمة. 

ورغم أنّ سياسة الدعم التي اتبعها البنك المركزي لطالما كانت مثار انتقاد خصوصاً بقضية السلة المدعومة التي أطلقت مؤخّراً ولم يستفد منها المواطن سوى من "الجمل اذنه"، إلا أنّ كثر وصفوا سحب بساط الدعم عن المواد الأساسية بمثابة خطوة سيكون لها تداعيات كارثية إن لم يتم تأمين البديل. حاكم مصرف لبنان أعلن أمس الأحد أنّ هناك جهداً لترشيد موضوع السلة الغذائية عبر إنجاز بطاقة لكلّ لبناني للشراء بقيمة 1515 للدولار بهدف دعمه. فما واقعية هذا الطرح؟ وهل يحد من الهدر الحاصل ضمن سياسات الدعم الحالية؟. 

برو: طرح البطاقات لكل اللبنانيين تحوم حوله العديد من علامات الاستفهام 

رئيس ​جمعية حماية المستهلك​ الدكتور ​زهير برو يعرب عن معارضته الشديدة لمبدأ إنجاز بطاقات بالمطلق لكافة اللبنانيين، فدعم جميع الفئات هو خطأ وسط إمكانيات الدولة المعدومة. كما يجدد برو معارضته للدعم الذي اعتمد خلال الأشهر الماضية تحت مسمى "السلة المدعومة" والتي استفاد منها التجار. الحل -برأيه- موجود في كافة التجارب العالمية والتي تنص على أن يكون هناك بطاقات للفئات الأكثر حاجة كي يتمكنوا من الحصول على الغذاء الأساسي بأسعار معقولة. أي طرح خارج هذه الصورة تحوم حوله العديد من علامات الاستفهام حول النوايا السيئة لنظام الفساد في المصارف والبنك المركزي والتجار، يقول برو الذي يؤكد أنّ أي خروج عن هذه الصورة العالمية عبر فتاوى على الطريقة اللبنانية يكون المقصود منه تمرير منافع لفئات معينة. 

 

الدعم عبر بطاقات الشراء: ما له وما عليه

ويتوقّف برو عند مسألة أنّ الدعم سيكون بالليرة اللبنانية ما سيوسّع دائرة انهيار الليرة ليزداد التضخم ونشهد غلاء أكثر بالأسعار. ويبدي رئيس جمعية حماية المستهلك تخوفه من الفساد الذي قد يتسلّل الى مسألة البطاقات الشاملة لكل اللبنانيين. علينا توفير المبالغ بدل هدرها لمد يد العون للعائلات الفقيرة لأطول مدة ممكنة. برأي برو، فإنّ الطرح المذكور من الوسائل الفاسدة لتأمين مصالح فئات معينة أننا عندما نستنزف العملة لصالح فئات ليست بحاجة لها سيصبح لدينا نتائج مدمرة للاقتصاد خصوصا ان لا توازن لدينا. يؤمن برو بنظرية تقول إنه عندما تتحرك السلطات اللبنانية دائما ما تلحظ حسابات الفساد والاستفادة، فعلى الدوام يجد المنتفعون طريقة لزيادة أرباحهم التي بنيت على سياسات خطيرة أرخت بتداعيات سلبية جداً على الاقتصاد اللبناني والمواطنين خاصة الفقراء منهم. وعليه، يرى برو أن لا حل سوى بإنجاز بطاقة خاصة بالفقراء من قبل جهاز محدّد بالتعاون مع الجيش اللبناني ووزارة الشؤون الاجتماعية.


مارديني: الهدف تطويل أمد الدعم 

رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني يؤيّد طرح سلامة، ويرى أنّ الهدف من البطاقات هو المحافظة على القليل من الأموال في البنك المركزي لأننا إذا أكملنا بسياسة الدعم الحالية أي دعم السلع الأساسية لن نتمكّن من تغطية الدعم لأكثر من شهرين، وبالتالي سنصل الى مكان صعب جداً يصح معه القول إننا سنصبح على "الحديدة". ويرى مادريني أنّ تعديل آلية الدعم هدفها تطويل أمد برنامج الدعم لأكثر فترة ممكنة، لكن المشكلة -برأيه- تكمن في أنّ إنجاز البطاقات يجب أن يتم على وجه السرعة فالانتظار ليس في صالحنا. 

 

الدعم عبر بطاقات الشراء: ما له وما عليه

ولم تسلم سياسة الدعم الحالية من انتقادات مارديني، فالخطأ الأساسي -برأيه- كان منذ البداية في اتباع هكذا سياسة؛ فلو أن البنك المركزي اتجه نحو إنجاز بطاقات لكانت  الأموال غطّت فترة أطول. لكن للأسف -يقول مارديني- جرى صرف الأموال على دعم السلع، تلك السياسة التي شهدت هدراً كبيراً حيث ربح منها التاجر ولم يستفد المواطن. وعليه، كان من المستحسن أن ندعم المواطن عبر بطاقات مباشرة وليس كما يحصل اليوم. 

وحول عدم حصر البطاقات بالفئة المحتاجة، يعلّل مارديني الأمر بالإشارة الى أن لبنان لا يملك قواعد بيانية للفقراء. صحيح أن هناك لائحة في وزارة الشؤون الاجتماعية ولكنها تغيرت كثيراً خلال السنتين الأخيرتين ما يحتّم ضرورة إنجاز لائحة جديدة، وعليه قد تبدأ البطاقات بالمعنى الواسع لكافة اللبنانيين ومع الوقت تجري غربلة المحتاج لها من عدمه. كم سيتمكّن مصرف لبنان من التوفير بموجب هذه العملية؟ يقول مارديني:" الأمر مرهون بكمية الأموال التي سيتم وضعها في البطاقة وعلى أي أساس سيتم احتسابها". 

ويلخّص مارديني إيجابيات طرح البطاقات لكافة اللبنانيين بالنقاط التالية: 

أولاً: دعم السلع شمل طيلة الفترة الماضية الأجانب في لبنان، والدولة اللبنانية اليوم لم تعد تملك القدرة على دعمهم. لا ينكر مارديني أن من حق النازحين السوريين وغيرهم الحصول على البطاقات، ولكن شرط أن يتم تشريجها من قبل المنظمات الدولية وليس من قبل الحكومة اللبنانية، اذ على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته في هذا السياق.

ثانياً: بموجب مبدأ البطاقات يصبح المواطن هو المستفيد الأول من الدعم لا التاجر كما يحصل اليوم.

ثالثاً: يتجنّب لبنان قضية تهريب السلع، فتجربة دعم السلع في كافة بلدان العالم لم تكن مشجعة وقد أدى هذا الدعم الى انقطاعها نتيجة التهريب الذي تعرضت له.

رياض سلامةمصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة