طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

بين الدومينو والانهيار.. ماذا حقق كيان العدو من اتفاقه مع الامارات؟
03/09/2020

بين الدومينو والانهيار.. ماذا حقق كيان العدو من اتفاقه مع الامارات؟

جهاد حيدر

ينطوي اتفاق "السلام" الذي عقده النظام الاماراتي مع كيان العدو على أكثر من بعد يتصل بكل من الطرفين في أكثر من عنوان، وبما شهدته وتشهده البيئة الاقليمية من تطورات، أضف إلى ذلك أبعاداً خاصة مرتبطة حصراً بتوقيت ترامب السياسي والانتخابي. وبعيدًا عن الاتجاه العام لمسار الصراع بين محور المقاومة والمعسكر الغربي في المنطقة، وعلى رأسه كيان العدو، يمكن رصد أكثر من انجاز سجله كيان العدو بفعل سخاء أمراء الامارات وعلى رأسهم محمد بن زايد، على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته.

- نَجَحَ كيان العدو في تحقيق انجاز تطبيعي جديد من البوابة الاماراتية يشكل مطلباً قائما بذاته ومدخلا إلى انجازات سياسية وامنية واقتصادية أخرى. ومع أن ما هو قائم بين الطرفين يتجاوز التطبيع إلى مستوى التقاطع الاقليمي والتحالف في أكثر من مسار إلا أن امراء الامارات مكَّنوا العدو من احداث اختراق جديد في معادلة التسوية التي كان يفترض أنها تقوم على أساس الأرض مقابل السلام. أما الاتفاق الجديد فهو يقوم على قاعدة "السلام مقابل السلام"، الأمر الذي دفع نتنياهو للتباهي بهذا البعد ويضيف على هذا الشعار السلام من موقع القوة، وبذلك هدف إلى أن يقدم "إسرائيل" في موقع من يملي هذه الاتفاقيات على الطرف العربي.

- في نفس السياق، يشكل الاتفاق ضربة قاتلة للمبادرة العربية للسلام، التي بالاساس لم تكن تقترب من الحد الادنى لحقوق الشعب الفلسطيني، وتقوم على اساس الاقرار والاعتراف باحتلال اغلب ارض فلسطين، ومنح "اسرائيل" الشرعية العربية، على أمل تحويلها إلى كيان طبيعي في المنطقة. لكن بعد هذا الاتفاق أصبح الحديث عن التمسك بالمبادرة العربية مجرد ضريبة كلامية لإمرار خطوات تنازلية.

- في السياق التطبيعي ذاته، شكَّل الاتفاق مدخلًا للنظام السعودي من أجل الارتقاء بالعلاقات السرية مع كيان العدو، وأقدم على خطوة غير مسبوقة بالسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور أجواء المملكة، والطائرات الأخرى في طريقها إلى فلسطين المحتلة. ومن الواضح أن هذه الخطوة تأتي كمقدمة لمزيد من الخطوات السعودية في نفس الاتجاه الذي سلكته الامارات.

- يساهم الاتفاق في دفع مخطط كيان العدو في تطويق الشعب الفلسطيني. ويقوم هذا المخطط على اسقاط مقولة إن الانفتاح العربي السياسي والاقتصادي والامني يمر حصراً عبر اتفاق نهائي مع السلطة الفلسطينية. وكان الرهان بأن يساهم ذلك في تعزيز موقف السلطة على طاولة المفاوضات. لكن القفز فوق القضية الفلسطينية وعقد اتفاقيات "سلام" مع أطراف عربية ليس لها حدود مشتركة مع فلسطين يشكل انتصارًا للمخطط الإسرائيلي على أمل أن يساهم ذلك في تخفيض سقف التسوية إلى حد ملامسة التراب. حيث لم يعد هناك ما يُقدِّمه الطرف الفلسطيني من تنازلات سوى الاقرار بشرعية الواقع القائم، وهو ما يسعى اليه كيان العدو.

- يُشكِّل الاتفاق في هذا السياق، انتصارًا لرؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي كان يرفع راية الالتفاف على القضية الفلسطينية، وامكانية تحقيق انجازات في البيئة الخلفية التي كان يفترض أن يستند اليها الشعب الفلسطيني بكافة تياراته وخياراته. خصوصية هذا الانجاز في الساحة الإسرائيلية، أنه يشكل تعزيزاً لهذا المنطق، بعدما كان هناك انطباع وقناعة لدى الكثيرين في كيان العدو بأن طريق التطبيع مع أنظمة الخليج والدول العربية التي لا تحاذي فلسطين يمر حصراً بتسوية نهائية مع الفلسطينيين. لكن ما حصل شكَّل انتصاراً لمنطق اليمين الإسرائيلي الذي سيضم اليه بقية التيارات في هذا الاتجاه.

- يُشكِّل الاتفاق بوابة لكيان العدو للانتماء شبه الرسمي إلى التحالف الذي تشكل الامارات جزءا رئيسياً فيه. ومع أنه من الناحية الموضوعية كان التنسيق والتكامل قائماً بين الطرفين إلا أن هذا المستجد يشكِّل ارتقاء في العلاقة والانتماء والتقاطع بين الطرفين، ومدخلا إلى تطوير العلاقات البينية إلى مستويات علنية في مراحل لاحقة.

- يشكل الاتفاق مدخلًا لكيان العدو لمحاولة التموضع بالقرب من الحدود الجنوبية للجمهورية الاسلامية في ايران. يفتح هذا المستجد الباب أمام سيناريوهات وخيارات لن يوفر العدو الفرصة لاستغلالها في أكثر من مجال أمني وعملياتي.

- لم يتورع أمراء الامارات عن ايراد نصوص مُحدَّدة في الاتفاق الثنائي، حول تطوير العلاقات الاقتصادية وهو ما دفع نتنياهو للتباهي بالسخاء الاماراتي في هذا الاتجاه. ويمكن في هذا المجال اطلاق العنان للخيال التخصصي لاستكشاف المجالات التي سيشملها الاستثمار الاماراتي ومدى انعكاسه على تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي الذي أول ما سينعكس ايضا في تطوير قدراتها العسكرية والامنية.

في ضوء هذه المعطيات، فإن آفاق هذا الاتفاق مفتوحة على أكثر من سيناريو. إما أن يكون له تأثير الدومينو، أو بعبارة أدق تحوّله إلى بوابة يعبر منها من يقفون في الصف، أو انهيار الاتفاق لاحقا أو تموضع ما بين الحدين السابقين.

- يجهد العدو ومن ورائه الرئيس ترامب لأن يكون الاتفاق مع الامارات بداية مسار جديد على صعيد التسوية. وتتوالى التقارير التي تتحدث عن مؤشرات على اتجاه البحرين والسودان، وربما ايضا السعودية (المسألة توقيت فقط) التي توقع ترامب أن تلتحق بالمسار الاماراتي - الإسرائيلي الذي أراد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن يبدأ بالامارات، كما كشفت صحيفة يديعوت احرونوت .  

- فيما يتعلق بسيناريو انهيار الاتفاق، فهو مرهون بما ستشهده المنطقة من تطورات، وتحديدا منطقة الخليج. ومن الواضح أن من قد يتخلى عن هذا الاتفاق هو الامارات وليس كيان العدو، وإن تم ذلك فسيكون على قاعدة الكلفة والجدوى. مثلًا في حال دفعت الامارات أثمانا نتيجة استغلال كيان العدو للاتفاق عبر الاقدام على خطوة متسرعة ضد ايران، عندها لن تتمكن "تل ابيب" من حماية النظام الاماراتي وسيجد نفسه امام خيارين إما دفع أثمان لا تطاق، أو التخلي عن الاتفاق.

مع ذلك، قد تختار الامارات في مرحلة لاحقة، بحسب التطورات، خيارًا بين الحدين، فتواصل علاقاتها التطبيعية مع كيان العدو على مستوى التكنولوجيا المتقدمة والحرب السيبرانية وشراء الأسلحة المتطورة والتعاون الاستخباراتي والزراعة والصحة...لكن تتفادى الخطوط الحمراء التي تستفز طهران، من قبيل القواعد العسكرية أو اتفاقيات الدفاع المشترك.

في كل الأحوال، فإن الكلمة الفصل تبقى دائما للشعب الفلسطيني على أرضه، وعلى المستوى الاقليمي تبقى كلمة الفصل لمحور المقاومة والمسار التصاعدي الذي يسلكه في بناء وتطوير قدراته التي تتوإلى نتائجها ومن ضمنها، تحالف الانظمة والقوى السياسية التي تشعر أنها مهدَّدة، وما اتفاق ابو ظبي - "تل ابيب"، إلا ترجمة لهذا المسار التصاعدي.

الإمارات العربية المتحدةالتطبيع

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة