طوفان الأقصى

خاص العهد

 غذاء نصف سكان لبنان في خطر.. وقدرات الدولة محدودة
31/08/2020

 غذاء نصف سكان لبنان في خطر.. وقدرات الدولة محدودة

فاطمة سلامة

تتّفق معظم التقارير والدراسات التي ترصد حالة لبنان الاجتماعية والاقتصادية أنّ الأوضاع وصلت الى الدرك الأسفل. لم يعد خافياً على أحد أنّ شرائح واسعة من الشعب اللبناني باتت تجد صعوبة في تأمين سلّتها من الاحتياجات الأساسية. أعداد كبيرة من اللبنانيين تنضم يومياً الى لائحة المتضرّرين من هذا الواقع، وسط ازدياد نسبة البطالة بشكل غير مسبوق. والمؤسف أنّ الساحة اللبنانية تكاد لا تتنفّس بفعل التحديات والضربات المتتالية ما يجعل الوضع أكثر صعوبة، ويُنذر بالأسوأ القادم اذا لم يتم تدارك الأوضاع. وفي هذا الصدد، جاءت الدراسة التي صدرت عن الإسكوا مؤخراً والتي أشارت الى أنّ  نسبة الفقر في لبنان ارتفعت حتى 55 بالمئة. وأمس الأحد تبعتها دراسة أخرى عن المنظمة ذاتها تحت عنوان "هل من خطرٍ على الأمن الغذائي في لبنان؟". وفق الدراسة، فإنّه قد يتعذّر على نصف سكان لبنان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية الأساسية. 

رمال: دراسة واقعية 

عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي الأستاذ عدنان رمال يعتبر في حديث لموقع العهد الإخباري أنّ دراسة "الاسكوا" مكملة للتقرير الذي صدر مؤخراً والذي أشار الى أنّ 55 بالمئة من سكان لبنان باتوا فقراء. بنظر رمال، فإنّ الدراسة جدية وواقعية وتعد بمثابة جرس إنذار للبنان لأنها أجريت بناء على أرقام الدولة ومؤسساتها وقدراتها الفعلية، رغم  أنّ الدراسة أغفلت في بعض جوانبها مبدأ التكافل الاجتماعي والمساعدة التي تسود بين الناس عبر الجمعيات او المغتربين، إلا أنّ هذا التكافل لن يكفي بطبيعة الحال نظراً لصعوبة الواقع. ويوضح رمال أنّ عدم قدرة نصف سكان لبنان على تأمين حاجاتهم الأساسية يعني بالمنظور الاقتصادي تراجعاً اقتصادياً كبيراً جداً سيؤدي حكماً الى إقفال الكثير من المؤسسات الاقتصادية في لبنان على أنواعها وسيولّد أزمة بطالة وأزمة إفلاسات كبيرة، لأن قلّة الاستهلاك ستؤثر حتماً على المؤسسات التي لن تجد من يشتري منها.

 

 غذاء نصف سكان لبنان في خطر.. وقدرات الدولة محدودة

الليرة فقدت 80 بالمئة من قيمتها والتضخم وصل إلى حدود الـ150 بالمئة 

ويوضح رمال أنّ الدراسة أجريت منذ حزيران 2019 حتى تموز 2020، تلك الفترة التي شهدت ارتفاعاً في أسعار السلع تراوح بين 112 و 140 بالمئة، مع العلم أن جزءاً من المواد الأساسية لا يزال حتى هذه اللحظة مدعوماً كالقمح والمحروقات والدواء. وبحسب رمال، عندما يصبح لدينا تضخم عالٍ جداً في أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية كما هو حاصل اليوم ستزداد نسبة البطالة بشكل كبير وستتدنى القدرة الشرائية وتفقد العملة المحلية قيمتها، وهو ما نعاني منه اليوم حيث فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب الـ80 بالمئة من قيمتها ووصل التضخم الى حدود الـ150 بالمئة وهو ما دفع بجهات عدة الى الحديث عن مرحلة ما بعد الدعم بعد تلويح مصرف لبنان برفع الدعم عن السلع خلال ثلاثة أشهر. 

الحل في خيار "البطاقة الممغنطة" 

ويشير رمال الى أنّنا أمام مشكلة كبيرة بعد رفع الدعم، ومن هذا المنطلق طرحنا في المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدة أفكار كبدائل من ضمنها دعم الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود والأكثر حاجة عبر بطاقة ممغنطة. هذه البطاقة تسمح لتلك الفئات أن يكون لديها مبلغ مالي شهرياً يتراوح ما بين الـ 500 و600 ألف ليرة ما يخولها سد الفارق في الأسعار بعد رفع الدعم.  برأي رمال، هذه هي التقنية الأفضل لأننا اليوم أمام دعم شامل لا يفرّق بين غني وفقير، فالغني يستفيد على حساب الفقير. وهنا تبرز لرمال وجهة نظر تقول بضرورة رفع الدعم لأننا نوفّر المبلغ المرصود حالياً للدعم -والذي يتراوح شهرياً ما بين الـ500 الى 700 مليون دولار-، ونقدّمه للعائلات المحتاجة ما يعطي مظلة لهؤلاء تشعرهم بالأمان الاجتماعي. وفق قناعات رمال، فإن تقديم الدعم بالمطلق يستفيد منه المواطن المحتاج والغني على حد سواء ما يجعل قيمة الدعم مكلفة على الدولة اللبنانية أكثر من دعم الأسر بشكل مباشر. 

ما المعايير التي ستتحدّد على أساسها العائلات المحتاجة لحصولها على البطاقة الممغنطة؟ يجيب رمال عن هذا السؤال بالقول "هنا لب المشكلة". برأيه، فإنّ الخوف اليوم من أن يجري التعاطي مع هذه القضية على أساس الطريقة اللبنانية وتبعاً لمنطق الطائفية والمحاصصة بحيث تدخل المحسوبيات هذه العملية، وبذلك من يدري قد يتم نزع المساعدة من أمام فقير لإعطائها لميسور بدافع طائفي. ويضيف رمال أنّه في حال رفعنا الدعم أو خففناه ولم نؤمّن المستلزمات والحاجات الأساسية للمحتاجين عبر طريقة أخرى سواء بطاقة ممغنطة أو غيرها، سنكون أمام كارثة كبيرة تؤدي الى أزمة اجتماعية اذ قد تزداد الحوادث الأمنية عبر ازدياد أرقام الجريمة أو السرقة ما يضعنا أمام تدهور اجتماعي أمني. 

التوجه لتخفيف الدعم 

ويوضح رمال أنّ التوجه حالياً من قبل مصرف لبنان وبعض المؤسسات نحو تخفيف الدعم أو تحديده. وفق حساباته، قد يتغيّر شكل الدعم لإطالة أمد مبلغ الملياري دولار المتبقي الى حين تلقي لبنان مساعدات أو قروض من مؤسسات عالمية لتأمين "الدولارات"، لأنّه كما هو معلوم هناك هامش للتحرك يكفي لثلاثة أشهر، أما الـ17 مليار و500 الف دولار فلا يجوز المس بها لأنها ودائع الناس. وبحسب معلومات رمال، لن يكون هناك رفع للدعم بشكل مطلق، بل قد يجري دعم بعض المواد على أساس سعر المنصة أي ما يقارب الأربعة آلاف ليرة، وهناك مواد قد يجري شراؤها تبعاً لسعر السوق السوداء ما قد ينذر بارتفاع سعر صرف الدولار بعد زيادة الطلب عليه. وفق رمال، نحن أمام معضلة شراء الوقت ومن يدفع الثمن هو المواطن اللبناني، فكما أن الهندسات المالية التي أجراها مصرف لبنان سابقا كانت في سياق شراء الوقت، يتكرر السيناريو اليوم عبر هندسات مالية جديدة غير معلنة فيما يتعلق بالدعم. 

قدرة الدولة على المواجهة شبه معدومة

هل من إمكانية للدولة لمواجهة هذا الواقع الصعب؟. يأسف رمال لإنّ قدرة الدولة على المواجهة شبه معدومة وليس هناك من حل سوى بتلقي دولارات نقدية من الخارج عبر قروض أو مساعدات. هذا هو الحل الوحيد للأسف، فنحن أمام عجز تام لمواجهة الأزمة الاقتصادية والنقدية والتي ستؤدي الى أزمة اجتماعية أمنية مفتوحة. وهنا يلفت رمال الى أننا في المجلس الاقتصادي الاجتماعي كنا قد وضعنا بيد الحكومة المستقيلة ورقة تراعي كافة الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية من خلال إيجاد رزم وحوافز للاقتصاد اللبناني ومن خلال إعفاءات تقدمها الدولة للقطاعات الاقتصادية، فضلاً عن تأجيل المهل لتنفيذ الالتزامات ودعم الأسر الفقيرة وإيجاد صندوق للبطالة لتيسير أمور المحتاجين. ويوضح رمال أننا أرفقنا الخطة بالعديد من الخطوات التي من الممكن تنفيذها ولكن لغاية الآن لا شيء جديا، متمنياً من الحكومة الجديدة الأخذ بهذه الخطة لأنها تسهّل عليها المهمة، فهي خطة مدروسة أنجزت بعد اجتماعات مع العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والجمعيات الأهلية والمدنية.

إقرأ المزيد في: خاص العهد