يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

رفع الدعم عن المحروقات والكارثة الكبرى 
29/08/2020

رفع الدعم عن المحروقات والكارثة الكبرى 

فاطمة سلامة

يتوسّع الحديث اليوم عن تداعيات رفع الدعم عن المواد الأساسية -إن حصل- على كل بيت لبناني. تلويح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بهذه الخطوة بعد الوصول الى عتبة الاحتياطي الالزامي أي عند حدود الـ 17.500 مليار دولار تقاربه جهات كثيرة من منظور القرار الانتحاري للدولة اللبنانية. لهذه الخطوة انعكاسات واسعة؛ فنحن لا نتحدّث عن رفع الدعم عن مواد كمالية بل أساسية وتدخل في صلب يوميات المواطنين. فلو أخذنا على سبيل المثال، وقف الدعم عن المحروقات، هل لنا أن نتخيّل ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة لمختلف فئات الشعب اللبناني؟. المحروقات لا تعني فقط التنقل عبر الآليات بل تعني توليد الكهرباء عبر المولّدات، وتشغيل المصانع وغيرها الكثير من القطاعات الحيوية التي تُشكّل المحروقات عنصراً أساسياً في عملها. فماذا يعني رفع الدعم عن المحروقات؟ وما خطورة هذه الخطوة؟. 

جدعون: الخطوة لا تزال غير رسمية لكن إن حصلت ستحمل تداعيات واسعة 

مدير عام وزارة الصناعة داني جدعون يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن قضيّة رفع الدعم عن مواد أساسية من ضمنها المحروقات، فيشير بدايةً الى أنّ هذه الخطوة لا تزال حتى الآن غير رسمية ولا حتمية. يرجّح جدعون أن يكون كلام الحاكم قد أتى في سياق التحذير وعليه ليس بالضروري أن نبني على هذا الأمر تجنباً لخلق حالة من الهلع تؤدي حكماً الى تهافت المواطنين على شراء السلع والبضائع. علينا أن نقارب هذه القضية -وفق جدعون- بحكمة وروية. ولكن في حال قضي الأمر وجرى رفع الدعم فإنّ لهذا القرار تداعيات على الكثير من القطاعات -وفق جدعون- وليس فقط على الصناعة، خصوصاً أننا على أبواب الشتاء ما يجعلنا نسأل عن مصير الكهرباء والمولدات. 

المحروقات عنصر أساسي في عمل كافة المصانع 

ويشير جدعون الى أن المحروقات تشكّل عنصرا أساسيا في عمل كافة المصانع اذ لدينا ما يفوق الـ6000 مصنع مرخّص في لبنان، مع الإشارة الى أنّ هناك الكثير من المصانع غير مرخّصة خاصة في الأطراف والمناطق البعيدة واليوم يجري العمل على قوننة هذه المصانع  عبر استيفائها الشروط القانونية والفنية مع وجود العديد من المشاكل التي نعمل على حلها حيث يحل مشروع المناطق الصناعية الاستراتيجية كبديل. 

حاجة المصانع من الفيول تتراوح بين الـ70 الى 80 ألف طن سنوياً 

وفيما يدعو جدعون لعدم الذهاب بعيداً في التهويل، يشير الى ضرورة أن نكون حذرين فرفع الدعم سيحمل تداعيات واسعة ما يدفعنا الى البحث عن بدائل وحلول. برأيه، فإن الحذر واجب لكن في المقابل فإنّ الحلول دائماً موجودة، وفي هذا الإطار بدأنا منذ فترة في وزارة الصناعة مفاوضات مع بعض سفراء الدول التي تمتلك بترولاً وفي الوقت نفسه لا يسبب التعامل معها أي مشكلة سياسية كالجزائر والعراق والكويت. ووفق جدعون، قد جرى الحديث عن الكثير من الطروحات منها المقايضة لاستيراد المحروقات. وبحسب جدعون فإنّ التعاون مع هذه الدول بمجال المحروقات كفيل بتأمين حاجة المصانع. وهنا يؤكّد جدعون بالاستناد الى دراسة أنجزت أن حاجة المصانع من الفيول -بدون مصانع الترابة- تبلغ حوالى الـ6000 طن في الشهر أي ما بين الـ70 الى 80 ألف طن سنوياً، فيما تتراوح الحاجة الكلية بين الـ90 الى 100 ألف طن سنوياً. أما فيما يتعلق بالمازوت فلا رقم دقيقا للحاجة الكلية خاصةً أنه يدخل في عمل الشاحنات، ويجري الآن العمل على إنجاز دراسة لتظهير الرقم الدقيق. 

فياض: تداعيات كبيرة جداً على مختلف أسعار السلع

من جهته، نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط جورج فياض يرى أنّ رفع الدعم عن المحروقات سيكون له تداعيات كبيرة جداً على مختلف أسعار السلع التي يجري دعمها اليوم بنسبة 90 بالمئة وفقاً للسعر الرسمي 1515. وفق حسابات فياض، عندما يتم رفع هذا الدعم فإنّ الأسعار سيجري مضاعفة سعرها الحالي بحدود الخمس مرات. وبحسب قناعات فياض، يختلف التأثير على اختلاف أنواع المشتقات النفطية، فتأثر مستهلكي البنزين سيكون أقل من المازوت لأنّ البنزين قد يقتصر على تنقل الأشخاص الذين قد يكون باستطاعتهم تدبير أمورهم، ولكن المازوت له استخدامات متعدّدة فهناك قطاعات عديدة يُشكّل المازوت جزءاً مهماً من عملها كالصناعة، الزراعة، وإنتاج الكهرباء للمولدات. كل هذه القطاعات ستتأثر -بحسب فياض- بأكلاف عالية ما يطرح السؤال حول قدرة المواطن على التحمل. برأي فياض فإن الوضع دقيق خاصة مع تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

ويلفت فياض الى أنّ قرار رفع الدعم هو قرار سياسي أتي نتيجة وضع اقتصادي صعب في ظل غياب الأموال اللازمة للاستمرار لكن النتيجة ستكون اجتماعية، فالمواطنين الذي تزنّرهم الأزمات سيجدون صعوبة كبيرة في التأقلم. وفق فياض، فإنّ سعر صفيحة المازوت أو البنزين سيصبح بحدود خمسة أضعاف عما هو عليه اليوم، مع الإشارة الى أنّ سعر النفط العالمي غير ثابت وهناك بعض العناصر التي تتأثر بالدولار.

القطاع الخاص والمنشآت النفطية يستوردان سنوياً ما يقارب المليوني طن من المازوت 

وبالأرقام، يشير نقيب أصحاب الشركات المستوردة الى أنّ القطاع الخاص والمنشآت النفطية يستوردان سنوياً ما يقارب المليوني طن من المازوت، فيما تبلغ كلفة القطاع النفطي بين الأربعة والخمسة مليارات دولار سنوياً، طبعاً هذا الأمر يتعلّق أيضاً بحجم التغذية الكهربائية، فعندما تنقطع الكهرباء يزداد حجم الحاجة الى المازوت لتوليد الكهرباء عبر المولدات. ويلفت فياض الى أنّ الاستهلاك الأكبر يأتي للمولدات، بعدها النقل البري ثم الصناعة، موضحاً أنّ ارتفاع الأسعار بعد رفع الدعم سيتفاوت بين قطاع وآخر بحسب ما تشكّل الطاقة من تكلفته، فلنفترض مثلاً أن كلفة الطاقة تشكّل 10 بالمئة من كلفته، فإنّ هذه الـ10 بالمئة ستؤثر حكماً على سعره النهائي. 

ويشير فياض الى أنّه وفي حال جرى رفع الدعم فإننا ذاهبون نحو وضع صعب، فلهذه القضية نواح اجتماعية واقتصادية يجب البحث عن بدائل وحلول لها عبر تدخل الدولة، وأحد الحلول -بنظره- قد تكون مساعدة القطاعات بشكل مباشر كي لا يتأثر المواطن بشكل كبير. 

أبو شقرا: رفع الدعم سيخلق كارثة اجتماعية

بدوره، ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا يصف في حديث لموقع "العهد" الإخباري رفع الدعم -إن حصل- بالكارثة الاجتماعية. لكنّ أبو شقرا وتبعاً للاتصالات الحاصلة اليوم مع المعنيين يستبعد أن تقدم الحكومة اللبنانية على هكذا قرار خاصةً في ظل الوضع الموجود وغياب أي تثبيت لسعر صرف الدولار. يدعو أبو شقرا لمقاربة الأمر بشفافية ووضوح، فإيقاف الدعم يعني ترك مستوردي المحروقات لمصيرهم لتأمين الدولار ما يطرح السؤال: على أي دولار ستتم عملية شراء المحروقات؟. برأي أبو شقرا رفع الدعم يعد بمثابة قرار جنوني ستكون نتائجه كارثية على المواطن بشكل خاص. 

في حال رفع الدعم لا سقف لسعر صفيحتي البنزين والمازوت

كم سيبلغ سعر صفيحة البنزين أو المازوت في السوق السوداء في حال رفع الدعم؟ يجيب أبو شقرا بالإشارة الى أنه وفي حال رفع الدعم لن يكون هناك سقف، فلو حسبنا أن سعر الصرف كان ثمانية آلاف ليرة، حينها سيتضاعف سعر الصفيحة. يلفت أبو شقرا الى أنه يتم استيراد المحروقات اليوم بدعم من مصرف لبنان يتراوح بين 85 الى 90 بالمئة، حيث يتم تأمين هذه النسبة من "دولارات" الفاتورة على أساس سعر الصرف 1515. وفي حال جرى رفع الدعم وكان سعر صرف الدولار 4000 ليرة -يقول أبو شقرا- سيضاعف حكماً سعر صفيحة البنزين البالغ اليوم 23000 مرتّين ونصفا، أما في حال بلغ سعر الصرف 8000 حينها يصبح سعر صفيحة البنزين أكثر من مئة ألف ليرة، وهذا من غير المعقول والمنطقي أن يحصل يضيف أبو شقرا الذي يؤكّد أنّ كافة الاتصالات التي نجريها مع المعنيين تؤكّد أن لا شيء مما يقال حول رفع الدعم يُطبخ على النار، مرجّحاً أن يكون ما يروج له اليوم في سياق الضغط السياسي لا أكثر ولا أقل. بنظره، في حال أقدمت الحكومة على هذه الخطوة سنكون أمام كارثة اجتماعية، محذراً من اللعب بأسعار البنزين لأنّ "البنزين يُولّع" البلد.

مصرف لبنانالمحروقات

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة