نصر من الله

عاشوراء2020

مفردات الاحياء العاشورائي: تشكيل الهيئات والمواكب  3/8
26/08/2020

مفردات الاحياء العاشورائي: تشكيل الهيئات والمواكب 3/8

الشيخ علي خازم
قد يكون التعبير بـ"المراسم الحسينية" أقرب الى الواقع لجهة ما يوحيه عنوان "الاحياء العاشورائي" من ارتباط زمني بالعاشر من محرم فيما تتجاوزه عملية الاحياء فتقع اضافة اليه قبله وبعده على امتداد السنة حيث صارت قراءة شيء من السيرة الحسينية ومجالس الابكاء سنَّة في احياء ذكرى أي ميت شيعي فضلاً عن المسنون شرعاً والخاص ببعض الايام والليالي المباركة.

وكذلك فإن الاحياء أعم من الزماني فيشمل ما يتعلق بالمكان كما في شأن تعظيم وتكريم تربة كربلاء وماء الفرات، وما يتعلق بالشهداء الحسينيين من أهل البيت والصحابة الكرام.

وعلى الرغم من الثبات النسبي في عدد من مفردات الاحياء إلا ان الواقع الشيعي يشهد تغيراً في التفاصيل أو بعضها يرتبط بالخصوصية الثقافية لكل شعب وإن كان تطور عالم الاتصالات ومن قبله التطور في وسائل ووسائط النقل أسهما في تشكيل صورة شبه موحدة للاحياء إضافة الى التوجيه الشرعي من علماء الشيعة ومراجعهم كما في دعوة ولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي الى إقامة صلاتي الظهر والعصر يوم العاشر جماعة في نهاية المسيرة العاشورائية.

في الحلقة الثالثة نتناول تشكيل الهيئات والمواكب

3ـ تشكيل الهيئات والمواكب: مواكب العزاء ومواكب اللطم ومواكب السلاسل ومواكب التطبير ومواكب الشبيه:
بعد انتهاء الاستماع الى المجلس الحسيني وتمام الاحتفال، وفي الايام الاخيرة من عشرة المحرم ويوم الاربعين خصوصاً ينطلق الشيعة في ما يسمى بالموكب أو المسيرات الحسينية وفق تنظيم خاص، و"الموكب" أو "الهيئة" يطلق على مجموع المشاركين وعلى المنظمين. في العراق وإيران تشكل المدن والبلدات مواكب وهيئات باسمها ـ وهي حالة يفتقدها لبنان ـ ويختص بالمجالس والمواكب الحزينة وتتشكل أيضاً مواكب خاصة بأصحاب الحرف والتجَّار والجمعيات، ولكل موكب رئيس ومساعدون ويتكون الموكب عادة من أربعة مواكب هي موكب العزاء الذي يشبه موكب الجنازة وموكب اللطم وموكب السلاسل الحديدية وموكب التطبير يضاف عليها يوم العاشر ويوم الاربعين "موكب الشبيه".

تجري مواكب اللطم والسلاسل عادة في المساء، أما موكب التطبير فيكون يومي التاسوعا والعاشورا مساءً وصباحاً.

موكب اللطم هو موكب يضم الرجال والصغار تلطم صدورها ورؤوسها بالأيادي وتشكَّل من مجموعات صغيرة تدعى "جوكات" في العراق تردد مع اللطم ردة أو ردات مختلفة بوزنها الشعري الخاص ونغمات وبتغير النغم يتغير ايقاع اللطم، ولبعض المدن أنغامها الخاصة بها. وقبل الثورة الاسلامية في إيران شهدت مدينة مشهد مواكب لطم نسائية ولم تكن معروفة من قبل.

يتميز موكب اللطم في الايام الاخيرة في إيران والعراق بحمل هودج ضخم أو مشعل ضخم أو ما يسمى بلسان الشمر وهو قطعة حديد مرنة تتمايل للامام والخلف على هيئة لسان الكلب ، ويفترض أن يصل الموكب الى ساحة واسعة حيث يقف الرادود على منبر متشح بالسواد وفي العراق تحيط به حلقة دائرية كبيرة من ذوي الصدور المكشوفة ويأخذون في اللطم الشديد بما يستغرق نصف ساعة تفريباً ويسمى "الوقفة" ثم تليها "القعدة" ينشد خلالها الرادود قصيدة ثانية من دون أن يلطم الجالسون على صدورهم بل يكتفون بترديد "الرده" وهي عجز من البيت الاخير في المقطع الشعري بعدها يقومون ثانية بالوقفة الثانية التي تستمر نصف ساعة حتى يصل اللطم الى ذروته وحين ذاك يأخذ الرادود بخفض صوته رويداً رويدا ويختم بالدعاء.

ولن نتحدث عن موكب السلاسل والاقفال والتطبير تأدباً وإن كان البحث الاجتماعي يسمح بذلك.

يتصدر الموكب عادةً عدد من الخيول المدماة والاعلام والبيارق المتعددة الاشكال والالوان حيث يكون لكل محلة أو حهة العلم الخاص بها وفي العراق مواكب مشهورة كموكب طويريج  ـ وهو موكب بني أسد وعمره ثلاثمائة سنة تقريباً ـ وفي الكاظمية موكبان متميزان احدهما "عزاء الغرباء" ينطلق به مجموعة صغيرة باللباس الاسود وبدون غضغءة وينتهي بما يشبه التشرد في الازقة وموكب آخر يسمى "عزاء الملائية" ويتشكل من علماء الدين المعممين خاصة ، وقد عرفنا في لبنان مؤخراً نموذجاً غير مكتمل لما يسمى في العراق بموكب الشبيه وكان مختصاً بيوم الاربعين وهو عبارة عن تمثيل لهيئة إخراج الاسرى والسبايا إلى الشام ، وكان العراق يشهد موكب "قافلة السبايا" ليلة العاشر وتشهد أغلب البلاد الشيعية ما يسمى بموكب عرس القاسم للنساء والأطفال.

المواكب عموماً في البلاد الشيعية لا تختلف إلا في التفاصيل ، فلدى الهنود ما يدعونه "زيارات" وهي مواكب عزاء وعروض مسرحية شعبية سيَّارة تحمل الاعلام والرايات حيث توضع في رؤوس أعمدتها قبب صغيرة مذهَّبة أو فضية أو نحاسية وتوضع أيضاً كف ذهبية أو نحاسية تدعى "بنجه" ترمز الى كف العباس المقطوعة ولها تفسير خاص سنتحدث عنه لاحقاً.

وتحمل المسيرات الهندية والباكستانية "الضريح" وهو حجرة صغيرة لها قبة ترمز الى عرس القاسم وأمامه وحوله خيول مطهمة وأعلام سوداء ثم يأتي جواد الامام الحسين "ذو الجناح" وهو أبيض اللون ذو سرج ثمين وملون بألوان زاهية، وهو جواد حي لا تمثال كالذي نراه في مسيرة صورفي لبنان، وتتميز مواكب باكستان بتقديس هذا الجواد فيغطى أثناء سيره بأكوام الزهور ويتبركون به ويتمسحون به ويعادل تقديسهم له تقديس البقرة عند الهند.

بعض المواكب تحمل الى جانب "الضريح" "التابوت" وهذا يشمل الكثير من البلاد الشيعية ويرمز الى قبر الامام الحسين أو جدِّه عليهما السلام .

مفردات الاحياء العاشورائي: تشكيل الهيئات والمواكب  3/8

أما في بنغلادش فيتقدم المواكب جوادان واحد للامام الحسين (ع) هو "ذو القنا" وآخر للقاسم بن الحسن يسمى "دلول" وهذه الاحصنة تشبه الوقف فهي لا تستخدم إلا في المواكب الحسينية.

تمر المواكب الحسينية في الهند وباكستان أمام حفرة مستطيلة أو دائرية في الارض مؤججة بالنيران يأخذون من جمرها وخشبها المشتعل ما يتباركون به في كي أجسادهم أو المشي عليها وأعمال أخرى عجيبة لا أصل لها.

المواكب في الهند وباكستان وبنغلادش جميعاً تكون يومي التاسع والعاشر وتختص بنغلادش بموكب اليوم الثاني أما الهند وباكستان فتخصص بمواكب الاربعين والسابع والثامن من ربيع الاول.

بعد الانتهاء من المراسم يوم العاشر تنطلق المواكب في دكا عاصمة بنغلادش باتجاه البحيرة حيث ترمى فيها الاعلام والبيارق وكذلك في الهند وباكستان تنتهي المواكب عند نهر أو بحيرة.

وتتميز مدينة "لكنو" في الهند بأن أعظم مواكبها يكون يوم الثامن من ربيع الاول.

ونقل أحد الصحافيين المصورين في ريبورتاج عن جزيرة "ترينيداد" في البحر الكاريبي قرب كوبا أن المسلمين في عاصمتها بورث اوسباين يقومون بإعداد هودج كبير مطعَّم بالذهب والفضة وملون بألوان زاهية يحملونه في مسيرة كبيرة يوم عاشورا تحف بهم الطبول والآلات الموسيقية بألحان حزينة تنتهي بالقاء الهودج في البحر، وأوضح أن البحر والأنهار هنا ترمز الى الفرات.

وتكمن قيمة المواكب في الهند والباكستان وحتى في العراق في فترة ما الى أنها تشتمل كما مجالسها على غير الشيعة من المسلمين وغيرهم وما ذكرناه عند الحديث من المجالس بخصوص العراق يأتي بنفس الحجم في موصوع المواكب، فقد وصل في تلك السنة 1920 موكب أهالي الاعظمية يتقدمه الشيخ أحمد الشيخ داوود الى الكاظمية حيث استقبلهم السيد محمد الصدر وكان أهل الاعظمية السنَّة يرددون:
جـيـت   أنـاشــدكــم    يـا    شـيــعـة              صـدق       زيـنـب     سـلـبـوهـا

ثم يجيبهم أهل الكاظمية :
اي     وحـق     جـدهــا   وأبـوهـا              حـتـى      الـخـيـم       حـرقـوهـا

ومن آثار هذه القيمة تحوَّل البدو في إيران وكثير من سنَّة العراق الى التشيع وهو شأنٌ تنبَّه إليه باحثون أجانب وعراقيون.

يقول الدكتور علي الوردي في كتابه "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي" عند إشارته الى التوزيع الطائفي في منطقة ديالى: ".. وليس في النادر أن نرى محلة سنية تشارك محلة شيعية في بعض مواكبها ومجالسها الحسينية وقد تشاركت أيضاً في تقديس مراقدها وأئمتها، ففي مدينة الناصرية أخذوا ـ أي أفراد الطائفة السنية ـ يشاركون في مواكب الشيعة ويحضرون مجالسهم وربما أخرج بعضهم مواكب خاصة بهم، وهذا يدل على أنهم سائرون في سبيل التشيع تدريجياً".

وينقل جعفر الخليل في موسوعة العتبات المقدسة عن المستر "توماس لايل" الذي اشتغل في العراق معاوناً للحاكم السياسي في الشامية والنجف بين 1918-1921 من كتابه "دخائل العراق" بعدما شهد مواكب العزاء ولطم اللاطمين فيها (ولم يكن هنالك أي نوع من الوحشية أو الهمجية ولم ينعدم الضبط بين الناس، فشعرت ـ وما زلت أشعرـ بأنني توصلت في تلك اللحظة الى جميع ما هو حسن وممتلىء بالحيوية في الاسلام ، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما ان يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً، وانتهجا السبل القويمة، ولا غرو، فلهؤلاء الناس عبقرية فطرية في شؤون الدين).

وبناءً على هاتين الملاحظتين وباستقراء واقع المواكب في لبنان وتنظيمها فإني أرجو الاستفادة القصوى من النواحي التعبيرية فيها والحرص على رقابة الردات وتحسين الأداء لما لذلك من تأثير جاذب للشيعة وغيرهم كما نلاحظ من إيجابات في مسيرة العاشر في بيروت الغربية.

عاشوراء 2020

إقرأ المزيد في: عاشوراء2020