يوميات عدوان نيسان 1996

موكب الأحزان

مفردات الاحياء العاشورائي 2/8
24/08/2020

مفردات الاحياء العاشورائي 2/8

الشيخ علي خازم
قد يكون التعبير بـ"المراسم الحسينية" أقرب الى الواقع لجهة ما يوحيه عنوان "الاحياء العاشورائي" من ارتباط زمني بالعاشر من محرم فيما تتجاوزه عملية الاحياء فتقع اضافة اليه قبله وبعده على امتداد السنة حيث صارت قراءة شيء من السيرة الحسينية ومجالس الابكاء سنَّة في احياء ذكرى أي ميت شيعي فضلاً عن المسنون شرعاً والخاص ببعض الايام والليالي المباركة.
وكذلك فإن الاحياء أعم من الزماني فيشمل ما يتعلق بالمكان كما في شأن تعظيم وتكريم تربة كربلاء وماء الفرات ، وما يتعلق بالشهداء الحسينيين من أهل البيت والصحابة الكرام.
وعلى الرغم من الثبات النسبي في عدد من مفردات الاحياء إلا ان الواقع الشيعي يشهد تغيراً في التفاصيل أو بعضها يرتبط بالخصوصية الثقافية لكل شعب وإن كان تطور عالم الاتصالات ومن قبله التطور في وسائل ووسائط النقل أسهما في تشكيل صورة شبه موحدة للاحياء إضافة الى التوجيه الشرعي من علماء الشيعة ومراجعهم كما في دعوة ولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي الى إقامة صلاتي الظهر والعصر يوم العاشر جماعة في نهاية المسيرة العاشورائية.
في الحلقة الثانية نتاول مجلس العزاء ومتعلقاته

2 ـ مجلس العزاء والبكاء المتضمن لذكر المصيبة والرثاء نثراً وشعراً بالفصحى والعامية وما يتعلق به من وعظ وارشاد وغير ذلك:

لعل مجلس العزاء والبكاء على الامام الحسين وأهله وأصحابه هو أول أشكال المراسم الحسينية تأسيساً وهو اليوم الجامع المشترك في الاحياء الشيعي لذكرى الامام الحسين عليه السلام، وقد نشأ بتوجيه مباشر من الائمة سلام الله عليهم ولا تخلو محلة فيها شيعة من إقامة المجلس الحسيني على الاقل في عشرة محرم.
وقد إختلف تنظيم المجلس شكلاً ومضموناً في القرن الاخير خصوصاً فضلاً عن اختلافه بين منطقة شيعية وأخرى بحسب معطياتها الثقافية وعزلتها أو تواصلها مع المناطق الشيعية الاخرى أو مع غير الشيعة من المسلمين أو المسيحيين وغيرهم... فوجدنا مجلساً يملأه الجانب العاطفي والبكاء الى أقصى الحدود ومجلساً آخر ليس فيه إلا النظر الفكري ، والرؤية التاريخية أو الابداع الادبي ، ووجدنا مجلساً خاصة بالشيعة ومجالس مشتركة مع السنة أو غير المسلمين ، لكن الغلب على المجالس اليوم أنها تجمع بين الاحياء العاطفي لإسالة العبرة والاحياء الفكري لاتخاذ العبرة ويؤدى ذلك بالجمع بين القارىء والعالم أو كون القارىء نفسه عالماً دينياً متمكناً.
والجامع الاساسي بين المجالس الحسينية هو ذكر المصيبة والتمايز يكون بالشكل والاسلوب والحجم ومقتضياتها وكذلك تحديد أيام اقامتها بدءاً وإنتهاءً عدا ما يقام لنذر أو تكريم أو طلب ثواب. وسنتعرض لمكان اقامتها عند الكلام على النقطة المتعلقة بتأسيس التكايا والحسينيات.
ولنبدأ بملاحظة الاختلاف في البداية الزمانية لاقامة المجالس الحسينية فبينما يبدأ العالم الشيعي مجالس العزاء في الاول من محرم الذي صار مناسبة تشبه العيد عند السنَّة يتأخر شيعة الهند للبدء في الاحياء الى الخامس منه في كشمير التي تعد عاصمة الشيعة ، وفيما تنتهي المجالس في اليوم العاشر من المحرم كما كان يسمى عندنا "يوم الفلَّة" تتأخر في بلاد أخرى الى الاربعين ويتميز أهل الهند وباكستان باستمرارها الى السابع أو الثامن من ربيع الاول وهو يوم وفاة الامام العسكري عليه السلام آخر أيام الائمة الشهود الذي يكون أول أيام إمامة الحجة الغائب عجَّل الله تعالى فرجه ويعدّ عندهم أكثر الايام حزناً.
بينما يعتمد بعض فرق الصوفية والعلويون في الاناضول شهر تشرين الاول موعداً للإحتفال بالذكرى ويسمونها (يزر قرباني) أي ضحية الصيف.
وإذا أردنا ملاحظة المجالس من حيث الشكل فانها تتفاوت بين أن تتشكل من الخطيب الحسيني وحده مع الجمهور أو بتعدد المتحدثين الى الجمهور، ومما ينبغي ذكره وشكره هنا أن مجالسنا في لبنان كانت قبل رعاية حزب الله لها وفيما عدا الشاذ النادر تبدأ بقراءة مسجَّلة للقران الكريم وهي نقطة لم يتعرض لها الاصلاح للمجالس وحسناً ما جرى ونرجوا أن يستمر مع اضافة قراءة الزيارة آخر المجلس إنشاء الله.
والمتحدثون الى الجمهور اليوم فضلاً عن الخطيب الحسيني أحد العلماء يتبعهما الرادود الحسيني وبعض المجالس ليس فيها رادود وقد يضاف على القارىء والعالم أحد الشعراء فضلاً عن عريف الاحتفال أو مقدمه.
تقام المجالس وتدار من قبل هيئات أو أفراد ويقيم العلماء الكبار والمراجع مجالس يديرها وكلاؤهم ومعاونوهم وبتفاوت مكان وحجم المجلس تتفاوت طريقة الجلوس ويبدو أن طريقة الجلوس على الارض هي الاقرب الى التأثير في نفوس المستمعين ، لكن بعض المجالس تحتاج الى اعتماد الجلوس على الكراسي وبينما تحرص بعض المجالس على توجيه الحاضرين الى القبلة تتسامح مجالس أخرى في المسألة وهذا شأن ينبغي التركيز عليه.

مفردات الاحياء العاشورائي 2/8

تنقسم المجالس عادة الى مجالس عامة ومجالس خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء ، ويتعين توقيت المجلس تبعاً لعوامل متعددة باختلاف اوضاع المنطقة التي تقام فيها بحيث لا تعمل النساء كون مجالسهن صباحية وخاصة وقد تكون المجالس مشتركة لكنها تقام قبل غروب الشمس وعلى أي حال فالاولى رعاية المسألة حتى لا تكون مورداً للشبهات الشرعية والإجتماعية كما لاحظ البعض في تأخر وقت المجلس ليلا ، ومما ينبغي الفات النظر اليه هنا ضرورة الاستفادة من العناصر النسائية المميزة ثقافياً في إلقاء الكلمات ونقل ذلك عبر الاذاعة والتلفزيون وغيرها.
من حيث مضمون القراءة التي يقدمها الخطيب الحسيني سنأخذ بالعناوين فقط لان الكلام على المحتوى تكفل به بحث آخر، فنشير الى أن اساس المجالس قد تشكل في العراق وانتقل منها الى بقية العالم الشيعي لكن باختلاف يسير بحسب الناقل والمكان المنقول اليه لكن عموماً بقي الالتزام بطريقة تقسيم القراءة على الليالي وترتيب المجلس ، فقد ذكر المقدّس السيد محسن الامين العاملي عند وصفه لدراسته الاولية في بنت جبيل سنة 1301هـ ووصول الشيخ موسى شرارة اليها من النجف الاشرف في تلك السنة بقوله:" وأحيا- أي الشيخ موسى- اقامة العزاء لسيد الشهداء ورتَّب لذلك مجالس على طريقة العراق"، ويستطرد واصفاً المجالس العزائية التي تقام ليلاً في هذه المدينة ويقول:" وفي اليوم العاشر منه تعطَّل الأعمال الى ما بعد الظهر ويقرأ مقتل أبي مخنف ثم تزار زيارة عاشوراء"... "وأما القرى التي ليس فيها نسخة المجالس فيقتصر على قراءة المقتل يوم العاشر ويقرأ منه في ليلتين أو ثلاث قبل ليلة العاشر حتى يكون الباقي الى يوم العاشر خاصاً بالمقتل وحده...وكانت المجالس التي أنشأها الشيخ موسى على ما فيها من عيوب أصلح بكثير مما تقدمها وكانت مبدأ الاصلاح لمجالس العزاء الحسيني".
وقد جرت العادة ان يقرأ في كل يوم من الايام العشرة شيئاً من السيرة فتكون اليوم الاول لذكرى الحر وحبيب وغيره من الانصار حتى اليوم الخامس الذي يخصص لقصة استشهاد مسلم بن عقيل والسادس لقصة إستشهاد علي الاكبر والسابع لقصة استشهاد القاسم بن الحسن والثامن لاستشهاد الطفل الرضيع والتاسع لاستشهاد أبي الفضل العباس والعاشر لقراءة جامعة أو خصوص استشهاد الامام الحسين.
وتتميز بعض المجالس العامة الكبرى في العراق منذ اليوم السابع من محرم "بمشاهد تمثيلية فردية وبسيطة حيث يدخل الى المجلس صبي بزي عربي وهو يحمل سيفاً ويقوم بأداء دور "جاسم" وهو القاسم بن الحسن (ع) وأحياناً يدخل ومعه صبية صغار يحملون أطباقاً نحاسية مملوءة بأغصان الآس (الريحان) وبينها الشموع والحناء، كما يدخل في أحيان أخرى فارس يمثل دور العباس بن علي وهو يحمل على كتفه قربة من الماء وفي يده راية الحسين (ع) الخضراء...
وتختتم المجالس عادةً بلطمية من قيام الرجال ومن جلوس النساء على الصدور أو الركب ويقود هذه اللطمية الرادود للرجال والمُلاية للنساء، ويكون مضمون القصيدة الفصيحة أو العامية متعلقاً باليوم الذي تنشد فيه ، وقد عرف العراق ولبنان نماذج من الردَّات ذات مضمون سياسي يتعلق بالقضايا العامة كقضية فلسطين والحروب الاسرائلية العربية أو جهاد المقاومة الاسلامية كما ظهرات ردات تتعلق مضامينها بالاوضاع الاجتماعية الخاصة وبرز في العراق والبحرين ولبنان ردَّات خاصة بقضية وحدة المسلمين آخرها ما جاء به الرادود صالح الدرازي في قصيدة : يا أبا الزهراء خذنا" ومما جاء فيها ـ على أخطائها ـ:
انه العالم يرهب الوحدة ليس يبغيها                           فهي أخطار هددته كيف كيف يحميها
قفوا  يا  رفاقي  في  خط  لا  يُفلَّ                             وقولوا   سلاماً    لجهل   ان    ولَّى
فشيعي   وسنيٌ   ذراعٌ   ما   شلَّ                              لصفٍ    موحّد    نقول    يا   أهلا

وخلافاً لما شهده لبنان سنة 1994 من القاء متفجرات على أحد المجالس في بيروت الغربية من قِبَل عناصر حاقدة وما تشهده بعض المجالس من عراك شهدت العراق أمثالها بين الشيعة أنفسهم فإن العراق والهند وباكستان في بعض مناطقها ولبنان في فترة الاحتلال الاسرائيلي شهدت مجالس مشتركة بين الشيعة وغيرهم .
 في هذه النقطة أنقل ما ذكره الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الذي سأعود إليه عند الحديث عن "الموكب" فقد أورد أنه سنة 1920 شهد العراق ظاهرة لم تكن مألوفة هي نبذ عوامل الاختلاف بين الشيعة والسنة ، وتوحيد صفوفهم ، وقد تميز ذلك التقارب في إقامة إحتفالات دينية تجمع بين المولد النبوي على الطريقة السنية ومجلس العزاء الحسيني في ظاهرة يمكن تسميتها "المولد العزاء"، وقد أقيمت تلك الاحتفالات حتى نهاية شهر رمضان من تلك السنة وقد أثار ذلك التقارب مخاوف الانكليز الذين حاولو مراراً إثارة النعرات القومية والطائفية... وقد ظهرت تلك المخاوف على لسان المس بيل المستشار الانكليزي في بغداد حينذاك في رسالتها الى والدها في انكلترا المؤرخة في 1 حزيران/ يونيو 1920 حيث وصفتهم بأنهم يعيشون حالة "هياج عنيف" ويشعرون من جراء ذلك بالقلق وقالت : "وان المتطرفين اتخذوا خطة من الصعب مقاومتها وهي الاتحاد بين الشيعة والسنَّة أي وحدة الاسلام، وهم يستعملون ذلك الى اقصى الحدود".
وسننقل في آخر المقالة أقوال أجانب آخرين، وبالعمل على هذا النهج نستجلب اخواننا السنَّة للمشاركة في المجالس شعبياً لا علمائياً فقط بصورتها الانتقائية.
ومن المفردات التي ينبغي التمسك بها في المجلس الحسيني إهداء الثواب في آخره للمؤسس وموتى الحاضرين وكذلك طلب الشفاعة وقضاء الحوائج لتعلق القلوب بها لان ساعة اختتام المجلس ساعة يكون الحاضر فيها قد فقد كل ارتباط بالماديات وتوحَّد مع سيرة أهل البيت عليهم السلام .
وباختصار شديد فإن أبرز السلبيات في المجالس إنما تتأتى من جهة المضامين لا من جهة الشكل بل لعل الشكل هو العامل الايجابي الأبرز الذي يجلب المشاركين في هذه الايام مما يستدعي الاهتمام به فنياً ومتابعته وتطويره والاحتياط للسنوات القادمة التي ستشهد ازدحاماً اكبر وستشهد في الوقت نفسه مطراً وبرداً وهو أمر سنتحدث عنه في موضوع إقامة الحسينيات.

عاشوراء 2020

إقرأ المزيد في: موكب الأحزان