يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

تركیا تواجه
14/08/2020

تركیا تواجه "الناتو" وتنافس فرنسا في لبنان

سركيس ابو زيد

مع زیارة الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون ونائب الرئیس التركي "فؤاد أوكتاي" الى بیروت، تحول لبنان إلى ساحة جدیدة للصراع والتنافس بین فرنسا وتركیا، تُضاف الى الساحة اللیبیة..

فاجأ ماكرون في لقائه مع ممثلي الأحزاب اللبنانیة، في قصر الصنوبر، الحاضرین بتحذیرھم من التحرك التركي في شمال لبنان وخطره على لبنان، منبّھا الى خطورة الدور التركي في المنطقة وضرورة العمل لمنع تركیا من استغلال الأزمة اللبنانیة كي تطل مجددًا على البحر المتوسط بعد تدخلھا العسكري في لیبیا ودول أخرى.

شعرت أنقرة بأنھا في مرمى الاستھداف الفرنسي، فكان الرد بزیارة أوكتاي - تشاووش أوغلو. ولسان حال تركیا: إذا كانت فرنسا استعمرت لبنان 25 سنة، فإن تركیا حكمته أربعمئة سنة.

قبل حادثة انفجار المرفأ، كثر الحدیث عن الدور التركي في لبنان. وزیر الداخلیة محمد فھمي تحدث رسمیًا عن مجموعات تحرضھا تركیا. ورئیس تكتل لبنان القوي جبران باسیل أشار إلى تدخل تركي أمني وتعاون بعض الأجهزة الأمنیة اللبنانیة مع ھذا التدخل. السفیر التركي في لبنان حاقان تشاكیل أجرى اتصالات واسعة مع المسؤولین اللبنانیین لدحض ھذه الاتھامات ونفیھا. لكن انفجار بیروت جاء فرصة أخرى لكي توضح أنقرة مباشرة ھذا الموضوع، من خلال مسؤولین رفیعي المستوى. من هنا جاءت الزیارة التركیة استباقیة في مواجھة قوى على خصام وتنافس معھا، مثل مصر والسعودیة والإمارات. تركیا تستفید من حالة الفراغ التي أحدثھا انكفاء العرب، وعززت نفوذها في لبنان. التنافس التركي الفرنسي هو من ساحات المواجهة التركية في المتوسط.

في البحر المتوسط یدور صراع حاد، وتركیا ترید اقتطاع حصتھا من النفط والغاز. لذلك، سارع أردوغان الى توقیع الاتفاقات الأمنیة والاقتصادیة مع حكومة الوفاق الوطني في لیبیا التي تھدف الى حمایة خطط تركیا والتمدد في میاه البحر المتوسط وتوسیع نفوذھا في مواجھة أطراف إقلیمیة تضم مصر والیونان وقبرص و"إسرائیل". وھذه الاتفاقیات أثارت اعتراضات واسعة على المستویین الإقلیمي والدولي. ومقابل اتفاقیة ترسیم الحدود البحریة بین تركیا ولیبیا، تم التوقیع على اتفاقیة ترسیم الحدود البحریة بین مصر والیونان، وھو ما شكل مفاجأة لتركیا لم تدخل في حساباتھا.

أطلق الرئیس التركي رجب طیب إردوغان دعوة لاجتماع تشارك فیه دول حوض البحر المتوسط جمیعًا لإنتاج صیغة لتقاسم موارد المنطقة. وشدد أكار وزیر الدفاع التركي على أن تركیا عازمة ومصممة وقادرة على حمایة حقوقھا ومصالحھا فیما سماه بـ"الوطن الأزرق" (في إشارة إلى البحرین المتوسط والأسود وبحر إیجة) بما في ذلك شمال قبرص، قائلًا إنه "لا فرصة لتحقیق أي مشروع في شرق المتوسط بدون تركیا وجمھوریة شمال قبرص التركیة (غیر معترف بھا دولیا)، وإن أنقرة لن تسمح أبدا بفرض أمر واقع في المنطقة".

التوتر الذي أحدثه التحرك التركي، دفع الیونان إلى وضع أسطولھا البحري في حالة استعداد وإعلان التأھب في صفوف الجیش. ودعت الیونان مجلس العلاقات الخارجیة للاتحاد الأوروبي لاجتماع طارئ من أجل بحث الأنشطة التركیة في شرق البحر المتوسط. وقال وزیر الخارجیة الیوناني نیكوس دندیاس إن أثینا لن تقبل بسیاسة الأمر الواقع في البحر المتوسط.  

من جهتها، قامت قبرص وفرنسا بتفعیل اتفاقیة تعاون دفاعي استمرت عامین حیّز التنفیذ، وذلك اعتبارا من أول آب الجاري، تغطي مجالات الطاقة وإدارة الأزمات ومكافحة الإرھاب والتعاون الأمني البحري بین البلدین. وقال وزیر الدفاع القبرصي شارلامبوس بیتریدیس، في بیان، إن قادة الدولتین اتفقوا أیضا على تدریبات مشتركة وتنظیم زیارات متبادلة في إطار أنشطة القوات المسلحة للبلدین. وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء تطورات الأوضاع في البحر المتوسط، مؤكدًا دعمه قبرص والیونان، وأنه على استعداد لاتخاذ إجراءات كرد فعل على أفعال تركیا في شرق المتوسط.    

یقول دبلوماسیون أوروبیون إن تركیا، أصبحت "القضیة المسكوت عنھا" في "الناتو". فالحلف نفسه یقول إنھا مسألة لا یرید مناقشتھا. كما یشیر مسؤولو الحلف إلى أن تركیا، العضو الكبیر في "الناتو" منذ عام 1952، عضو قوي وذو أھمیة استراتیجیة، ولذلك فھي أكبر من أن یسمح الحلف بدخولھا في مواجھة مفتوحة. وفیما ترفض تركیا أي انتقاد لسلوكھا، یعتقد بعض سفراء "الناتو" أن أنقرة باتت تمثل تحدیا مفتوحا لقیم المجموعة الدیمقراطیة ودفاعھا الجماعي. وقد دخلت تركیا في خلاف متفاقم مع حلفائھا الغربیین حول لیبیا وسوریا والعراق وروسیا، وحول موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط. وفي ھذا الصدد، صرح فیلیب جوردون، مستشار السیاسة الخارجیة ومساعد وزیر الخارجیة الأمیركي السابق، الذي تعامل مع تركیا خلال إدارة أوباما، بأنه من الصعب وصف تركیا بأنھا حلیف للولایات المتحدة. ورغم ازدراء الرئیس دونالد ترامب لـ"الناتو"، وإعجابه الواضح بإردوغان. وتتفاقم ھذه الانقسامات الاستراتیجیة لتشمل دعم تركیا لمختلف الجماعات المسلحة في سوریا، وشراءھا نظامًا روسیًا متطورًا مضادًا للطائرات عام 2019، رغم اعتراضات حادة من قبل الولایات المتحدة وأعضاء "الناتو" الآخرین، وانتھاكھا حظر الأسلحة في لیبیا، وتنقیبھا العدواني عن الغاز في شرق البحر الأبیض المتوسط. وقد جرت آخر مناقشة جادة لسیاسات تركیا بین سفراء "الناتو" أواخر العام الماضي. والمعروف أن أعمال حلف "الناتو" تسیر بإجماع الدول الأعضاء، لذا یمكن أن تعرقل الاعتراضات التركیة أي سیاسة تقریبا... والأخطر من ذلك أن تركیا منعت لعدة أشھر خطة "الناتو" للدفاع عن بولندا ودول البلطیق. كما ترید تركیا من حلف الناتو أن یصنف مختلف الجماعات الكردیة المسلحة كمجموعات إرھابیة، وھو أمر لا یفعله "الناتو".

حتى يحقق اردوغان احلامه دخل في خلافات ومواجهات في المتوسط مع الناتو وبعض الدول العربية ومع فرنسا خاصة في لبنان وليبيا. هل يتابع مسار التصعيد أم سنشهد قريبًا تسويات؟

 

فرنساتركيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل