يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

كارثة بيروت.. هل من أوجه شبه مع كوارث بغداد؟
11/08/2020

كارثة بيروت.. هل من أوجه شبه مع كوارث بغداد؟

بغداد: عادل الجبوري

   سواء كانت الفاجعة الانسانية المروعة التي تعرضت لها العاصمة اللبنانية بيروت قبل بضعة أيام، قد وقعت بسبب سوء الادارة والاهمال والفساد، أو أنها نتاج مخطط تخريبي تقف وراءه أطراف داخلية وخارجية، فإن حجم التدمير الهائل الذي أحدثته كان كافيًا لدق ناقوس الخطر لدى أكثر من بلد، ومن بينها العراق، لتجنب تكرار ما حصل، خصوصًا اذا كانت مجمل الظروف السياسية والأمنية مهيأة ومتاحة لذلك.

   "نترات الامونيوم"، تلك المفردة التي شغلت حيزًا كبيرًا من التناول والتداول والاهتمام والتحليل والتدقيق بعيد فاجعة مرفأ بيروت، من جانب لها تاريخ حافل وطويل بوقوع الكوارث المشابهة، ومن جانب آخر، كانت وما زالت، وربما ستبقى احدى أدوات الارهاب التدميرية، بصرف النظر عما اذا كانت أنظمة سياسية وحكومات أو مجاميع ومنظمات تقف وراءه.

   فخلال المائة عام الماضية، أي منذ عام 1920 وحتى الآن، تسببت نترات الامونيوم بثماني كوارث كبرى على النطاق العالمي، حيث وقعت الكارثة الاولى في احد المصانع بمدينة اوباو الالمانية في عام 1921، اذ إن خلط أكثر من أربعة آلاف طن من نترات الأمونيوم مع كميات من الديناميت كان كافيًا لقتل خمسمائة وواحد وستين شخصًا.

   وفي عام 1947، اهتزت مدينة بريست الفرنسية إثر انفجار سفينة شحن نرويجية "أوشن ليبرتي" كانت محملة بمئات الاطنان من مادة نترات الامونيوم، وقد ألحق ذلك الانفجار المروع خسائر وأضرارا بشرية ومادية كبيرة. وفي ذات العام لقي اربعمائة وستة وثمانون مواطنًا أميركيًا مصرعهم، فيما أصيب أكثر من ثلاثة الاف اخرين، جراء تفجر شاحنتين محملتين بنترات الامونيوم في ميناء تكساس.    

  وفي التاسع عشر من شهر نيسان-ابريل من عام 1995، فجّر رجل عبوة وزنها طنان من السماد المكون أساسًا من نترات الامونيوم أمام مبنى فيدرالي اتحادي في مدينة أوكلاهوما الاميركية، مما أدى الى مقتل مائة وثمانية وستين شخصا.

   فيما تسبب انفجار ثلاثمائة طن من تلك المادة داخل مستودع لأحد المصانع في مدينة تولوز الفرنسية عام 2001، بمصرع وجرح مئات  الاشخاص، فضلًا عن الاضرار المادية الهائلة التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة في المدينة.  

   وفي عام 2004 سقط اكثر من مائة وخمسين قتيلًا وأصيب أكثر من ألف آخرين، الى جانب تدمير أكثر من ثمانية آلاف منزل بمدينة  رينغشون الكورية الشمالية بعد انفجار عربة قطار كانت محملة بكميات من نترات الامونيوم.

   ومرة اخرى شهدت ولاية  تكساس الاميركية في عام 2013 تفجيرًا آخر لمخزونات نترات الامونيوم بمصنع "ويست فيرتلايزر" للأسمدة، وأسفر عن مصرع واصابة مئات الاشخاص.

   وكان التفجير الأخير قبل تفجير مرفأ بيروت، وقع في عام 2015 بمدينة تيانجين الصينية، بمستودع للبضائع الخطيرة في ميناء المدينة، ليودي بحياة ما يقارب مائتي شخص والحاق تدمير شبه كامل بمنطقة التفجير.

   والملاحظ أن أغلب التفجيرات المشار اليها حدثت في دول متقدمة الى حد كبير، يفترض أنها تمتاز بوجود انظمة وقوانين صارمة، فضلًا عن توفر معايير الامن فيها بالمستوى المطلوب.

  وفي دول مثل لبنان والعراق، فإن مجمل الظروف والاوضاع السياسية، من حيث مستوى الاستقرار وحجم التدخلات الخارجية وتعدد الولاءات وتفشي الفساد وسوء الادارة والتخطيط، وانتشار الجماعات والتنظيمات الارهابية فيها، تتيح بشكل او باخر وقوع الكوارث والفواجع الكبرى.

  وضمن التصور العام، لم يشهد العراق طيلة الأعوام السبعة عشر المنصرمة كارثة مماثلة أو شبيهة بكارثة مرفأ بيروت، الا انه تعرض الى عمليات ارهابية وتفجيرات مختلفة بسبب الارهاب أو نتيجة الفساد، مع أهمية التأكيد على أن هناك عوامل ومؤثرات مشتركة يتحرك من خلالها كل من الارهاب والفساد، مضافا اليهما سوء الادارة والتخطيط والاهمال.  

   بيد أن خبراء امنيين يتحدثون عن أوجه شبه بين ما حصل في بيروت مؤخرا، وانفجار ارهابي وقع في قاطع عمليات سامراء جنوب محافظة صلاح الدين في عام 2015، خلال عمليات تحرير المدينة من عصابات "داعش" الاجرامية، علمًا أن تقارير عديدة، تؤكد أن التنظيمات الارهابية ومنها "داعش"، كانت تستخدم نترات الأمونيوم بكثرة بسبب توفرها بالأسواق باعتبارها مادة تجارية غير ممنوعة، حيث كانت تلك التنظيمات تقوم بخلطها مع مواد مُحرضة على الانفجار تعمل بمثابة الصاعق، ومن اهم هذه المواد "أسيد الرصاص" و"اسيد الفضة" و"بروكسيد الهكسامين".

   وبعيدا عن الاستغراق في الخصائص والصفات العلمية لنترات الامونيوم، وعوامل احتراقها وتفجرها، فمما لاشك فيه هو ان هناك امكانية لاستخدامها في العمليات الارهابية، ناهيك عن ان سوء تخزينها ونقلها واستخدامها يمكن ان يحدث نتائج لا تقل كارثيتها ودمويتها عن العمليات الارهابية، وما حصل في مرفأ بيروت، قد يأتي في سياق الافتراضين معا.  

   ولعل هذا ما دفع دولًا مختلفة، في مقدمتها العراق، الى جرد وتدقيق مخزونات المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، واتخاذ الاجراءات العاجلة لنقل المواد شديدة الخطورة الى مواقع أخرى أكثر أمانًا وأقل خطرًا.

   وطبيعي أن مثل هذه الاجراءات تعد ضرورية جدًا لدرأ المخاطر المترتبة على تخزين المواد الكيمياوية بكميات كبيرة في مناطق مزدحمة وآهلة بالسكان، لكن قد يكون الأمر الأكثر أهمية، هو ذلك المتمثل بكيفية احباط المخططات التخريبية التي تقف وراءها أطراف معادية، كجزء من الحرب المتواصلة بشتى الوسائل والادوات والاساليب ضد دول ومجتمعات معينة من اجل الحؤول دون بلوغها مرحلة الاستقرار الحقيقي، وما كان يحصل من تصعيد واحتقان سياسي في العراق بعد كل عملية ارهابية او حدث مروع، وما يجري من تفاعلات وتداعيات في المشهد اللبناني حاليا، تعد مؤشرات ودلائل كافية على وجود اياد خفية تحرك الامور وتوجهها بطريقة معينة، ناهيك عن ان تعاطي بعض وسائل الاعلام والمنابر السياسية العربية والغربية مع مثل تلك الوقائع والاحداث، عبر خطابات تحريضية فتنوية يعزز ويكرس هذه الرؤية.

   وكما هو دأبها دائما، راحت وسائل الاعلام السعودية والاسرائيلية والاميركية وغيرها، تطلق الاتهامات جزافا بشأن الكارثة الكبيرة التي تعرضت لها العاصمة اللبنانية بيروت، فبينما ما زالت نيران التفجيرات المروعة مشتعلة، وسحب الدخان تغطي سماء بيروت، والدمار والخراب يعم كل الاماكن، واشلاء الضحايا ودماؤهم متناثرة هنا وهناك، ولم تتبين بعد اية مؤشرات ودلائل على كل خلفيات واسباب الانفجارات، سارعت ماكنة الاعلام السعودي ومعها ماكنة الاعلام الاسرائيلي الى اتهام حزب الله اللبناني بالوقوف وراء وقوع تلك الكارثة، مرة من خلال الادعاء بأن اطنان نترات الامونيوم التي تفجرت تعود الى الحزب، ومرة بالادعاء ان الحزب هو من قام بتفجيرها لتحقيق اهداف سياسية معينة.

   ولا تختلف هذه "البروباغندا" عن تلك التي تشن من ذات الجهات ضد الحشد الشعبي وبعض القوى والشخصيات السياسية والدينية في العراق عند وقوع الكوارث والازمات، بحيث لم تعد تنطلي حقيقة الأهداف والأجندات المراد تحقيقها من وراء حملات التشهير والتسقيط وتزييف الحقائق واثارة الفتن.

   ومن دون شك، أن كثيرًا من التفاصيل والجزئيات المتعلقة بتفجير مرفأ بيروت تختلف الى حد كبير عن تفاصيل وخلفيات تفجيرات نترات الامونيوم العالمية الثماني المشار اليها انفا، وذلك أمر طبيعي لأن مساحة المصادفات انحسرت كثيرا لصالح مساحة الاجندات، وما بعد الكارثة-الفاجعة لا يمكن ان يؤشر الى خلاف او عكس ذلك.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات