ramadan2024

خاص العهد

نخب سياسية واكاديمية عراقية: مؤتمر
27/01/2019

نخب سياسية واكاديمية عراقية: مؤتمر "وارسو" سيولد ميتا

بغداد ـ عادل الجبوري

لم تخرج مواقف ورؤى نخب سياسية واعلامية عراقية مختلفة بخصوص مؤتمر "وارسو" المزمع عقده منتصف شهر شباط/ فبراير المقبل، عن سياق حملات المواقف الرافضة لذلك المؤتمر، الذي لايتعدى كونه خطوة اخرى من خطوات واشنطن وحلفائها لتضييق الخناق على طهران وعموم محور المقاومة.

ولان ذلك المؤتمر الذي تم تأطيره بموضوعة الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، اوجد المزيد من الجدل والسجال بين الفرقاء، وفتح الباب واسعا لاصطفافات وتصعيد سياسي كبير، فأنه من الطبيعي ان يكون للعراق، موقف حياله، بدا واضحا من خلال تصريحات واحاديث بهذا الشأن لشخصيات اعلامية واكاديمية وثقافية عراقية، حذرت من الاساليب والوسائل الاميركية ـ الصهيونية للاجهاز على كل مواضع القوة والمقاومة في المنطقة، وبالتالي تمرير الاجندات والمشاريع الهادفة لتفكيكها وتفتيتها واغراقها بالحروب والصراعات الداخلية.

وتترسخ القناعات بطبيعة وحقيقة الاجندات والمشاريع التدميرية والتخريبية، حينما نجد ان عقد مؤتمر "وارسو" يأتي في ظل وقائع واحداث مختلفة، تتحرك كلها بنفس المنحى وبذات المسار، من قبيل فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على ايران، والسعي الاميركي لتكريس الوجود العسكري في المنطقة، لاسيما في العراق، والانقلاب في فنزويلا، واتساع نطاق المواجهة الاميركية ـ الروسية، الى جانب محاولات الرئيس الاميركي دونالد ترامب المحمومة لاستنزاف اموال وثروات دول وشعوب المنطقة تحت ذريعة توفير الحماية لها.

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث الاكاديمي المتخصص بالشؤون الاستراتيجية احمد العقيلي، ان ما يراد من مؤتمر "وارسو"، هو التعويض عن الخسائر والانكسارات التي لحقت بالمحور الاميركي ـ الصهيوني ـ السعودي على مدى الاعوام الثمانية الماضية، في سوريا واليمن والعراق وايران ولبنان، وحشد حلفاء واتباع اخرين.

والاكثر من ذلك ـ والكلام للعقيلي ـ السعي المحموم لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، التي ثبت فشلها قبل بضعة اعوام، لانها لم تعد لواشنطن الا بالمزيد من الانكسارات والخيبات.

وفي اطار اوسع واشمل، كتب وزير الداخلية العراقي الاسبق باقر جبر الزبيدي، قائلا "منذ بداية ثورات (الربيع العربي) قلناها بوضوح وصراحة، بأن ما جرى في تونس ومصر وليبيا وسوريا خلال المرحلة السابقة، وحالياً في السودان وستليها تونس(٢) والسعودية ماهو إلا استمرارا للمخطط الغربي. وان هدف القوى الكبرى الحالية وفي مقدمتها أمريكا هو إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية، على خلفيات طائفية وإثنية وذلك بالاستفادة من الانقسامات المجتمعية والسياسية والمذهبية الموجودة في غالبية الدول العربية والإسلامية، وبما ان ملامح (سايكس ـ بيكو) رسمت حدودا لعراق يتضمن المكونات الرئيسية (الأغلبية العربية والكورد) وكذلك سوريا، لبنان، اليمن، البحرين، السعودية والكويت، اما تركيا فقد أرتبط كيانها الجيوسياسي الحالي بمعاهدة سيفر عام 1920 والتي أقترحت كياناً للأكراد في جنوب تركيا وألغيت بمعاهدة لوزان عام 1923، ومن هنا بدأت واشنطن لأعادة أستثمار الحالة الاثنية والطائفية لهذه الدول من اجل خلق صراعات جديدة تستغلها في تحقيق مشاريعها المعدة للمنطقة".

ويتوقع الزبيدي، ان تلجأ الولايات المتحدة الاميركية الى أتباع أساليب وخطط جديدة لتنفيذ أجنداتها المرسومة في ظل المتغيرات الجديدة.

ولعل مؤتمر "وارسو" وما ينطوي عليه من حراك، ربما يكون من الاساليب والخطط الجديدة التي اشار اليها الوزير العراقي الاسبق.

اما الباحث والاعلامي حسن عبد راضي، فيقول في سياق حديثه عن السياسات الاميركية، "ان وظيفة امريكا الوحيدة في مجلس الأمن هي تأريث الشرور والحروب الأهلية، وحيثما وضعت امريكا أقدامها انهار السلام وسالت الدماء أنهارا، وها هي اليوم تحاول أن تشعل حربا أهلية في فنزويلا لأنها "دولة غير ديمقراطية" كما تزعم امريكا واعلامها الجهنمي، كما لو أن القارة الأمريكية الجنوبية "جنة ديمقراطية" وليست مرتعا للديكتاتوريات التي زرعتها المخابرات الأمريكية نفسها".

ومن حيث الجوهر والمضمون، فأن استهداف ايران وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي واليمن، لايختلف عن استهداف نظام الحكم في فنزويلا، او عن مجمل مشاريع ومخططات "ثورات الربيع العربي" التي تسببت بسفك الكثير من الدماء وازهاق المزيد من الارواح في العالمين العربي والاسلامي، دون ان تفضي الى اصلاح الاوضاع السلبية وتصحيح المسارات الخاطئة.   

من جانبه يرى الاعلامي محمد الحمد، "ان مؤتمر "وارسو" المقرر انعقاده في العاصمة البولندية منتصف شباط / فبراير القادم فشل حتي قبل الانعقاد، وماتقوم به الادارة الامريكية عن طريق وزير خارجيتها مايك بومبيو هو حالة من التسول بين هذه الدولة وتلك لحثهم واقناعهم لحضور المؤتمر بحجة مناقشة ملفات الشرق الاوسط، بيد انه في الحقيقة يعد استهدافا للجمهورية الاسلامية في ايران، اذ انه يأتي بالتزامن مع ذكرى انتصار الثورة المباركة للجمهورية الاسلامية بزعامة قائدها الامام الخميني الخالد".

ويقول الحمد، "ان الادارة الامريكية والصهيونية تعاني من الهستيريا، لذلك نرى تخبطاتهم في المنطقة، فالكيان الصهيوني يريد حفظ ماء وجهه بعد الهزيمة النكراء التي لحقت به مؤخرا عن طريق ابطال المقاومة الاسلامية في غزة، وامريكا ترى ان جميع مخططاتها ومشاريعها في المنطقة فشلت فشلا ذريعا، لذلك تريد ارسال رسالة لعملائها في المنطقة مثل آل سعود وبعض الانظمة العربية من خلال اقامتها لمؤتمر "وارسو"، مفادها ان امريكا معهم وان الاموال التي دفعوها لن تذهب سدى، وهذا ايضا استمرار لمسلسل الحلب الذي تمارسه امريكا مع هذه الانظمة".

وفي ذات الاتجاه يؤكد رئيس مركز الهدف للدراسات الاستراتيجية هاشم الكندي، "ان مؤتمر "وارسو" هو محاولة امريكية جديدة للتحايل على العالم وخداعه وتزييف الحقائق وقلبها وجعل الجاني ضحية، والضحية جاني، وان امريكا تهدف من خلال المؤتمر الي تحريك الاجواء ضد ايران التي عجزت وفشلت في اضعافها، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية الممتدة منذ عقود، او عبر المؤامرات التي تحاك ضد الجمهورية الاسلامية من قبل الامريكان او من قبل اتباعهم في المنطقة".

ويضيف الكندي قائلا، "يحاول الامريكان ان يشكلوا تجمعا من الدول التي تحاول ان ترتبط بهم سياسيا او اقتصاديا، او بعض الدول التي تخضع للتهديدات الامريكية والابتزازات التي يطلقها ترامب بين فترة واخرى". مشيرا الى "ان هدف واشنطن من وراء هذا المؤتمر وماسبقه من مؤامرات كثيرة جدا ضد ايران هو اظهار الجمهورية الاسلامية بأنها هي المسؤولة عن تهديد الامن في المنطقة، وواقع الحال يقول انها واحدة من دعائم وركائز الاستقرار في المنطقة، علما ان امريكا تدفع باتجاه خلق عدو وهمي لبعض الدول الشرق اوسطية، وفي مقدمتها البلدان النفطية، في محاولة لابتزازهم وشحنهم وتحفيزهم لشراء الاسلحة لتحريك عجلة الصناعة الحربية الامريكية بما يضمن مصالح الساسة الامريكان، من خلال هذا العدو الوهمي الذي يسمونه الجمهورية الاسلامية".

ولا شك ان مساحة الرفض الواسعة  لمؤتمر "وارسو" من قبل اطراف دولية واقليمية عديدة مؤثرة، مثل روسيا والاتحاد الاوربي والصين وتركيا واليابان، يؤشر الى انحسار وتلاشي فرص نجاحه، وهي الرؤية التي باتت تعتقد بها حتى بعض الاطراف المتحمسة له بقوة، مما يعني انه سيولد ميتا لا محالة.

إقرأ المزيد في: خاص العهد