طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

منافسة تركیة - روسیة - اسرائيلية على محور أذربیجان ـ أرمینیا
30/07/2020

منافسة تركیة - روسیة - اسرائيلية على محور أذربیجان ـ أرمینیا

سركيس ابوزيد

 تمتلك تركیا مشروعًا إقلیمیًا یقوم على التمدد التدريجي. وهي تنظر إلى جوارھا على أنه ساحات رخوة. واكتسب المشروع التركي زخمًا بفعل تفاقم التناقضات الدولیة وتزاید الصراعات الإقلیمیة، وتنامي الدعم المتصاعد الذي تقدمه أنقرة بسخاء للتنظیمات الرادیكالیة التي غدت أقرب إلى "وكلاء محلیین" یدینون بالولاء للقیادة التركیة، وباتت هذه القيادة تتولى مھام تدریبھم وتمویلھم سعیاً إلى توظیفھم في مشاریعھا الإقلیمیة. مشروع أردوغان الطموح ھو مزیج من قومیة عثمانیة وإسلام سیاسي، انطلق من سوریا وتمركز في قطر وحط رحاله في لیبیا، وسجل اختراقات متفاوتة الحجم والأھمیة في غزة والعراق وتونس والیمن والصومال، ومؤخراً وصل الى اذربيجان.

بعد سوریا ولیبیا والعراق، جبھة جدیدة تنفتح في منطقة على علاقة مباشرة بتركیا. أفادت معلومات أن مسلحین من فرقة "السلطان مراد ـ الجیش الحر"، الموالیة لتركیا، یستعدون للذھاب برفقة مسلحین تركمان إلى أذربیجان للقتال ضد الأرمن إلى جانب الأذریین. ولا یزال التوتر یخیّم على الحدود المشتركة بین أرمینیا وأذربیجان، العدوتین اللدودتین عرقیًا ودینیًا وسیاسیًا وعسكریًا. بعد الاتصالات التي أجراھا وزیر الخارجیة الروسي سیرغي لافروف، والدفاع سیرغي شویغو، مع الأذربیجانیین، بدأ حوالى 150 ألفا من القوات الروسیة، البریة والجویة، مناورات واسعة على طول الحدود الروسیة مع أذربیجان وجورجیا وأرمینیا، كرد فعل على المعلومات التي تحدثت عن احتمالات التدخل التركي المباشر في الاشتباك الأذربیجاني - الأرمیني. سبقت ذلك تصریحات متتالیة للرئیس التركي رجب طیب إردوغان، ووزیري الدفاع والخارجیة، ھددا وتوعدا فیھا أرمینیا بسبب عدوانھا على "الشقیقة أذربیجان".

ورددت التصریحات الرسمیة، ومعھا الإعلام التركي الموالي، أن تركیا على استعداد لتلقین أرمینیا الدرس الذي تستحقه، وھو ما تسعى إلیه أنقرة منذ فترة طویلة، إذ یقوم الضباط الأتراك بتدریب الجیش الأذربیجاني (قوامه حوالى 200 ألف مقابل 27 ألفا للجیش الأرمیني الذي ھزم أذربیجان وسیطر عام 1992 على إقلیم ناغورني قره باغ ذي الأغلبیة الأرمنیة، كما استولى على 7 أقضیة أذریة تحیط بالإقلیم).

بدأت أنقرة في السنوات الأخیرة بتسلیح الجیش الأذربیجاني، خاصة بالطائرات المسیّرة. وحرب الطائرات المسیّرة بین أذربیجان وأرمینیا بدأت قبل خمس سنوات، إثر شراء أذربیجان أسلحة ومعدات حربیة من "إسرائیل"، منھا طائرات مسیّرة متطورة من طراز "أربیت ھارمس" و"أوربیتار" و"ھاروب". وأقامت "تل أبیب" في المقابل قواعد أو مراكز عسكریة واستخباریة عدیدة في مختلف الأراضي الأذربیجانیة.
استھدفت "إسرائیل"  بذلك الجارة إیران لمراقبة كل التحركات العسكریة، وخاصة في المواقع النوویة شمال إیران وشرقھا القریبة من الحدود مع أذربیجان. وھو ما تقوم به قاعدة "كوراجیك" شرق تركیا، التي أقامھا الأمیركیون عام 2011، وتحدث الإعلام التركي والأمیركي والأوروبي آنذاك عن مھمة ھذه القاعدة لرصد كل التحركات العسكریة في سوریا والعراق وإیران ورصد الصواریخ البالیستیة الإیرانیة التي قد تستھدف "إسرائیل"، حتى یتسنّى لمنظومات "الدفاع" الإسرائیلیة التصدي لھا قبل أن تصل. وسبق لـ"إسرائیل" أن أقامت قواعد تنصت ورصد قرب العاصمة الجورجیة تبلیسي، وھي قریبة من إیران، واضطرت إلى إغلاقھا بعد الحرب الروسیة - الجورجیة صیف 2008.

أذربیجان، ذات الأصول القومیة التركیة والذكریات السیئة مع الأرمن، رجحت "إسرائیل" في تحالفاتھا على تركیا. فـ"اسرائيل" تغطي حوالى 40 في المئة من احتیاجاتھا من البترول الأذربیجاني، فیما تسھم شركة النفط الأذربیجانیة "سوكار" في عملیات البحث والتنقیب عن الغاز والبترول قبالة سواحل حیفا.

ویُنظر إلى العلاقات بین تركیا وأذربیجان على أنھما شعب واحد في دولتین. یُضاف إلى ذلك أن تركیا وأذربیجان تشكلان قاعدة قویة للمصالح الأمیركیة والأطلسیة، معطوفة على الوجود الاستخباري القوي لـ"إسرائیل" في أذربیجان ضد إیران.  

الجدید ھذه المرة الذي لفت انتباه المراقبین، ومنھم السفیر التركي السابق في باكو أونال تشیفیك أوز، ھو موقع الاشتباك في منطقة طوفوز الأذریة التي تقع على الحدود بین أرمینیا وأذربیجان مباشرة وبعیدة جغرافیًا عن منطقة قره باخ ولا صلة لھا بالتالي بأزمة قره باخ. وھذا، برأي تشیفیك أوز، قد یفتح نقطة توتر جدیدة بین تركیا وروسیا. كذلك تقع طوفوز على مقربة من الحدود الجورجیة. ومن مزایاھا الاستراتیجیة، أنه يمر بقربھا خط أنابیب باكو - تبلیسي - جیحان الشھیر للنفط والغاز وخط السكة الحدید الرئیسي والأوتوستراد البري الواصلان بین باكو وتبلیسي.

منطقة طوفوز لیست منطقة متنازعا علیھا بین أذربیجان وأرمینیا، بخلاف مناطق أخرى في قره باخ وخارجھا، وھذا یعني أن التوتر الجدید یتجاوز بأھدافه ما سبق أن نظر إلیه من عوامل تقلیدیة. الموقع الاستراتیجي لطوفوز دفع بالمحلل العسكري العقید المتقاعد أونال أتاباي إلى القول إن من مصلحة روسیا توسیع جبھة الصراع ضد تركیا التي تضغط على روسیا في لیبیا وسوریا وشرقي المتوسط. واستجرار الضغط على تركیا بتحریك جبھة القوقاز مناسب نظرا إلى أن تركیا قد لا تستطیع تحمل فتح عدة جبھات عسكریة دفعة واحدة، فتكون جبھة القوقاز ورقة مساومة بید روسیا تجاه تركیا ومن ورائھا الولایات المتحدة في الملف اللیبي.

لا شك أن روسیا في موقع الأقوى في الصراع في القوقاز نظرا إلى أن العلاقات بین باكو وأنقرة لیست مستقرة، حیث تنظر أنقرة - وفقًا للكاتب مراد یتكین - بحذر إلى التقارب الروسي الأذري. لذا تكتفي تركیا الیوم بالقیام بطلعات جویة عسكریة على الحدود مع أرمینیا وتقدیم مساعدات لوجستیة واستشاریة وعدم التوغل في ردود قد تفضي إلى جرھا إلى حرب لیست مستعدة لھا. كذلك، فإن تركیا لیست مرتاحة كثیرا للموقف الأذري ویتسم سلوكھا بالتردد، نتیجة اعتقادھا أن باكو تلعب لعبة مزدوجة: تتحدث مع أنقرة بالتركیة، وتتحدث مع موسكو بالروسیة. والمنافسة الاقليمية المتعددة والمتناقضة سوف تقرر مصير ومستقبل الصراع بين اذربيجان وارمينيا.

تركيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل