طوفان الأقصى

خاص العهد

 
14/07/2020

 "الجهاد الزراعي".. خطّة "جهاد البناء" في نهاياتها: ماذا في التفاصيل؟

فاطمة سلامة

ما الذي أوصل لبنان الى الدرك الأسفل اقتصادياً؟ ربما تختصر الإجابة عن هذا السؤال الإجابة عن الكثير من علامات الاستفهام التي تُغلف الواقع المزري الذي نعيشه اليوم. علّة العلل تكمن في النظام الريعي الأعوج الذي جعل كفّة الاستيراد تتغلّب بقوة على كفّة التصدير. جُلنا يعلم أنّ 85 بالمئة من غذائنا مستورد، ما جعلنا مرتهنين للخارج. ما جعلنا بلداً بلا سيادة اقتصادية وبلا أمن غذائي. هذه المشكلة لم تبرز سابقاً بالشكل الذي برزت فيه اليوم مع بدء حصاد تداعيات الاقتصاد "المدولر"، بعدما بات الدولار عملة نادرة. والمفارقة تكمن في أنّ لبنان بلد يمتلك كافة المقوّمات التي تجعل منه بلداً زراعياً وصناعياً. يمتلك أراضيَ كفيلة بجعله بلدا مكتفيا ذاتيا، ويمتلك الكادر البشري. لبنان لا ينقصه في هذا المجال سوى النية والإرادة للتحرر من العدوان الاقتصادي الذي تمارسه عليه أميركا ومن يلف لفها. ومن هنا جاءت دعوة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في السابع من تموز 2020 عبر إطلاق الجهاد الزراعي والصناعي أو المقاومة الزراعية والصناعية كخيار يؤسّس للخروج الإستراتيجي من الأزمة الاقتصادية الآتية، وكخشبة خلاص لهذا الوطن. فتحرر الإنسان من العبودية لا يعني فقط تحرره من الأسر أو الاستعباد، بل يعني تحرره من كافة أشكال التبعية العمياء ونيله السيادة حتى في أبسط الأشياء. وفي هذا الصدد من المفيد استحضار قول جبران خليل جبران "ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تنسج".

نداء سماحة السيد يترافق مع صياغة الخطط والمشاريع الكفيلة بتأمين البيئة الحاضنة لهذا النوع من الجهاد. يحرص حزب الله عبر مؤسساته على توفير كافة المقوّمات لتحويل المجتمع اللبناني الى مجتمع زراعي وصناعي. مؤسسة "جهاد البناء" واحدة من المؤسسات الأساسية التي سيكون لها اليد الطولى في هذا المشروع الجهادي، خاصةً وأن لهذه المؤسسة تجربة طويلة في العمل الزراعي. فما الدور الذي ستقدّمه مؤسسة جهاد البناء في هذه المقاومة؟ ما المحاور الأساسية في الخطة التي وضعتها؟ ومتى ستبدأ الترجمة الفعلية؟.

"جهاد البناء" الى جانب المزارعين منذ 32 عاماً

المدير العام لمؤسسة "جهاد البناء" الدكتور المهندس محمد الخنساء يُجيب في حديث لموقع "العهد" الإخباري عن مختلف الأسئلة، فيوضح بدايةً أنّ مؤسسة "جهاد البناء" تعمل في الملف الزراعي وتقف الى جانب المزارعين منذ 32 عاماً. هذه التجربة ولّدت لديها خبرة واسعة بحاجات الناس خاصةً أنها كانت تقدّم تاريخياً الخدمات الأساسية للمزاراعين لناحية بناء القدرات والإرشاد والتوجيه الزراعي. اليوم وبعد دخولنا مرحلة جديدة في الأزمة الاقتصادية، وفي ظل دعوة الأمين العام لحزب الله، فإنّ مؤسسة "جهاد البناء" تعتبر نفسها من المؤسسات الأساسية المعنية بالتصدي لهذا التكليف فهي بحكم الاختصاص من المؤسسات المعنية ولها الأولوية، ولذلك وفور نداء الأمين العام باشرت المؤسسة بإعداد الخطط اللازمة لعلاج الظرف الصعب على مستوى الواقع الزراعي بهدف تأمين الأمن الغذائي.

 

 "الجهاد الزراعي".. خطّة "جهاد البناء" في نهاياتها: ماذا في التفاصيل؟

الخطة أصبحت في نهاياتها وهذه أبرز بنودها

ماذا عن الخطة التي ستنطلق بموجبها "جهاد البناء"؟ يوضح الخنساء أن الخطّة التي تعدها مؤسسة "جهاد البناء" للجهاد الزراعي أصبحت في نهاياتها، بعد أن باتت عناصرها واضحة، واليوم نعمل على تأمين عناصر النجاح الكاملة لها. ويؤكّد المتحدّث أن خطة بهذا الحجم من الطبيعي أن تتطلّب التعاون مع الجميع. من هي الجهات التي ستكون فاعلة في هذه الخطة؟ يجيب الخنساء عن هذا السؤال بالتأكيد أنّ كل جسم مجتمع المقاومة مشارك في الخطة، وبشكل أساسي سيكون هناك دور للبلديات واتحاداتها، وللمؤسسات الرسمية من وزرات (الاقتصاد والزراعة والصناعة)، ومن مصالح ودوائر معنية. وأيضاً، لدينا برنامج كبير مع التعاونيات الزراعية التي تشكّل لاعباً أساسياً في الانتاج الزراعي وحفظه وتصنيعه وتسويقه، طبعاً بالاضافة الى المزارعين الذين يشكّلون العمدة الأساسية. الجميع شركاء أساسيون في تنفيذ هذه الخطة، يقول الخنساء الذي يؤكّد أنّ مؤسسة "جهاد البناء" بنت على مدى السنوات الماضية شبكة علاقات كبيرة مع المزارعين في كافة المناطق اللبنانية. فالمزارع -برأيه- هو العمدة الأساسية لأنه هو من ينزل الى العمل ويشمّر عن زنده لينتج من أرضه، وهذا النزول هو الشرط الأول لنكون الى جانبه كما طلب سماحة السيد.


التوجه لمقاربة كافة سلات الانتاج الغذائية الأساسية بطريقة شاملة

ويتطرّق الخنساء الى أصل المشكلة في لبنان والتي هدّدت الأمن الغذائي. مشكلتنا في أننا نستورد 85 بالمئة من غذائنا، وهذا ما سبّب عجزاً بانت تداعياته بشكل كبير اليوم عندما ارتفع سعر صرف الدولار الى هذه المستويات الكبيرة. مستويات أصبحت معها عملية استيراد الأغذية مكلفة على الاقتصاد، كما أصبحت معها معظم العائلات غير قادرة على تحصيل كامل سلتها الغذائية. ومن هنا، فإنّ مؤسسة جهاد البناء -بحسب الخنساء- تدرس هذا الملف انطلاقاً مما يتعلّق بأمن الناس الغذائي، وعليه، فإن التوجهات لدينا لمقاربة كافة سلسلة الانتاج الغذائية الأساسية بطريقة شاملة من الانتاج الى الرعاية الى التسويق. وقد وضعنا نصب أعيننا -يقول الخنساء- دعوة الناس للاتجاه نحو إنتاج المحاصيل الأساسية. بمعنى محاصيل الحبوب، البقوليات، وموضوع الانتاج الحيواني، وذلك للبحث في كيفية تأمين الحد الأدنى من الانتاج الحيواني خاصة أننا نستورد اللحوم وقد باتت الأسعار عالية ما دفع بعض العوائل الى شطب مصادر البروتين من قائمتها الغذائية.

التنفيذ مع بدء موسم الشتاء..وتلقّينا العديد من الاتصالات للانضمام للمقاومة الزراعية

وفي هذا الإطار، يلفت الخنساء الى أنّ المؤسسة وضعت على أجندتها البدء بتنفيذ هذه الخطة بدءاً من الموسم القادم في الشتاء وهو موسم الغلال الذي يتم فيه زراعة القمح، الشعير، الحمص، والعدس أي المحاصيل الأساسية التي تشكّل عمدة غذاء الناس في وطننا. وعليه، نعمل منذ الآن على وضع البرامج اللازمة لنكون الى جانب المزارع -يضيف الخنساء- الذي يُشدّد
على أهمية الدعوة التي وجهها سيد المقاومة لجهة أن يكون كل منا مزارعا. وفق قناعاته، فنحن بحاجة الى جهد الجميع. طبعاً سنقف الى جانب الناس، لكن من سيصنع الفرق وينتج هم المزارعون من الناس الذين إما يمارسون الزراعة منذ زمن، وإما يدخلون في نطاق الشريحة الأخرى من عامة الناس والتي لبّت نداء سماحة السيد خاصة الشباب الذين يتواصلون معنا بشكل دائم. وفي هذا الصدد، يوضح الخنساء أن مؤسسة جهاد البناء تلقّت العديد من الاتصالات من شباب وشابات أعربوا عن رغبتهم في المساهمة بهذا الجهاد الذي دعا اليه السيد نصرالله. ويشدّد مدير عام مؤسسة "جهاد البناء" على ضرورة أن ينزل كافة المهتمين الى الأرض للزراعة ونحن سنكون الى جانبهم. برأيه، لا يكفي أن نقدّم الأرض والمساحات، بل لا بد من أن تزرع الناس هذه المساحات لنكون الى جانبها على مستوى الارشاد الزراعي وتأمين المدخلات كما أننا سنكون الى جانبها إن شاء الله على مستوى تصريف الانتاج.

كادر كبير سيعمل على الأرض

ويؤكّد الخنساء أنّ تنفيذ الخطة سيقع على عاتق فريق كبير لدى المؤسسة يتألف من عشرات المهندسين والأطباء البيطريين الذين يعملون على الأرض منذ زمن، بالإضافة الى شريحة أوسع من المتطوعين من مهندسين وأطباء وفننين وأكاديمين على امتداد لبنان. يُضاف الى هؤلاء أيضاً المتطوعين من مختلف المؤسسات الذين تواصلوا معنا للتطوع في سبيل تحقيق ما نادى به سماحة السيد. ونحن نتوقع أن يكون لدينا فريقا كبيرا من أصحاب الاختصاص لتقديم كل ما هو مطلوب من خدمات للمزارع الذي سنقف نقف الى جانبه بالشكل المطلوب.

نعمل للاستفادة من كافة الأراضي المتروكة

ويستعرض المدير العام لمؤسسة "جهاد البناء" أرقام الأراضي الصالحة للزراعة في لبنان والتي تقدّر بحسب وزارة الزراعة بـ 330 ألف هكتار. 220 الف هكتار يجري زرعها، و110 ألف هكتار هي أراض صالحة للزراعة لكنها متروكة. طبعاً، نحن هنا لا نتكلم عن أراض قابلة للاستصلاح الزراعي -يقول الخنساء- الذي يوضح أنّه وفي الفترة الماضية وبسبب الاقتصاد الريعي السائد تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية بعدما برز لدينا منافسة خارجية لم يتمكّن معها مزارعو المحاصيل الأساسية كالحبوب والبقوليات من منافسة الخارج بسبب اقتصادنا "المدولر" فكانت المنافسة صعبة أمام الاستيراد. عقبها، توجه الكثير من المزارعين الى إنتاج الفاكهة والخضار على أمل التصدير، ولكن فائض الانتاج بالخضار والفاكهة أدى الى كساد هذه المنتوجات، فوجدت الحكومة اللبنانية نفسها مضطرة الى وضع برامج دعم للتصدير. للأسف، نحن نستورد 85 بالمئة من استهلاكنا الغذائي وهذا الخلل كان موجودا في الفترة الماضية. أما اليوم وفي ظل فائض إنتاج الخضار والفاكهة، فنحن معنيون بالتوجه نحو إنتاج المحاصيل الزراعية، وعليه فإنّ جزءاً من الأراضي المزروعة حالياً سنعيد زراعتها بالمحاصيل الأساسية، بالإضافة الى إمكانية الاستفادة من زراعة كافة الأراضي المتروكة والتي تشكل ثلث الأراضي الصالحة للزراعة. وفق الخنساء، نحن معنيون بوضع برامج مع كافة الشركاء للاستفادة من هذه الأراضي لزراعة المحاصيل الزراعية.

سنحقق جزءاً واقعياً وحقيقياً من الأمن الغذائي

ويؤكّد المتحدّث أننا مقبلون على موسم شتوي وآخر صيفي، وإن شاء الله سنحقق جزءاً واقعياً وحقيقياً من الأمن الغذائي. الأولوية اليوم -بحسب الخنساء- للإكتفاء الذاتي، فنحن معنيون كمؤسسة "جهاد البناء" بإنتاج حاجات الناس في بلدنا ضمن سياسة تقليص الواردات. معنيون بتأمين الغذاء الجيد كماً ونوعاً وبسعر مقدور عليه من كافة شرائح المجتمع. هذه الأولوية الآن -وفق الخنساء- ولكن طبعاً في مرحلة أخرى يهمنا أن نستعيد سيادتنا في الانتاج الغذائي بعد أن كان  بلدنا مفتوحا على الاستيراد من كافة البلدان، وعندما نستعيد سيادتنا نقرر ماذا ننتج ونستهلك، نقّرر ما نستورد وما لا نستورد ولاحقاً نتحدث عن التصدير. طبعاً لبنان يشتهر بجودة الخضار والفاكهة وسيظل يصدر هذه المنتجات ولكن الأولوية اليوم لتأمين حاجات شعبنا يضيف الخنساء.

وفي معرض حديثه، يوضح المتحدّث أن مؤسسة "جهاد البناء" تعمل هذه الفترة ضمن البرامج التي تتعلّق بتسويق المنتجات. نعيش اليوم فترة الحصاد والقطاف، وعليه ندعم البلديات والجمعيات الأهلية في كافة المناطق اللبنانية عبر افتتاح أسواق المزارعين، حيث سنفتتح في كل مدينة ومنطقة سوقاً للمزارع ما يسمح له ببيع منتجاته مباشرة للمستهلك، وهذا الأمر سيكون لصالح المستهلك والمزارع معاً. كما تدرس المؤسسة حالياً مع رجال الأعمال في لبنان كيفية استيعاب الانتاج اللبناني بحيث يصل بشكل لائق ومناسب للمستهلك على أنّ نعلن عن هذه الخطوات لاحقاً بعد أن تصل الى خواتيمها.

كلنا مزارعون

في الختام، يؤكّد الخنساء أننا معنيون بأن نكون جميعنا مزارعين. لا أحد بإمكانه أن يكون في هذه المرحلة فقط مشاهد أو أن يقدم شيئا ما. علينا أن ننزل جميعنا على الأرض وأن نزرع ليكون شعارنا شعار 7-7-2-2020 "كلنا مزارعون". 

الزراعةجهاد البناء

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة