طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

الأزمة الاقتصادية في لبنان ما بين الأسباب والتداعيات
25/01/2019

الأزمة الاقتصادية في لبنان ما بين الأسباب والتداعيات

خاص العهد
كثر الحديث منذ النصف الأخير للعام الماضي وحتى اليوم عن أزمة مالية اقتصادية مرتقبة. تعالت الأصوات، وتم تقاذف المسؤولية. أما على مسرح الواقع فإن شيئا لم يتغير. الردّ من مصرف لبنان المركزي جاء واضحا وبسيطا: "الليرة ثابتة".

أما حكوميا وفي ظل اقتصار دور معالي الوزراء على تصريف الأعمال فقد بقيت الموازنة غائبة.

وكالقنبلة الموقوتة، توالت تقارير الوكالة العالمية موديز "Moody’s " حول لبنان في ظل غياب فعلي لأي ردود فعل حيال تحذيرات هذه التقارير. ففي تقريرها الماضي حذرت موديز من تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان إلا أنها اكتفت بالتحذير عبر ما سمته النظرة سلبية. إلا أنها عادت لتعدّل نظرتها إلى مستقرة بعد أن خفّضت التصنيف الائتماني إلى Caa1.

وبعيدا عن "اللامبالاة"، يجب التذكير أن هذه التقارير لا تؤشر هذه فقط إلى وضعية لبنان بل إن كلا منها يؤثر على الفائدة والسندات والطلب عليها.

فحاجة لبنان إلى اكتتاب السندات هدفه تمويل العجز الدائم ما بين إيرادات الحكومة ونفقاتها. وكما بات واضحا فالعجز الدائم هو في خدمة الدين العام وتمويل الكهرباء. أما على صعيد الجباية، فتنحصر جباية الدولة اللبنانية على الضرائب غير المباشرة ليتنعم أبناء الطبقة الغنية بثرائهم ويزداد الفقراء فقرا. وبالتالي، تحرم الدولة  نفسها من أموال سدّ العجز. وفي ظل الانتهاكات الدائمة لحقوق اللبنانيين من خلال أيادي الفساد المستشرية في الحكم، يزداد العجز عاما بعد عام دون تحسين أي من ظروف المواطنين المعيشية.

ويبقى أن أي استغراب غير مبرر، فأسباب هذا الخلل هي التعارض الحاصل ما بين المصلحة الوطنية والمصلحة التجارية الشخصية للحاكمين.

وبلغة اقتصادية، يبرز الخلل في الميزان التجاري بسبب الخلل البنيوي للاقتصاد اللبناني الذي يعتمد على الاستيراد عوضا عن التصدير ما يشكل سدا منيعا أمام دخول العملات الأجنبية إلى البلد. فحركة الاستيراد والتصدير في عجز دائم حيث سجلت عجزاً بحوالي 14 مليار دولار عام 2017.

وإذا كان اللبنانيون المغتربون يعوضون هذا الخلل عبر التحويلات من الخارج إلا أن تزايد العمالة الخارجية في لبنان تمتص هذه التحويلات وبالنتيجة فإن الميزان الجاري سجل عجزاً بقيمة 12.37 مليار دولار عام 2017.

ووفقا لإحدى  النظريات الاقتصادية والتي تشير إلى أن العجز في ميزانية الدولة يؤدي إلى عجز في الميزان التجاري، فإن طرق تمويل عجز الميزانية هي سبب نقل العجز من الميزانية إلى الميزان التجاري. فتتنوع ما بين دين داخلي وخارجي وزيادة عرض النقد والخصخصة فضلا عن استخدام احتياطي العملات الأجنبية.

وبما أن لبنان يعتمد بشكل أساسي على تمويل العجز عبر اكتتاب سندات ما بين داخلية وخارجية، فإن الاستثمار هو الضحية الأولى بحيث يتجه المستثمرون إلى شراء السندات بدل إنشاء استثمارات تجارية وبالتالي تنخفض الإنتاجية ويتعدى بذلك الاستيراد التصدير.

وبالتدقيق في السياسة النقدية،  انتهج لبنان سياسة تثبيت سعر الصرف. هذه السياسة تحتاج إلى تدفقات دائمة من العملات الأجنبية وفي ظل تفوق الواردات على الصادرات فإن التدفقات من الحركة التجارية سلبية دائما. وبالتالي يعمد المصرف المركزي إلى اعتماد سياسات مختلفة للاستحصال على العملات الأجنبية.

انطلاقا من ذلك تظهر أهمية تقارير موديز التي تظهر لبنان بمشهد غير القادر على سداد الديون. فإن هكذا تقارير تجبر السلطات المالية والنقدية على رفع الفائدة لتعويض الخطر الذي تحدثت عنه موديز، الأمر الذي يقلص الاستثمارات الإنتاجية ويقلص تدفقات العملات الأجنبية، وبالنتيجة، ترتفع كلفة الدين ليصبح معها لبنان غير قادر على الخروج من هذه الدوامة في ظل انتهاج الحكومات المتعاقبة السياسات نفسها.

كانت البداية استدانة لتمويل إعادة الإعمار، وباتت نهجاً في ظل غياب أي تصحيح للعجز الحاصل في ميزانية الدولة إن على صعيد الواردات أو على صعيد النفقات. ليتبع ذلك انخفاض في حركة الاستثمار الإنتاجي وما يرافقها من خلل على صعيد الميزان الجاري. ومع كل ما تقدم، بات لبنان غارقاً بديون غير مجدية تستنزفه عاما بعد عام.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل