يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

13/06/2020

"داعش" والفتوى والحشد.. بين وقائع الأمس وحقائق اليوم

بغداد: عادل الجبوري

   في مثل هذه الأيام قبل ستة أعوام، كان المشهد العراقي العام محتدمًا بأحداث ووقائع متسارعة ومفاجئة ومربكة الى حد كبير، ففي صبيحة العاشر من شهر حزيران - يونيو من عام 2016 استفاق العراقيون على أنباء اجتياح تنظيم "داعش" الارهابي لمدينة الموصل ومدن ومناطق اخرى، وبعد يومين، نفذت عصابات "داعش"، مدعومة بأفراد من بعض العشائر، جريمة بشعة ومروعة، تمثلت بقتل أكثر من ألف وسبعمائة شاب من طلبة كلية القوة الجوية بقاعدة "سبايكر" في مدينة تكريت، والقاء جثثهم في مياه نهر دجلة، وبعد يوم واحد أو يومين أصدرت المرجعية الدينية في النجف الأشرف فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة "داعش".

   هذه الأحداث أو المحطات الثلاث، هي ما رسمت وصاغت المسارات والصور والحقائق اللاحقة، التي راحت مصاديقها تتبلور وتنضج وتتجلى يومًا بعد آخر، لتصل الى الإيذان بنهاية وهزيمة تنظيم "داعش" أواخر عام 2017، والقاء القبض على معظم المتورطين بارتكاب جريمة "سبايكر"، وقبل ذلك تحول الحشد الشعبي من الحالة التعبوية التي فرضتها ظروف طارئة الى حالة مؤسساتيه حاضرة وفاعلة ومؤثرة في مختلف الساحات والميادين.  

   ولا شك أن هناك عوامل وظروفا داخلية داخلية وخارجية ساهمت في ايجاد "داعش" وتمكينه من احتلال مدن ومناطق عديدة في غضون فترة  زمنية قصيرة. ولأن المرجعية الدينية استشعرت خطورة تداعيات الأمور، لذا فإنها سارعت الى اصدار فتوى الجهاد الكفائي بعد ثلاثة أو أربعة أيام من اجتياح الموصل. في ذات الوقت، كان التوقيت المبكر جدًا لجريمة "سبايكر" شيئًا مناسبًا من باب (رب ضارة نافعة) باعتبار أنه كشف عن النزعة الاجرامية والدموية لذلك التنظيم الارهابي ومن كان يقف وراءه، تمويلًا وتشجيعًا وتخطيطًا وتحريضًا.

   ورغم أن عصابات "داعش" ارتكبت فيما بعد الكثير من الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم وأديانهم وعقائدهم، الا أن مجزرة "سبايكر" كانت الأكثر دموية والاشد اجرامًا ووحشية، وقد أشرت منذ وقت مبكر - كما أشرنا انفًا - وبكل وضوح الى طبيعة النهج الاجرامي لـ"داعش" وقبله تنظيم "القاعدة" وكل الجماعات والتنظيمات الارهابية التي تبنت ذات النهج واستخدمت نفس الادوات والوسائل والأساليب في تنفيذ سياساتها وأجنداتها ومشاريعها ومخططاتها الاجرامية.

   ولا يختلف اثنان في أن الآثار النفسية والمعنوية التي خلفتها تلك الجريمة المروعة، في نفوس ذوي الضحايا كانت كبيرة وعميقة جدًا، ولعله من الصعب جدًا أن تمحَى خلال وقت قصير، وحسنا فعلت الجهات المعنية في ذلك الحين حينما شكلت لجنة خاصة لمتابعة شؤون ذوي شهداء مجرزة "سبايكر"، فضلًا عن الخطوات والمبادرات الأخرى التي قامت بها، وكذلك تلك التي قامت بها المؤسسات الدينية، لا سيما المرجعية الدينية والحوزة العلمية، وهيئة الحشد الشعبي لتخليد تلك الفاجعة من جانب، وتكريم ضحاياها ورعاية ذويهم من جانب اخر.

   وارتباطًا بطبيعة ومستوى المخاطر والتحديات التي استدعت تأسيس الحشد الشعبي، من خلال فتوى الجهاد الكفائي، فإنه قد لا يخفى على المراقب، وعموم الرأي العام، ان هناك ثلاثة عوامل ساهمت في ان يضطلع الحشد بدور مهم وفاعل، وان يتنامى حضوره الميداني من خلال انجازات وانتصارات عسكرية مشرفة، الى جانب دوره في الجوانب الانسانية والخدمية المتنوعة، وهذه العوامل الثلاثة تمثلت بفتوى المرجعية الدينية، ودعم الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتفاعل الجماهيري الواسع من مختلف  فئات وشرائح المجتمع العراقي، دون اقتصارها على عنوان ديني او مذهبي او قومي او مناطقي واحد.

   ولعل الاطار المرجعي "فتوى الجهاد الكفائي" الذي تأسس الحشد على ضوئه، هو ذاته الذي حدد طبيعة سلوك ودور ومكانة وموقع الحشد بعد التخلص من عصابات داعش، مع الاخذ بعين الاعتبار ان اقرار قانون الحشد الشعبي من قبل مجلس النواب العراقي في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2016، وضع النقاط على الحروف، وأجاب على تساؤلات واستفهامات عديدة، وبدّد قدرا غير قليل من المخاوف والهواجس المثارة من هنا وهناك.              

  وما يلفت الانتباه منذ البواكر الأولى لتأسيس الحشد وحتى الآن، هو أنه بينما واصل الأخير حضوره الفاعل والمؤثر في شتى الميادين والساحات، لم تتوقف حملات التشويه والاساءات ضده من قبل بعض الدوائر السياسية والاعلامية المخابراتية الخارجية الاقليمية والدولية، مع جهات داخلية متماهية معها ومنساقة وراءها، والتي بدت أنها وجهٌ آخر للاستهداف العسكري المسلح طيلة مرحلة الحرب ضد "داعش"، وقد توجت حملات الاستهداف هذه باغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشهيد ابو مهدي المهندس ومعه قائد فيلق القدس الايراني الشهيد قاسم سليماني الذي كان قادمًا للعراق بمهمة رسمية من قبل الحكومة الايرانية، عبر ضربة صاروخية اميركية قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من شهر كانون الثاني - يناير الماضي، علمًا أنه قبل أيام قلائل من ذلك التاريخ كانت طائرات أميركية قد ضربت مقرات للحشد في منطقة قرب الحدود العراقية - السورية، وتسبب ذلك باستشهاد واصابة العشرات من منتسبي الحشد، لتشكل تلك الأحداث حافزًا ودافعًا اضافيًا لتصاعد المطالبات السياسية والشعبية بإنهاء التواجد الأجنبي في العراق، الذي بات يعد أولوية تتصدر قائمة أولويات الجماهير والمرجعية والنخب السياسية والمجتمعية المختلفة.     

داعشالحشد الشعبي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة