ramadan2024

خاص العهد

الدولار يُسجّل ارتفاعاً جنونياً: ما الأسباب والى أين؟ 
11/06/2020

الدولار يُسجّل ارتفاعاً جنونياً: ما الأسباب والى أين؟ 

فاطمة سلامة

رُبما بات الحديث عن مسألة ارتفاع سعر صرف الدولار مكرّراً بالأسباب والمعطيات ذاتها. الجديد الوحيد في هذا الملف هو تخطي سعر الصرف أرقاماً قياسية أمس الأربعاء قفزت فوق عتبة الخمسة آلاف ليرة. وأمام هذا الواقع، ثمّة من يطرح أسئلة بديهية تخطر على البال: ما القطبة المخفية في هذا الملف حتى تنهار الليرة بهذا الشكل الدراماتيكي أمام الدولار؟ لماذا لم تضع مجمل التوقيفات حداً لهذا العبث والتمادي في أمن العملة الوطنية ما يُهدّد الأمن الغذائي ومعه الأمن الوطني؟ لماذا لم يؤد اجتماع السراي الأسبوع الماضي الى انخفاض ملموس في سعر الصرف ليصل خلال أسبوعين الى حدود الـ3200 ليرة كما جرى وعدنا، بينما لا تزال التسعيرة اليومية لنقابة الصرافين تتحرك بالكاد بالليرات، والتسعيرة الحقيقية تتصاعد بطريقة جنونية؟ هل ستتمكن المنصة الالكترونية التي وعد الحاكم بإطلاقها في 23 حزيران الحالي -بعد انتظار طويل- من كبح جماح هذا الارتفاع؟ من يتحكّم اليوم بسوق الصيرفة ولماذا لا تضرب الدولة بيد من حديد مهما كلّف الثمن طالما الأمور متدهورة في الأصل؟ لماذا كل فترة وأخرى يتوقّف الصرافون الشرعيون عن العمل ما يزيد الضغط على الدولار وسط قلّة العرض؟ من يزوّد السوق السوداء بالدولار؟. لماذا تمكّنت سوريا البلد المجاور للبنان بين ليلة وضحاها من إحداث تحسن في قيمة عملتها الوطنية بعدما شهدت تراجعا كبيراً أمام الدولار؟. وهل تمتلك دمشق مقوّمات يفتقدها لبنان؟. 

ما تقدّم يُشكل ربما أسئلة مشروعة وسط استمرار أحجية الدولار التي أنهكت كل شيء في لبنان، حتى باتت العملة الوطنية بلا قيمة وسط ارتباط الجزء الأكبر من متطلبات حياتنا بالعملة الصعبة. فماذا تقول مصادر وزارية تتابع عن كثب هذه القضية؟ وماذا يقول المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم عن دور القضاء في وضع حد  للمضاربة؟ وكيف يقارب الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار؟. 

مصادر وزارية: مصرف لبنان يمتلك دولارات لكنه يخشى من تبخرها بعد ضخها في السوق 

مصادر وزارية تتابع عن كثب قضية ارتفاع سعر صرف الدولار تؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ هذه المسألة مرتبطة بعدة أسباب. أولاً: تعذر دخول الدولارات من الخارج اذ لا سياحة ولا تحويلات. وثانياً: كلما توفر الدولار نشهد هجمة كبيرة من قبل المواطنين الذين يسارعون لشرائه من السوق بسبب القلق والخوف من انهيار العملة، بالاضافة الى أسباب أخرى.

ورداً على سؤال حول: لماذا لا يتدخل مصرف لبنان ويضح الدولارات في السوق وهو المسؤول عن السياسة النقدية؟ تُبرّر المصادر عدم تحرك المصرف المركزي بالتأكيد أن مصرف لبنان يمتلك دولارات لكنه يخشى اذا ما ضخ هذه الدولارات في السوق أن يتم شراؤها وتتبخّر الى الخارج أو أن تُخزّن في المنازل ما يحجبها عن التداول في السوق وهذا ما حصل سابقاً. وتلفت المصادر الى أن المصرف المركزي حذر جداً لأنه يتخوف من أن لا يأتي تدخله بنتيجة، فقيمة التدخل ستنعكس بشكل آني وليس طويل الأمد للأسباب التي ذكرت سابقاً، وفق ما تقول المصادر. 

وتؤكّد المصادر أن الحكومة ليست كما يظن البعض واقفة مكتوفة الأيدي أمام ما يحصل بل تتخذ تدابير ومن ضمنها الخطوات الاصلاحية المدرجة خلال الخطة التي تناقشها مع صندوق النقد الدولي. 

ابراهيم: التوقيفات بمفردها لا تُخفض سعر صرف الدولار 

وفي الوقت الذي علّق فيه المواطنون الآمال على انخفاض سعر الصرف بعد تحرك القضاء وتوقيف صرافين بالجملة، تبدّدت تلك الآمال مع تفاقم أزمة الارتفاع. وفي هذا السياق، يقول المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم لموقع "العهد" الإخباري إنّ ملف سعر صرف الدولار لا يرتبط بالتوقيفات فقط، أنا كقاض أقوم بواجباتي، وهناك جهات أخرى عليها أن تقوم بالمطلوب منها. على الحكومة أن تقوم بعملها ومصرف لبنان كذلك. وفق قناعات ابراهيم، فإن فريقاً وحده يعمل لا يستطيع حل هذه القضية، فالتوقيفات بمفردها لا تُخفض سعر صرف الدولار، إنها حلقة من سلسلة إجراءات يجب أن تتم بأكملها. هل القضية تخضع للعوامل السياسية حتى لا يصل هذا الملف الى نهايته؟ يرفض ابراهيم الإشارة الى أن القضية سياسية، قائلاً "بالتأكيد لا أعلم اذا ما كانت سياسية". 

 

الدولار يُسجّل ارتفاعاً جنونياً: ما الأسباب والى أين؟ 

ويؤكّد ابراهيم أن التوقيفات لا تزال مستمرة وأمس الأربعاء جرى توقيف الكثير من الصرافين ولا زلنا نعمل في الوتيرة نفسها. وفي المقابل، يُشدّد على أننا أوقفنا سابقا الكثير من الصرافين وجرت احالتهم الى قاضي التحقيق ونحن كقضاء لا نستطيع فعل أكثر من هذا الأمر. إنه "الماكسميم" الذي نستطيع القيام به، يختم ابراهيم. 

عكوش: قانون "قيصر" دفع بكثيرين الى تحويل أموالهم من الليرة الى الدولار 

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يجيب في حديث لموقع "العهد" الإخباري على ما سبق من أسئلة طرحناها في المقدّمة بالإشارة الى أنّنا نعيش في لبنان وضعا غير مستقر، واقتصاداً في الحضيض، ونمتلك نظاما مصرفيا مقفلا بشكل كامل على الصناعة والزراعة ومختلف القطاعات باستثناء بعض التحويلات والسحوبات المقنّنة للمودعين. ونتيجة لهذا الوضع الاقتصادي غير المستقر فإنّ أي حدث يحصل سواء كان إقليميا أو دولياً وله علاقة بلبنان ستتحرك على إثره العملة وهذا أمر طبيعي -وفق عكوش- الذي يوضح أن صدور قانون "قيصر" في اليومين الماضيين أثّر على ارتفاع سعر الصرف. فهذا القانون يحتوي على عقوبات مباشرة على لبنان لأنها تطال كل فرد ومؤسسة وجهة تتعاطى مع الحكومة السورية ولا يخفى أنّ لبنان هو المقصود بشكل مباشر من هذا القانون، وبالتالي فإن هذه العملية خلقت جواً من التوتر وهواجس بين الناس التي سارعت الى تحويل كل ما تملك من الليرة اللبنانية الى الدولار. 

 

الدولار يُسجّل ارتفاعاً جنونياً: ما الأسباب والى أين؟ 


 لاستقرار العملة الوطنية شروط أساسية وهذه أبرزها 

أما فيما يتعلّق بالمنصة الالكترونية والمهام المنوطة بها بعد انطلاقتها، فلا ينكر عكوش أنّ هذه المنصة من شأنها أن تخفّف من حدة الطلب على الدولار لكنها لا تلغي عدم استقراره، لأن أي عملة في العالم ترتبط قوتها بقوة الاقتصاد، وعندما يكون لدينا اقتصاد قوي، تكون لدينا عملة قوية. وهنا يتأسّف عكوش، فنحن لدينا اقتصاد ضعيف جداً، ولكي نتمكّن من العمل على استقرار العملة الوطنية، لا بد من توافر شروط على رأسها: 

1- إنجاز خطة اقتصادية شاملة للبلد، اذ لا يصح الاكتفاء بخطط مالية وخطط لتسديد وهيكلة الدين العام وانقاذ القطاع المصرفي، كل هذه الخطط لا تقوي الاقتصاد بل علينا إنجاز خطط زراعية، صناعية سياحية وخدماتية لإحياء الاقتصاد. وفق عكوش، فإنّ الحكومة ولغاية اليوم، لم تنجز خطة اقتصادية شاملة لإحياء الاقتصاد المنهك.

2- أما ثاني الشروط، فيتعلّق بتخفيف خسائر مصرف لبنان، فالعملة اليوم مرتبطة بمدى قوة مصرف لبنان على التدخل في السوق، ومصرف لبنان اليوم يعاني من خسائر كبيرة. في عام 2019 سجّل المصرف المركزي خسائر بقيمة 19 الف مليار ليرة، أما اليوم فقد سجّل خسائر بقيمة 10 الاف مليار ليرة في أول خمسة أشهر من عام 2020. برأي عكوش، اذا استمر الحال على ما هو عليه فنسبة الخسائر ستكون كبيرة في نهاية العام، وزيادة خسائر مصرف لبنان ستؤدي الى إضعافه ما يُشكّل عائقا أمامه للتدخل في السوق. 

3- إيقاف النزيف باحتياط العملات الصعبة، وعدم التفريط بالعملات الأجنبية، فالمصرف المركزي -وفق عكوش- يُفرّط بالعملات الأجنبية بشكل غير طبيعي، كدعم السلع والحاجات الأساسية. طبعاً هذه الخطوة مهمة لكن شرط أن تستفيد منها العائلات اللبنانية مباشرة  وليس التجار والمافيات وغير اللبنانيين. المطلوب -وفق عكوش- عدم التفريض باحتياط العملات الصعبة. فالعملات الصعبة الحرة المتبقية لدينا وفقاً للمادة 69 من قانون النقد والتسليف لا تتعدى الـ 6 مليارات دولار، وهذا المبلغ لا يغطي احتياجاتنا حتى آخر العام، وفي حال استمررنا بسياسة الدعم الحالية فنحن ذاهبون مطلع العام القادم الى مكان يجد فيه مصرف لبنان نفسه أمام خيارين: إما أن يخالف قانون النقد والتسليف حتى يستخدم الاحتياطي وإما أن يوقف تزويد التجار بالعملة الصعبة، ما يعني عجزنا عن استيراد السلع الأساسية، وهذه مشكلة كبيرة. 

الدولار في لبنان لا سقف له 

هل تتوقّع كخبير اقتصادي أن يواصل الدولار ارتفاعه ليُسجّل سعر صرفه أرقاما قياسية أكثر من التي شهدناها؟ يجيب عكوش بالتشديد على أنّ سعر صرف الدولار لا سقف له في لبنان للأسباب التي ذكرناها بحيث لم يتم العمل على إيجاد حلول للاقتصاد المنهك. بكل صراحة لن نتمكن من السيطرة على سعر الصرف حتى ولو جرت التوقيفات، ولا حلول سوى بتنفيذ خطة حكومية محكمة لوقف انهيار الليرة.  

وحول آلية السراي وعدم تحقق المتفق عليه لجهة تخفيض سعر الصرف الى حدود الـ3200 ليرة، يعيد عكوش التأكيد أن الأسباب هي ذاتها التي ذكرناها سابقاً، فالحكومة لا تزال حتى اليوم مختلفة حول الأرقام والخسائر، مع العلم أن الارقام واضحة جداً. تماماً كما أنها لا تزال عاجزة عن رسم خطة اقتصادية انتاجية، وطالما الأجواء هكذا لا إمكانية للحل، يضيف عكوش. 

التجربة السورية مختلفة 

وفيما يتعلّق بالتجربة السورية وقدرة السلطات على تحسين قيمة العملة الوطنية بعد انهيارها أمام الدولار، يوضح عكوش أن التجربة السورية مختلفة تماماً عن تجربتنا نحن اللبنانيين. هناك فرق كبير جداً، فالدولة السورية تمتلك مقومات الاكتفاء الذاتي لناحية الزراعة والصناعة. وفق عكوش، لا تملك سوريا ضغطا كبيرا على الدولار عكس لبنان الذي يستورد 80 بالمئة من حاجاته من الخارج، بينما سوريا تؤمن 80 بالمئة من حاجاتها من الداخل السوري، يختم عكوش.

 

الدولارالقاضي علي ابراهيم

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل