طوفان الأقصى

خاص العهد

آلية دعم المواد الغذائية قيد التنفيذ..هل بدأت الأسعار بالانخفاض؟
10/06/2020

آلية دعم المواد الغذائية قيد التنفيذ..هل بدأت الأسعار بالانخفاض؟

فاطمة سلامة

تستمر أسعار السلع في موجة التحليق وتزيد بشكل ملحوظ بين يوم وآخر، لا بل حتى بين ساعة وأخرى. كيفما اتجهنا نسمع من يشكو أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية الفالتة من عقالها. الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار انعكس على كل شيء حولنا، وقد كان للقمة العيش حصّة الأسد من التداعيات. حجم السلة الغذائية والتموينية تقلّص لدى كثيرين بفعل نيران الأسعار وتراجع القدرة الشرائية. البعض وجد نفسه محدود الخيارات وسط قلّة البدائل. حتى أنّ تسعيرة بعض السلع باتت تختلف من شارع الى آخر وسط المنطقة ذاتها. ومن وقت لآخر يجري الحديث عن سلع مفقودة وأخرى مخبأة. 

هذا الواقع دفع بمصطلح "الأمن الغذائي" الى الواجهة. الأمن المذكور بات مهدّداً وعلى طريق الفقدان إن لم تُسارع الدولة الى إيجاد الحلول. فلبنان يستورد أغلب المواد الغذائية والاستهلاكية  من الخارج، وهذا الأمر يتطلّب توافر الدولار. الأخير بات عملة نادرة -وإن وُجد- فسعر صرفه يبلغ ما يقارب الثلاثة أضعاف السعر السابق. 

ومن هنا جاءت فكرة دعم السلة الغذائية التي أعلن عنها سابقاً وزير الاقتصاد راوول نعمة قبل أن تصدر بشكل رسمي في 28 أيار/مايو وفقاً للقرار رقم 66/. وبناء عليه، نشر نعمة أمس الثلاثاء صوراً عبر "تويتر" تظهر تراجع أسعار بعض المواد الغذائية المدعومة، قائلاً "بدنا كل شي لقدام إلا الأسعار لورا". فهل بدأ تطبيق الآلية؟ كيف يستفيد المستوردون منها؟ وهل لمست الجهات المعنية بحماية المستهلك انخفاضا ملحوظاً للأسعار على الأرض وتراجعها الى الوراء؟. 

هاني بحصلي: الآلية قيد التنفيذ ولكن لم تدخل أي بضاعة الى لبنان وفقاً للسعر المدعوم

نقيب مستوردي ​المواد الغذائية​ ​الأستاذ هاني بحصلي يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ آلية الدعم التي من المفترض أن يستفيد منها المئات من التجار والمستوردين في لبنان لا تزال قيد التنفيذ. بمعنى أنّ الآلية انطلقت لكن حتى الساعة لم تدخل أي بضاعة الى لبنان وفقاً للسعر المدعوم. هناك ملفات قدمها مستوردون لوزارة الاقتصاد والمصرف المركزي لكن حتى الأمس لم ترد الينا أخبار بأنّ مصرف لبنان دفع. وهنا يوضح بحصلي أنّ الآلية تقوم على ثلاث خطوات أساسية: إرسال ملفات المستوردين الى وزارة الاقتصاد للموافقة عليها ومن بعدها ترسل هذه الملفات الى المصرف التجاري الذي يدرسها بدوره، لتُحوّل الى مصرف لبنان. الأخير يدرس الملف إما يوافق على الطلب وإما يرفضه، مع الإشارة الى أنّ مصرف لبنان حدّد دولار استيراد اللائحة المدعومة بـ3200 ليرة. 

لن يهبط سعر كافة المواد الغذائية ولا نعلم ما اذا كان سيبقى الدعم موجوداً 

ويلفت بحصلي الى أنّ لائحة دعم السلة الغذائية وفقاً لقرار وزير الاقتصاد والتجارة لا تنص فقط على دعم المواد الغذائية، بل الأعلاف والمواد الأولية والشتول وغيرها، وأمام ذلك لا نعرف الى أي مدى سيغطي دعم مصرف لبنان هذه العناوين. يُثني المتحدّث على جهود مصرف لبنان ووزارة الاقتصاد لدعم السلة الغذائية، لكنه يلفت انتباه المواطن الى نقطتين. أولاً: لن يهبط سعر كافة المواد الغذائية بل بعض المواد، وثانياً: قضية انخفاض الأسعار ستبقى رهن الدعم، والأخير يبقى رهن تمكن مصرف لبنان من استمرارية تأمين الدولار، بمعنى أنّ هذا الدولار موجود الآن ولكن بعد ستة أشهر لا نعلم ما اذا كان سيبقى موجوداً، يضيف بحصلي الذي يُشدّد على ضرورة أن نراقب موضوع الدعم يوماً بيوم، وأن لا نتهور بإعطاء المواطن أخباراً لا صحة لها، فالآلية ولكي يتم تنفيذها بالطريقة التجارية الصحيحة تحتاج وقتاً. 

 

آلية دعم المواد الغذائية قيد التنفيذ..هل بدأت الأسعار بالانخفاض؟

آلاف الأطنان من البضاعة موجودة في الأسواق وفقاً للسعر المرتفع

على أي أساس اذاً انخفضت الأسعار التي تحدّث عنها وزير الاقتصاد طالما لم يدفع مصرف لبنان؟ يجيب بحصلي بالتأكيد أنّ هناك بعض التجار استبقوا الأمور وعملوا على تخفيض الأسعار قبل الحصول على الدعم، وهذه عملية تجارية مشروعة -وفق بحصلي- الذي يوضح أن بعض التجار سارعوا الى خفض الاسعار على اعتبار أنه سيتم استيراد المواد وفقاً للآلية المدعومة، وهذا أمر جيد بأن يتحمل بعض التجار خسارة لما فيه مصلحة المواطن. لكن هذه العينة من التجار لا تمثل كامل السوق، فهناك آلاف الأطنان من البضاعة اشتراها التجار وفقاً للسعر المرتفع. على سبيل المثال -يقول بحصلي- هناك ما لا يقل عن 10 آلاف طن من الأرز في الأسواق تم استيرادها وفقاً للسعر المرتفع، بمعنى انه إذا ما تم إدخال شحنة أرز من 300 طن وفقاً للسعر المدعوم فإنّ هذا لا يعني أن كامل البضاعة الموجودة في السوق انخفض سعرها. لا ينكر بحصلي أن التجار سيبدأون ببيع البضاعة بسعر أرخص من ذي قبل لكن لن يكون سعرها كسعر الأطنان المدعومة. هذا مثال بسيط عن الأرز ولكن هناك أمثلة مطابقة على السكر والعدس وغيرهما من البضائع الأساسية التي تتواجد في الأسواق وبكمية كبيرة ووفقاً للسعر العالي. 

آلية دعم المواد الغذائية قيد التنفيذ..هل بدأت الأسعار بالانخفاض؟

 

آلية دعم المواد الغذائية قيد التنفيذ..هل بدأت الأسعار بالانخفاض؟

 

الدولار عبء ولا نستطيع الاستغناء عن الاستيراد 

وفي معرض حديثه، يشير بحصلي الى أنّ الدولار وعلى الدوام يُشكّل عبئاً على المستوردين، خصوصاً وسط استمراره بالتحليق، حيث بات اليوم يلامس الخمسة آلاف ليرة، والمشكلة لا تكمن فقط في سعره بل في أنه بات عملة نادرة قد لا نجدها. وفي المقابل، يلفت المتحدث الى أنّ لبنان لا يستطيع الاستغناء عن الاستيراد. على سبيل المثال لا يقوى لبنان على زراعة الأرز، وفي الموازاة لا نستطيع الاستغناء عنه كمادة أساسية. 

ويوضح المتحدّث أن ثمة من يسأل لماذا أعطي الدعم الى التجار ولم يعط الى مزارعي العدس؟ برأيه، فإنّ الواقع ليس هكذا، فمساحة الأراضي الزراعية لدينا صغيرة، ما يعني أن تكلفة اكتفائنا الذاتي من العدس اذا ما زرعنا بكميات تجارية ستكون أكبر بكثير من استيراده. وفي المقابل يُشدد بحصلي على ضرورة الاستفادة من الأراضي الشاغرة بتشجيع زراعة المواد التي تعطينا انتاجا يلائم أرضنا وقيمة مضافة نتمكن من تصديرها، لا أن نزرع المواد التي باستطاعتنا استيرادها من الخارج وبسعر أرخص. 

هل هناك مخاوف متجدّدة من انقطاع محتمل لمواد غذائية أساسية؟ يجيب بحصلي على هذا السؤال بالقول:" نحن كمستوردين نؤمن الدولارات من السوق السوداء حالياً، ولكن بوجود الآلية العتيدة، واذا ما تمكن مصرف لبنان من تأمين الدولارات للاستيراد يخف الضغط علينا، إلا أنّ هذا الأمر لا يتعلق فقط بهذه المواد، فهناك الكثير من السلع غير المدعومة قد يتعذر استيرادها والمواطن لا يستغني عنها. على سبيل المثال، تلحظ اللائحة دعم التونا من فصيلة المعلبات بينما هناك أنواع اخرى تحتاج الى دعم. لكن بطبيعة الحال تبقى هناك مخاوف بعد فترة من أن تأتي شحنات الأرز المدعوم وفي المقابل لا يملك  مصرف لبنان الدولارات لتزويدنا بها. 

برو: الأسعار تستمر في التحليق وعلينا الانتظار بعض الوقت 

لدى سؤاله اذا لمست الجمعية انخفاضاً للأسعار على الأرض، يجيب رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو بالتأكيد أنّ كافة الأسعار باستثاء السكر تستمر في التحليق. ففي 31 أيار صدر مؤشر جديد للأسعار كشف عن ارتفاع أسعار السلة الأساسية من خدمات وسلع (145 سلعة) بمعدل 72 بالمئة منذ تشرين الأول حتى 31 أيار. لكن برو يوضح أنه ولكي نكون موضوعيين علينا الانتظار بين أسبوعين الى 4 أسابيع حتى تظهر الصورة الحقيقية لهذه الخطوة. وهنا يلفت برو الى أننا كجمعية اقترحنا مطلع العام دعم القطاعات اللازمة لتأمين الأمن الغذائي للبنانيين، لكنه يسجّل ملاحظاته على الآلية التي تمّ فيها الدعم عبر نفس المستوردين المسؤولين عن ارتفاع الأسعار قبل وبعد الأزمة. وفق برو، فإن هذه المقاربة خاطئة ويجب الذهاب الى حل وآلية مختلفة تماماً. 

كان من الأفضل دعم الصناعة والزراعة

وفي حديث لموقعنا، يتابع برو تسجيل ملاحظاته، معتبراً أن سياسة الدعم التي نفذت على الاستهلاك كان من الأفضل أن تذهب باتجاه دعم الصناعة والزراعة، وهذا الأمر -برأي برو- كان من الممكن أن ينعكس على الاستهلاك بشكل كبير، خاصةً عندما تكون قيمة الدعم 720 مليون دولار سنوياً، وبمقدار 50 مليون دولار شهرياً في بلد مفلس. برأيه، فإن هذه المقاربة كانت متسرعة، والرقم عال جدا وكان من الافضل أن يذهب الى الصناعة والزراعة مع شروط تخفيض أسعارها، وهذا كان ينعكس بشكل كبير جدا على القطاعات الانتاجية. فمثلاً في شهر آذار 2019 سجلت الصادرات اللبنانية 380 مليون دولار، أما في آذار 2020 فقد بلغت 230 مليون دولار، ما يعني أن هناك تراجعا في الوقت الذي نحتاج فيه الى تحسين الصادرات. وأيضاً بالنسبة للزراعة فإن أسعار الفاكهة والخضار هذا العام أغلى بكثير من العام الماضي لأنه لم يتم دعم الزراعة ولم يتم تأمين قروض للمزارعين. وفق قناعات برو، فإن دعم الاستهلاك ليس المدخل الصحيح لحل هذه الأزمة خاصةً أن هناك هواجس كبيرة حيال التجار وألاعيبهم العديدة وخبرتنا بهم واسعة، فهؤلاء مستعدون لإدخال مبالغ الدعم الى دهاليزهم -بحسب ما يقول برو- لتزداد أرباحهم. 

 

آلية دعم المواد الغذائية قيد التنفيذ..هل بدأت الأسعار بالانخفاض؟

 

دعم الاستهلاك لن يؤدي سوى الى خسارة 720 مليون دولار سنوياً  

يُقدّر برو أن لا يستفيد المواطن كثيراً من الدعم، فبحسب معرفتنا وخبرتنا بالدعم الذي كان يحصل سابقاً على القمح والخبز والشمندر لم يستفد المزارع والمستهلك كثيراً بل التجار. وهنا يُشدد برو على أن الية الدعم ستنعكس على التجار وأرباحهم، اذ إن هناك أكثر من 360 الف دكانة ومتجر في لبنان من سيراقبها؟ وما الذي يضمن أن لا تخزن هذه السلع لدى وصولها لبيعها لاحقا وبأسعار أعلى؟. يطرح برو هذه الأسئلة ويشدّد على أننا  أمام نظام يعمم فيه الفساد وخصوصا بين التجار، لذلك فإن هواجسنا وشكوكنا في محلها ونحن شبه متأكدين أن هذه القضية لن تؤدي الى شيء سوى خسارة 720 مليون دولار سنوياً وإنعاش التجار مجدداً. علينا أن لا نتخذ قرارات شعبوية فالاقتصاد منهك ومدمر ويجب التحول نحو اقتصاد انتاجي، يختم برو.

مصرف لبنانغلاء الأسعار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة