طوفان الأقصى

خاص العهد

عندما حفرت زهرة في الصخر وأنبتت مقاومة
23/05/2020

عندما حفرت زهرة في الصخر وأنبتت مقاومة

خاص العهد

 

الحاجة زهرة شعيب ابنة بلدة الشرقية الجنوبية، كثيرٌ من الجيل الحالي يجهل هذا الاسم، لكن جيل المقاومين الأوائل أو الجيل المؤسس يعرفه جيّدًا. هي شاهدة على البدايات الأولى للمقاومة، حيث لم يكن حينها التقرب من المقاومة "مُربِحًا".. كان عود المقاومة ما يزال طريًا، وكان القريب منها في تلك الفترة منبوذًا وملاحقًا أمنيًا. عندما كانت زهرة شعيب تضع أولادها في السيارة وتتنقل من قرية الى أخرى في الجنوب المحتل مخاطرة بحياتها لنقل الشباب إلى معسكرات التدريب أو نقل السلاح الى المقاومين، كانت تعلم في حينها أنها معرّضة للقتل في كل حين مع أطفالها، أو الاعتقال. بكل رِفعة رأس كانت زهرة تواجه العملاء عند الحواجز، تحاججهم، ترفض الانصياع  لأوامرهم، تأبى أن تحمل منهم تصريح مرور وتقول للمرتزق عند حواجز المرور في الجنوب المحتل: "هيدي أرضي انت مين أعطاك إجازة تتواجد فيها؟".

عام 1982 كانت المقاومة في طور البدايات. الجوّ العام في ذلك الحين لم يكن مساعدًا لزهرة الشابة في كثير مما قامت به. كان دورها متقدمّا على كثير من الرجال الذين اختاروا السكوت أمام المحتل. اتخذت سيارتها منزلاً لها، كانت تنام فيها لأيام مع أطفالها عند الضرورة، كل ذلك لأجل المقاومة. في إحدى الليالي دخل مرتزقة العدو الى منزل في احدى القرى وطردوها منها بعدما اكتشفوا أنها تعقد فيه الاجتماعات، وكانت ستبيت فيه ليلتها، حينها، خرجت في منتصف الليل وحيدة مع أطفالها، وحين أطل الصباح بنوره، كانت قد وصلت الى "جبشيت" قرية الشيخ راغب حرب. وصلت الى منزله فوجدته أمام باب الدار وقد حضّرت له زوجته وجبته المفضلة "بطاطا مقلية وبندورة". ابتدأته بالكلام: "شو عبالك قاعد هون وأنا مزعوبة من الليل"، ابتسم الشيخ راغب وأجابها "هيدا طريقنا شو بدي اعملك".

هكذا هو جيل المقاومين الأوائل، لا تقف أمامه عثرات ولا يحول بينه وبين جهاده أي عائق. القليل من المتاع والطعام هو زادهم، قدوتهم الامام الخميني (قدس سره) الذي أنبأهم منذ ذلك الحين: "اسرائيل باحتلالها للجنوب حفرت قبرها بيدها".

زهرة شعيب لم تكن فقط امراة عملت على نقل السلاح للمقاومين في سيارتها وتحمّلت الصعاب لأجل ذلك، هي مقاوِمة تواجدت في سوح تطلّب حضورها فيها. كانت حاضرة في اجتماعات التخطيط، تناقش، وتنقل الطعام، وتتواجد في الاعتصامات، وتحمل الرايات وتساهم في نشر الوعي ضد الاحتلال. حتى التطبيع مع العدو من خلال التعامل مع البضائع الاسرائيلية في الجنوب، قاومته زهرة بما توفر لديها من أضعف الايمان: باللسان. كانت تتعمد التجول في الاسواق حيث ينشر الصهيوني بضائعه، وتدعو الناس الى عدم شراء هذه السلع، ما يدفع أصحاب المحال في حينها الى طردها. ذات مرّة قالت زهرة لحاجة طاعنة في السن وهي تحاول توعيتها لعدم شراء البطيخة الاسرائيلية "هيدي يا حجة بضاعة نجسة"، فترد الحاجة "يا بنتي معليه بغسلها".. تبتسم الحاجة زهرة عندما تتذكر هذه الطرائف البسيطة، التي كانت كثيرة الحضور في ذلك الزمن.

هي امرأة من الزمن الصعب، عندما كانت ذات مرّة في مهمة مقاوِمة سألت الشيخ راغب حرب عن مصير أطفالها من بعدها، قال لها "لمين عم نعمل مبرّة السيدة زينب(ع)؟"، جواب طمأنها. بهذا الزهد الدنيوي كان يتمتع المقاومون الأوائل.

اليوم، تكتنز الحاجة زهرة شعيب في بالها الكثير من الوقائع والأحداث عن بدايات المقاومة، وصعوبات المرحلة وعظيم التضحيات.. أحداث يجب أن تؤرّخ، لتقدّم للأجيال القادمة، فتكون النموذج المقاوم المضحي والشجاع، الزاهد، والمنتصر.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل