يوميات عدوان نيسان 1996

معتقل الأحرار

معتقل الخيام.. هكذا كانت لحظات الحرية
23/05/2020

معتقل الخيام.. هكذا كانت لحظات الحرية

زينب ضاهر

قبل تحرير 25 أيّار عام 2000 بفترة زمنيّة كانت المقاومة الإسلامية تعدّ العدّة لمرحلة الانسحاب الإسرائيلي، بمعنى أنّ ذلك كان متوقّعاً في تلك الفترة بالتحديد نتيجة عدم قدرة العدو على الصمود بوجه الضربات الموجعة للمقاومة.

عسكريّاً
يقول أحد المقاومين الذي كان بين أولى الطلائع التي دخلت المنطقة المحرّرة إنّ المقاومة كانت تتحضّر في كلّ الميادين لذلك الحدث التاريخي، على المستوى الإعلامي والعسكري والأمني وكلّ المستويات المطلوبة لحظة حصول التحرير.

"عندما بدأ الاندحار الإسرائيلي جهّزنا أمورنا، وكنّا على اتّصال مباشر مع مجموعات كانت متواجدة في القرى والبلدات بشكل سرّي."
كان لدى المقاومة همّ أساسيّ هو معتقل الخيام والأسرى المتواجدون بداخله، يروي الحاج ياسر لموقع العهد الإخباري: "كان الأسرى بالنسبة لنا نقطة حسّاسة جدّاً ومركزيّة، وكان لدينا قلق من احتمال أن يتمكّن الإسرائيلي من نقلهم معه إلى فلسطين المحتلّة عند انسحابه."

في يوم 23 أيّار من العام 2000، انطلق المقاومون من مناطق متعددة ومحاور مختلفة للوصول إلى الشريط المحتلّ، وخصوصاً في منطقة مرجعيون والخيام وحاصبيا حيث كان لدى المقاومة محور أساسي من جهة البقاع الغربي.

معتقل الخيام.. هكذا كانت لحظات الحرية

في حوالى الساعة الثامنة صباحاً، كان الإسرائيلي يحاول نقل الأسرى من معتقل الخيام إلى ثكنة مرجعيون أو إلى داخل فلسطين المحتلة، ولكن كان لتجمّع عدد كبير من الأهالي من بلدة الخيام بشكل رئيسي ومن البلدات المجاورة أمام بوابة المعتقل والدخول إلى المعتقل، وخوف العملاء بسبب وصول طلائع الأهالي والمقاومين إلى المناطق التي كانت محتلّة، الفضل في إثارة الرعب والهلع في صفوف العملاء الذين اضطروا إلى الهرب.

وقتها دخل الأهالي وكسروا قيود الزنازين وبدأ الأسرى المحررون يتوافدون إلى حسينية بلدة الخيام. عند حوالى الساعة 12 ظهراً كان جميع الأسرى المحررين قد أصبحوا في الحسينية. وفي الوقت نفسه كان عدد كبير من العملاء قد بدأوا بتسليم أسلحتهم إلى الأهالي.

واستمرّت حالة الانهيار والتضعضع لدى العدو الإسرائيلي وعملائه على حدّ سواء. وفي مساء اليوم نفسه كان مجاهدو المقاومة قد وصلوا إلى البلدات المحررة.

وعند الساعة الثامنة مساءً، تمّ نقل المعتقلين في حافلات للصليب الأحمر عن طريق البقاع باتجاه بيروت، إلى الضاحية الجنوبية تحديداً حيث كان في استقبالهم مهنّئاً الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.

"كان هدف المقاومة الأساسي في تلك المرحلة هو عدم تمكين الإسرائيلي من نقل الأسرى من المعتقل إلى داخل فلسطين المحتلّة. وفي هذا الإنجاز حقيقةً كان أهالي الأسرى وأهالي بلدة الخيام هم من قاموا بالجهد الأساسي لمنع العدو الإسرائيلي من تنفيذ خطته،" يضيف الحاج ياسر.
بعد وصول المجاهدين إلى القرى والبلدات تمّ جمع عدد كبير من العملاء الذين لم يفرّوا إلى فلسطين المحتلّة. وجرى تنظيم تسليمهم إلى أجهزة الدولة اللبنانية. يشرح الحاج ياسر قائلاً إنه لم يتمّ التعرّض لأحد منهم بإهانة أو ضرب وفقاً لتوصيات قيادة المقاومة بعدم التعرض لهؤلاء العملاء، الذين تمّت إحالتهم إلى القضاء اللبناني، ونال معظمهم أحكاما مخففة.

"دخلت طلائع المقاومين إلى المناطق في حين كان العدو الإسرائيلي لا يزال متمركزاً في موقع الشريقة وثكنة مرجعيون. وكانت تسيطر على العدو حينها حالة من الخوف والهلع. دخل المقاومون من منافذ عدّة، بدءاً من منطقتي بلاط ودبّين، ثمّ إلى الخيام عبر بلدة إبل السقي ومنافذ أخرى منها منطقة الحمّام التي تمثّل أحد مداخل بلدة الخيام. وكانت الدبابات الإسرائيلية ما تزال هناك في ذلك الوقت."

يروي الحاج ياسر أنه حوالى الساعة الواحدة ليلاً، انسحب العدو الإسرائيلي من موقع الشريقة ثمّ أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على الموقع ودمّره بشكل شبه كامل. وبقي العدو الإسرائيلي يسحب آلياته من سهل الخيام باتجاه فلسطين المحتلة حتى الرابعة صباحاً من يوم 24 أيّار. وقد تمّ اعتقال عدد كبير من العملاء واغتنام الأسلحة والذخائر.

معتقل الخيام.. هكذا كانت لحظات الحرية

"كانت هناك مراكز مهمّة للعدو الإسرائيلي وكان لدينا أمر مهمّ وأساسي في ما يتعلّق بالأرشيف الموجود داخل معتقل الخيام وداخل مركز الأمن التابع للعملاء. كان الحصول على هذا الأرشيف من ضمن الأهداف الرئيسية للمقاومة منذ ما قبل حصول التحرير. والحمد لله وفّقنا في الحصول على كمّ هائل من المعلومات المتعلّقة بنشاط العدوّ وكيفية تجنيده للعملاء والضغوطات التي كانت تمارس على الأهالي لإخضاعهم وإجبارهم على الدخول في أجهزة العدو العسكرية والأمنية."

شعبيّاً

بدأت أخبار الانهيار والتداعي والتراجع في صفوف جيش العدو الإسرائيلي قبل يوم التحرير بأيام قليلة. زحف الأهالي إلى المنطقة المحررة، ولكن الجيش اللبناني أوقفهم في منطقة كفرتبنيت لأنّ العدوّ كان ما يزال في قلعة الشقيف-أرنون.

وفتحت أبواب معتقل الخيام في يوم 23 أيار 2000. ولم يكن لدى الأسرى أي علم بما يحصل، فهم لم تكن تصلهم الأخبار لا من خلال تلفاز أو حتى جريدة. لم تكن تصلهم الأخبار إلا عبر أسير جديد يخبرهم عمّا حصل قبل اعتقاله، أي قبل ثلاثة أو أربعة أشهر من لقائه بهم، بعد أن تنقضي فترة التعذيب والتحقيق والسجن الانفرادي. إلا أنّ الأسرى كانوا يتحسسون حركة غريبة في صفوف العملاء والسجانين.

وفجأة علا صوت الهتافات والتكبير. وللوهلة الأولى، ولكثرة ما تعرّض الأسرى للتهديد بالإعدام، ظنّوا أنّ هناك خدعة ما لإخراجهم من الزنازين ثمّ البدء بالإعدامات. فلم يكن ببال الأسرى أن التحرير آنذاك كان يسرع الخطى نحوهم.

عندما وصل الأهالي إلى باب المعتقل، لم يجرؤ بعض الأسرى على الخروج من الزنزانة، خصوصاً أولئك الذين لم يكونوا من أبناء الخيام. فأبناء البلدة شاهدوا أهاليهم، أما أبناء القرى المجاورة فلم يكونوا يعلمون وجهتهم إذا خرجوا من زنازينهم. كانت الهواتف الخلوية في أول انتشارها وقام البعض بالاتّصال بأهالي هؤلاء الأسرى كي يصدّقوا أنهم تحرروا وأنّ بإمكانهم الخروج.

وكانت الصدمة بحجم فرحتهم، بحجم توقهم إلى الحريّة، وبحجم رغبتهم بالخلاص من ذلك العذاب المهين. في مشهد أتمّ عامه العشرين، كان العناق سيّد الموقف.

داخل المعتقل ولكن خارج الزنازين

بالرغم من تحقيق حريّتهم، أخذ الأسرى على عاتقهم إبقاء معتقل الخيام معلماً يتعرّف من خلاله زوّاره ليس إلى تلك الجدران والزنازين فحسب، بل إلى قصص التعذيب والترهيب التي مرّت على المعتقلين في تلك السنوات الطويلة.

لقد بدأوا فوراً بعد التحرير بمرافقة زوّار المنطقة من مختلف المناطق اللبنانية والدول العربية والأجنبية، وبسرد فصول من معاناتهم مع ذلك العدو الذي لا يرحم. وكانت المفارقة هي الدهشة التي تعتري ممثلي المنظمات والجمعيات الحقوقية الأوروبية، الذين كانوا يستغربون الوقائع، هم الذين كانت تصلهم عبر وسائل إعلامهم الأخبار المضلّلة والكاذبة.

لم يكونوا يعلمون أنّ هؤلاء يقاومون محتلّاً اجتاح أرضهم. كانوا يظنّون أنّ هؤلاء الأسرى يقومون بالاعتداء على العدو الإسرائيلي فحسب، أي من دون سبب أو مبرّر. وبعد أن اتّضحت الصورة وتحسّنت لدى المجتمع الغربي، انزعج الإسرائيلي واستغلّ حربه في تمّوز عام 2006 حتى يطمس معالم هذا المكان. ولكنّ الأسرى ما زالوا حتى يومنا هذا يروون لزوّار المكان عذاباتهم وكلّ التفاصيل المتعلّقة بالجرائم الوحشية التي حصلت خلف جدرانه.

معتقل الخيام

إقرأ المزيد في: معتقل الأحرار