طوفان الأقصى

خاص العهد

هكذا تتم
08/05/2020

هكذا تتم "المضاربة" بالدولار في السوق السوداء.. وهذا ما يقوله لـ"العهد" القاضي ابراهيم 

فاطمة سلامة

لم يعد الدولار كما جرت العادة على تسميته عملة صعبة، بل أضحى عملة نادرة في السوق اللبنانية إن لم نقل معدومة. منذ أشهر وتأمين العملة الخضراء بات الشغل الشاغل لدى كثيرين، مع ما حمله هذا الأمر من تداعيات. الأخيرة لم تقتصر على تهديد النقد الوطني، بل بات الأمن الغذائي والمعيشي في دائرة الخطر. الحد الأدنى للأجور بات حوالى الـ160 دولاراً. القدرة الشرائية للمواطنين باتت على قاعدة "من الجمل أذنه". وفي هذا الصدد، "دبّ كثيرون الصوت"، وشكوا سوء حالهم وحياتهم التي انقلبت رأساً على عقب جراء الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار. 

ومنذ أشهر وحتى اليوم، تحوّل ارتفاع سعر صرف الدولار والانهيار الدراماتيكي لليرة الى مادة دسمة حاضرة دوماً في مختلف المقاربات والمقابلات. وعلى الدوام، يوضح الخبراء الاقتصاديون أن للارتفاع أسباباً عدّة، مع وضع علامات استفهام كثيرة على عمل منظومة الصرافة في لبنان. الأخيرة على الدوام كانت تنفي مسؤوليتها، وتصدر البيانات المستنكرة لهذا الفعل، لا بل تعلن من وقت لآخر توقفها عن العمل، وتحمّل الصرافين غير الشرعيين المسؤولية. أمس، وفي تطور يصفه مراقبون بالمهم أعطى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم إشارة الى دائرة التحري بتوقيف نقيب الصرافين محمود مراد بتهمة التلاعب بسعر صرف الدولار، وذلك بعد جملة اعترافات لصرافين قطعت الشك باليقين. اعترافات كشفت -وفق ما يقال- عن تكليف مراد مجموعة لشراء مئات الآلاف من الدولارات بشكل شبه يومي من السوق السوداء للتحكم بسعر الصرف كيفما يشاؤون، وممارسة عملية المضاربة كما يحلو لهم. فماذا تعني المضاربة في المفهوم الاقتصادي؟ وماذا يقول القاضي ابراهيم لـ"العهد" عن هذه الخطوة؟ وما هي وجهة نظر القانون؟. 

القاضي ابراهيم: مراد متهم بجرم زعزعة الثقة بالنقد الوطني

لدى سؤال المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم عن ملف الصرافة، يؤكّد أنّ ملاحقة  الصرافين بدأت منذ حوالى الشهر، فالأسبوع الماضي وما سبقه شهد "حفلة" كبيرة في هذا الإطار، حيث تكثّفت التوقيفات وطالت عشرات الصرافين، وجرى ختم مكاتب بالشمع الأحمر وضبط أموال، حتى وصلنا الى خطوة الأمس (الخميس) والتي تمثّلت بتوقيف نقيب الصرافين محمود مراد على قاعدة أنّ المرتكب سيعلق في شباك القضاء للمحاسبة. 

بناء على أي تهم استندتم بالإشارة التي وجهتموها الى دائرة التحري لتوقيف مراد؟ يجيب القاضي ابراهيم بالتأكيد أنّ أهم جرم يجب أن نعرفه جميعاً هو زعزعة الثقة بالنقد الوطني،  بالإضافة طبعاً الى مخالفات أخرى من ضمنها مخالفة قانون الصرافة. وفق ابراهيم، كل تلك التهم تهون أمام زعزعة الثقة بالنقد الوطني الأمر الذي كان له تداعيات واسعة، وهذا الأمر -بحسب ابراهيم- بيّنته اعترافات صرافين. 

ويؤكّد ابراهيم لموقعنا أنّنا سنقوم بواجباتنا في هذا الملف، تماماً كباقي الملفات. يأمل أن تحد هذه التوقيفات من التطور السريع لسعر صرف الدولار، وأن يسود الهدوء هذه القضية، بعدما  شهدنا ارتفاعاً كبيراً في الفترة الأخيرة. 

وفي الختام، يتمنى المدعي العام المالي أن توصل التوقيفات، خاصةً تلك التي جرت بالأمس الى نتائج جيدة، واصفاً ملف التلاعب بسعر صرف الدولار بالملف الوطني خصوصاً في هذه الأيام الصعبة. 

وجهة النظر الاقتصادية

عكوش: أسباب متعدّدة لارتفاع سعر الدولار منها المضاربة 

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يستهل حديثه لموقع "العهد" الإخباري بالإشارة الى أنّ هناك عدّة أسباب تتحكم بارتفاع سعر صرف الدولار، ومن ضمنها فقدان هذه العملة الصعبة. الفقدان جاء نتيجة مجموعة عوامل منها توقف مصرف لبنان عن ضخ  الدولار، يضاف الى ذلك الازمة الاقتصادية التي بدأت منذ أشهر، وعقبها أزمة "الكورونا". تلك الأزمات أدت  الى منع دخول العملة الصعبة من الخارج، ففي السابق كان يدخل الى لبنان حوالى السبعة مليار دولار في السنة كتحويلات من المغتربين، واليوم للأسف نتيجة هذه الأزمة لا تدخل هذه الكمية ما يُفقد الأسواف هذه العملة.

ما هي المضاربة؟ 

الأسباب التي يذكرها عكوش آنفاً، يُضيف اليها عملية المضاربة التي امتهنها الصرافون. ما هي هذه العملية؟ يوضح عكوش أن المضاربة على العملة، هي صيغة من صيغ التبادل التي تجري في سوق تداول العملات تتضمن في حيثياتها عمليات شراء عملة محددة، بهدف إعادة بيعها في لحظة معينة بسعر أعلى. كيف ذلك؟ يتوسّع عكوش بالشرح فيلفت الى أنّ الصرافين يعلمون بأنه ونتيجة الأسباب التي ذكرت سابقا (عدم ضخ مصرف لبنان للعملات، الأزمة الاقتصادية، الكورونا، وقف التحويلات...) سيشهد سعر صرف الدولار مزيداً من الارتفاع، ففقدان العملة يساعدهم في عملية المضاربة، لذلك يعمل الصرافون على جمع هذه العملة من الأسواق وحجبها عن السوق للاستفادة في وقت لاحق من الارتفاع بسعر الصرف، وهنا تدخل -وفق عكوش- ما اصطلح على تسميته بعملية "تصفية مراكز". نحن نلاحظ أحياناً أن سعر الصرف ارتفع بشكل كبير كأن يصل مثلاً الى الـ 4600 ليرة أو الـ4700 ليرة، وهنا يعمد الصرافون الى تصفية هذه المراكز لإنزال السعر، وهذا ما كنا نلاحظه في النهار نفسه، حيث كان يهبط السعر الى الـ4000 ليرة. في هذا الوقت يستفيد الصرافون من العملية ويعملون على تجميع الدولارات من السوق مجدداً لحجبها والاستفادة منها وبيعها بسعر عال.

 

هكذا تتم "المضاربة" بالدولار في السوق السوداء.. وهذا ما يقوله لـ"العهد" القاضي ابراهيم 

على سبيل التبسيط وفي مثال على عملية المضاربة، يقوم الرأس المدبّر بعملية الصيرفة بإعطاء الصرافين الذين يعملون بإمرته مبلغاً كبيراً من المال بالليرة اللبنانية ويطلب منهم شراء الدولارات من السوق على أساس الـ4000 ليرة مثلاً. في هذا الوقت، يجري تجميع الدولارات، لتصبح عملة نادرة في الأسواق ويُصار تبعاً لذلك الى التحكم بالجهات المضطرة لشراء الدولار كمستوردي السلع الغذائية وغيرهم. لا بل أكثر من ذلك، يقول عكوش، من الممكن في النهار نفسه أن يتفق مجموعة من الصرافين مع بعضهم البعض، على أن يرفع أحدهم السعر ويخفضه الآخر لكي تتم المضاربة. وفق قناعات المتحدّث، فإنّ من يلعب بسعر صرف الدولار هي مجموعة متواطئة مع بعضها البعض. 

إصدار الإشاعات 

كما يعمد هؤلاء الصرافون أحياناً الى إصدار إشاعات في الأسواق. هذا الأمر نلاحظه في الأسواق العالمية وهذه الاشاعات تلعب دوراً كبيراً -برأي عكوش- في رفع سعر الصرف وعملية المضاربة لأنها ترفع أو تخفّض السعر. فمن يرمِ الإشاعة يعلم الحقيقة، وبالتالي يعلم كيف يستغل هذا الموضوع بيعاً أو شراءً. 

هل من الممكن بعد انكشاف أمر الصيارفة أن نشهد هبوطاً بسعر صرف الدولار؟ يجيب عكوش على هذا السؤال بكل صراحة وبالاشارة الى أنّ العملية قد تخفّف بعض الشيء، ولكن هناك عوامل تفرض نفسها، فحتى لو تم إيقاف الصرافين، باستطاعة هؤلاء إقفال أبواب مكاتبهم والعمل في السوق السوداء. لا ينكر عكوش أن خطوة القضاء مؤثرة، ولكن لكي تكون مؤثرة جداً عليها أن تأتي ضمن مجموعة عوامل وتدابير تطرحها الحكومة لضبط هذه العملية، والا فالتوقيفات وحدها لا تكفي، يختم عكوش.   

وجهة نظر القانون

الكيك: هذه هي المواد القانونية والجرم بحاجة الى إثبات 

الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك تؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ القانون اللبناني لا يحتوي صراحةً على نص يُجرّم بيع وشراء العملة الأجنبية، بدليل أن الصراف حاصل على ترخيص تنظيمي من مصرف لبنان بصفته الهيئة الناظمة بالدولة. ولكن قانون العقوبات وفي المادتين 319 و320 منه، يتناول قضية الجرائم المالية الواقعة على النقد الوطني من خلال أن يكون الفعل قد أدى الى التلاعب بالنقد والمضاربات. وبحسب الكيك، تقول المادة 319 حرفياً:" من أذاع وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الاسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسماية الف ليرة الى مليوني ليرة، ويمكن فضلا عن ذلك أن يقضى بنشر الحكم".

 

هكذا تتم "المضاربة" بالدولار في السوق السوداء.. وهذا ما يقوله لـ"العهد" القاضي ابراهيم 

أما المادة 320 فتنص وفق ما تشير الكيك الى أنّه:" يستحق العقوبات نفسها كل شخص تذرع بالوسائل عينها لحض الجمهور: اما على سحب الاموال المودعة في المصاريف والصناديق العامة، أو على بيع سندات الدولة وغيرها من السندات العامة او على الامساك عن شرائها".

وبحسب الكيك، فإنّ الجرم بحاجة الى إثبات لشروط التجريم كأي جريمة تحتوي على عنصرين مادي ومعنوي. المعنوي يتمثّل في أن يكون القصد ارتكاب هذه الجريمة، والمادي بحاجة الى مجموعة أركان ومعايير مادية تحققت.

وتبدو الكيك غير مقتنعة بأن يتمكّن شخص واحد بالتلاعب بالعملية النقدية في البلد. برأيها فإنّ هذا الأمر غير منطقي، ولهذا فهي ترى -على الصعيد الشخصي- أن الصرافين باتوا "كبش محرقة" رغم إشارتها الى أن القضاء والقاضي علي ابراهيم بالتأكيد يمتلكون معطيات أخرى في هذا الملف، سائلةً: لماذا اليوم يلاحق الصرافون ولماذا لم تتم ملاحقتهم منذ بداية الأزمة؟ ما دام هناك نص يُجرّم المخالفات، هل بإمكاننا في المقابل أن نلزم الصرافين ببيع الدولار؟.

وفي الختام، تقول الكيك "ورد في خطة الحكومة أن القيود التي تفرضها المصارف على السحوبات تؤدي إلى تفاقم أزمة شح العملة الأجنبية، وبسياق شعار حماية الاقتصاد الوطني لا بدّ أيضاً من مساءلة المصارف تحقيقاً لمبدأ المساواة".

القاضي علي ابراهيم

إقرأ المزيد في: خاص العهد