يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

25/04/2020

"العهد" يتابع قضيّة الفيول "المغشوش" ويكشف أبرز ما بيّنته التحقيقات 

فاطمة سلامة

في الآونة الأخيرة، كثُر الحديث عن الفساد والفاسدين. هذه المعضلة تراها ضاربة بجذورها في عمق النظام اللبناني. يكاد لا يخلو مرفق من عمليات فساد وصفقات مشبوهة حمّلت خزينة الدولة ما لا طاقة لها به. اليوم، وفي عزّ الأزمة الاقتصادية الخانقة، يبدو لا سبيل أمام لبنان لالتقاط أنفاسه سوى باسترجاع الأموال المنهوبة. الأخيرة حكماً لن تسترد سوى بقضاء نزيه يقوم بواجباته بعيداً عن كافة المظلات والحمايات السياسية. 

لا تفارق النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون مكتبها في قصر العدل ببعبدا. في عز أزمة "الكورونا" التي فرضت حضوراً نادراً في القصر بعد أن كان "خلية نحل"، تواصل أعمالها وتحقيقاتها. تحقيقات قد تكسر فيها هذه المرة الخطوط السياسية الحمراء. تماماً كما جرى سابقاً، وجلنا لا يزال يتذكّر كيف تسمر أمام شاشات التلفزة لدى ادعائها على رئيس حكومة سابق، ليتفاجأ من قاضية تُسجّل سابقة في تاريخ لبنان. اليوم تمثل بين يدي القاضية عون ملفات دسمة تتعلّق بقضية الفيول "المغشوش". تلك القضية التي كُشفت معالمها في الحادي عشر من آذار/مارس الماضي، حين رست الناقلة البحرية "baltic" في لبنان وعلى متنها حمولة من "الفيول أويل" "المضروب". لتكشف تلك الناقلة اللثام  عن موظفين احتالوا على الدولة، وتعاملوا معها وكأنهم يعيشون في "مزرعة" فنهبوا المالية العامة، مستغلين نفوذهم الوظيفي لصالح جني الأموال والثروات من الرشاوى. ولمن لم يتسنّ له متابعة القضية، فإنها باختصار تفضح تورط لبنانيين باستيراد فيول "مغشوش" لتأمين التغذية الكهربائية، مع ما يحمله هذا الأمر من تداعيات. فما جديد التحقيقات في هذه القضية؟. 

مصادر قضائية تُشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ ما كُشف في هذا الملف "يوجع الرأس"، فالتحقيقات كشفت الكثير من التجرؤ على الدولة اللبنانية وخزينتها. الحديث مع المصادر يُبيّن حرصها على  سرية التحقيقات التي لا تزال مستمرة وتسير على قدم وساق، اذ سيكون للقاضية عون تحقيق يوم الإثنين المقبل. وتوضح المصادر أنّ القاضية عون مصمّمة على متابعة هذا الملف من ألفه الى يائه ولن يؤثر على مسار التحقيقات أي صوت نشاز أو "تشويش" يصدر من هنا أو هناك. 

شركة وهمية متورطة

حرص المصادر على سرية التحقيقات لم يسر على مصادر أخرى مطّلعة على الملف. تلك المصادر تتحدّث لموقع "العهد" الإخباري بكثير من الأسف على كل هذا العبث الذي حصل بمالية الدولة. وتكشف المصادر لموقع "العهد" الإخباري تفاصيل التحقيقات التي بدأتها القاضية عون منذ أكثر من عشرة أيام، والتي بيّنت تورط شركة وهمية عملت كوسيط لإنجاز جميع التعاملات المتعلّقة باستيراد الفيول. هذه الشركة كانت مختبئة وراء الشركة الحقيقية والتي هي شركة "سوناطراك" الجزائرية. كيف ذلك؟ توضح المصادر أنّ لبنان ومنذ 15 عاماً يتعاقد مع شركة "سوناطراك" الجزائرية لاستيراد الفيول. الأخيرة من المفترض أنها تتعاون مع الدولة اللبنانية وتورّد لها الفيول، إلا أنّ التحقيقات بيّنت أنها لم تكن سوى واجهة على مدى 15 عاماً. الشركة الوهمية كانت تبيع الدولة الفيول، وهذا بحد ذاته -وفق المصادر- احتيال على الدولة، فهل يُعقل أن تتعاقد الدولة اللبنانية مع شركة رسمية للاستيراد، بينما الواقع يُبيّن أننا نشتري من شركة أخرى وهمية يديرها ويحركها لبنانيون لكسر خزينة الدولة اللبنانية أكثر؟. وهنا تلفت المصادر الى أنّ الشحنة التي كُشفت ليست الأولى بل سبقتها شُحنات مضروبة على مدى سنوات، والفضل هنا يعود لكاشف الفساد وفاعل الخير الذي اكتشف الشحنة الفاسدة الأخيرة. 

شبهات أولية تفيد تورط موظفين كبار في الدولة

وفي معرض حديثها، تكشف المصادر لـ"العهد" عن شبهات أولية تفيد بتورط موظفين كبار يشغلون مراكز حساسة في الدولة اللبنانية وتحوم حولهم شبهات فساد، وهم من كانوا مسؤولين عن الموظفين الصغار الذين جرى توقيفهم. وهنا تؤكّد المصادر توقيف 16 موظفاً يتقاضون رشاوى عن كل شحنة وبمبالغ ليست قليلة منذ سنوات، وأقله خلال الخمس سنوات الماضية، بالإضافة الى مدير شركة "سوناطراك". تعود المصادر لتؤكّد تورط أشخاص من كبار الموظفين في الدولة اللبنانية في عملية خداع الحكومات والاحتيال عليها لجني ثروات طائلة، فلو يُكشف عن حسابات هؤلاء الذين تبدو عليهم النعمة واضحة لتبيّنت بوضوح عملية نهب الدولة. وتلفت المصادر الى أنّ التحقيقات بينت شبهات أولية تحوم حولهم خصوصاً أننا نتحدّث عن عدد كبير من المتورطين داخل الجهاز الذي شهد استيراداً للفيول. هؤلا المتورطون الصغار يتقاضون أموالا ورشاوى فكيف بكبار الموظفين؟ تسأل المصادر. وهنا لا تخفي أنّ طريقة دفع الأموال لهؤلاء الكبار تختلف عن الموظفين الصغار الذين لا شك سيفضحون معلميهم. 

القاضية عون استدعت للتحقيق  اثنين من كبار المتعهدين والمقاولين

وتلفت المصادر الى أنّ الشركتين (سوناطراك وتلك الوهمية) تتحملان مسؤولية أساسية  في هذا الملف. وهنا توضح لموقعنا أنه وبالإضافة الى الـ16 موظفاً والموظفين الكبار الذين لا تزال المعطيات والشبهات حولهم أولية ويعمل القضاء على توسيعها، بالإضافة الى هؤلاء استدعت القاضية عون للتحقيق اثنين من كبار المتعهدين والمقاولين في هذا الملف، وهما المسؤولَين عن الشركتين (شركة سوناطراك وتلك الوهمية). 

وتؤكّد المصادر لموقعنا أنّ القاضية عون تستند في تحقيقاتها الى قانون تبييض الأموال معطوفاً على قانون الإثراء غير المشروع. وتوضح المصادر أنّ هناك معطيات جدية وإثباتات تفيد بتورط  الموظفين الصغار الذين اعترفوا على ألسنتهم بهذا الأمر. وتلفت المصادر الى أنّ هؤلاء الموظفين من المفترض أن يمثلوا أمام قاضي التحقيق للاستماع اليهم، رغم أنّ المصادر تشير الى أنّ القاضية عون سمحت لجزء محدّد من الموظفين بالانتقال بمرافقة أمنية للقيام بوظيفتهم تمهيداً لإفراغ باخرة فيول أمس. وتوضح المصادر أنّ القضاء مضطر للقيام بهذا الأمر لأنه لا يوجد بديل عنهم. 

وتلفت المصادر في معرض سردها لمراحل التحقيق في هذه القضية، الى أنّ  الباخرة ولدى وصولها الى بيروت أُرفقت معها تقارير تقول إنّ المواد التي على متنها مطابقة للمواصفات. أحد تلك التقارير أجراه bureau veritas -فرع مالطا. هذا المكتب تبيّن لاحقاً أنه متورط، ورغم أنّ هويته الحقيقية لم تكشف إلا أنّه يضع على التقارير "لوغو" دولة مالطا وختمها. 

وفي الختام، تؤكّد المصادر تورط مجموعة كبيرة من الأشخاص في استيراد هذه الشحنات غير المطابقة للمواصفات على وقع رشاوى وتزوير ملفات، وكل ذلك للاحتيال على الدولة وبيعها "فيول" مغشوش، يضر بالمولدات، وقد يضر أيضاً بالبيئة وصحة الناس ليُكشف وجه جدي من أوجه الفساد التي هلكت معها خزينة الدولة.

للمزيد حول القضية

غادة عون

إقرأ المزيد في: خاص العهد